دعم الإدارات الغربية اللامحدود للكيان الصهيوني يفضحها أمام شعوبها ويكشف عن انهيار ما تتبجح به من منظومة قيم تصفها بالكونية والإنسانية
دعم الإدارات الغربية اللامحدود للكيان الصهيوني يفضحها أمام شعوبها ويكشف عن انهيار ما تتبجح به من منظومة قيم تصفها بالكونية والإنسانية عكس ما هي في الواقع
محمد شركي
تتجنب الإدارات الغربية في شمال القارة الأمريكية ، وفي أوروبا الغربية طرح القضية الفلسطينية بناء على شواهد التاريخ التي لا مجال للالتفاف عليها أو تجاوزها ،وهي التي حشرت مئات الآلاف من الصهاينة كانوا يعيشون في أقطارها لقرون، ونقلتهم إلى فلسطين ليحلوا بها كمحتلين تماما كما كانت معظم تلك الإدارات تحتل دول الشرق الأوسط وباقي دول الوطن العربي بعد انهيار الدولة العثمانية موزعين تركتها فيما بينهم . ويشهد التاريخ الموثق تصويرا كيف تم إنزال مئات آلاف الصهاينة بحرا، وجوا، وبرا فوق الأرض الفلسطينية ، وكيف تم تسليح عصاباتهم لتتولى تهجير أصحاب الأرض وتوطين مواطنيها مكانهم .
ويكفي هذا الذي أقدمت عليه الإدارات الغربية من توطين للصهاينة في أرض لها شعبها الذي سكنها لقرون ، وهو ما سجله التاريخ الذي لا يخامره شك دليلا على انحطاط منظومة قيمها التي تتبجح بها ، وتنعتها بالإنسانية والكونية ، فضلا عن كونها تقاسمت احتلال أقطار عربية ظلما وعدوانا ، و صفت الملايين من العرب ، واستنزفت مقدراتها من أجل توفيرالرفاهية الباذخة لشعوبها وبناء حضارتها المتطورة ماديا، والمنحطة أخلاقيا إلى أسفل سافلين.
ولقد زرعت هذه الإدارات الورم الصهيوني في قلب الوطن العربي من أجل أن يقوم بدور وكيلها في المنطقة ،تستخدمه من أجل أن تستمر في وضع يدها على مقدرات هذا الوطن خصوصا الطاقة التي تعتمد عليها صناعاتها ، فضلا عن مقدرات أخرى لا داعي للتفصيل فيها، لأنها أوضح من شمس الضحى لدى الإنسان العربي البسيط بله المثقف الذي له اطلاع .
ودون خجل اعتمدت تلك الإدارات كذريعة لتبرير زرع الورم الصهيوني في فلسطين أساطيره التلمودية التي أكل وشرب عليها الدهر، والتي يبرر بها ما يدعيه من حق في أرض لها شعبها الذي لا يمكن بحال من الأحوال طمس هويته العربية والإسلامية ، وعلى رأس تلك الأساطير كما سماها الفيلسوف الفرنسي المسلم رجاء جارودي في كتابه الشهير الذي صودر في العالم الغربي من أجل الحيلولة دون وصوله إلى الشعوب الغربية التي خدعت ومُرِّرت عليها أسطورة هيكل سليمان ، وأرض الميعاد لحشد التعاطف مع الصهاينة الذين وُطِّنوا بالقوة في فلسطين . ولقد ظلت الشعوب الغربية ضحية خداع أنظمتها لعقود تورطت خلالها في دعم عسكري، واقتصادي، وسياسي، وإعلامي لا محدود للصهاينة، بل خاضت معهم حروبا ضد جيوش عربية حاولت استرجاع ما ضاع من أرض فلسطين ، لكنها ضيعت المزيد من أراضي الدول المجاورة لها بسبب الدعم الغربي للصهاينة الذي كان دائما يخلق الفرق العسكري الشاسع بين الجيوش العربية وبين الجيش الصهيوني . وهنا أيضا نذكر بما سجله التاريخ تصويرا ، وفيه شهادة أخرى على انحطاط القيم الغربية التي تتبجح بها الإدارات الغربية المتعاقبة التي تختار وفق مزاج اللوبي الصهيوني المتحكم في بلاد الغرب اقتصاديا، وإعلاميا إذ لا بد لكل إدارة غربية تريد الوصول إلى مركز صنع القرار في بلدانها أن تبادر بالتودد إلى هذا اللوبي ، والتعهد له بالدعم اللامحدود للكيان الصهيوني حتى صارت نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في الغرب معروفة سلفا بناء على ما يقرره اللوبي الصهيوني ، وكفى بهذا أيضا دليلا على انحطاط قيم الغرب المتبجح بها الذي ينعتها بالكونية والإنسانية .
ولقد راهنت الإدارات الغربية مع الكيان الصهيوني على طمس معالم القضية الفلسطينية مع تراخي الزمن ، وأطلقت ما سمته بمسلسلات سلام لذر الرماد في العيون مع استمرار الكيان في توسعه داخل حدود فلسطين ، وبناء المستوطنات التي هي خير شاهد على عملية توطين الصهاينة استنباتا وزرعا في أرض لا حق لهم فيها إلا في أوهامهم التلمودية البائدة . وسكوت الإدارات الغربية على سياسة الاستيطان الصهيوني دليل آخر على انحاط قيمها التي تسوق إعلاميا وهي كاذبة أنها تعارض الاستيطان ، وهي في الحقيقة تدعمه وتموله من أموال الضرائب التي تؤديها شعوبها .
ولما تأكد الشعب الفلسطيني من أكاذيب مسلسلات السلام التي طال عهد الوعود الكاذبة بها لم يجد بدا ولا مندوحة عن حمل السلاح لاسترجاع ما أخذ منه بالقوة. ومن أجل إجهاز الإدارات الغربية على فكرة نضال الشعب الفلسطيني ، وطمسها لجأت إلى أسلوب التفريق بين أفراد هذا الشعب ، وصنفته إلى صنفين صنف يراهن معها على مسلسلات السلام الفارغة المضمون ، وصنف صارت تلفق له تهمة الإرهاب والتخريب متنكرة لما تقرره قوانين من وضعها تجيز حمل كل الشعوب المحتلة أراضيها السلاح لتحريرها ، وكان الاستثناء الوحيد هو الشعب الفلسطيني من أجل التمكين للصهاينة على حسابه وجوده وهويتها .
ومع تصاعد وتيرة الدعم اللامحدود للكيان الصهيوني توسعت أطماعه التي لم يعد يخفي منها شبئا ، وسايرته الإدارات الغربية في ذلك ، وانخرطت معه في مؤامراته الهادفة إلى تحقيق أطماعه تحت شعارات مخزية مما سمي بصفقة القرن أوالبيت الإبراهيمي الذي أريد بهما طمس معالم القضية الفلسطينية إلا أن الشعب الفلسطيني بارد من خلال طوفان الأقصى إلى الإجهاز على تلك المؤامرة المكشوفة ونسفها من أصلها .
وكانت ملحمة الشعب الفلسطيني الذي راهنت الإدارات الغربية مع الكيان الصهيوني على فكرة استئصاله بالقوة ، وفرض ما لم ينجح بالتآمر عليه إلا أن هذا الشعب ضرب أروع الأمثلة في الصمود ، وقدم مئات الضحايا معظمهم أطفال، ونساء ، وشيوخ، وقد وثق التصوير الإعلامي الحي إبادتهم الجماعية التي تابعتها كل شعوب المعمور، شعوب ، وعلى رأسها بلاد الغرب الداعمة إداراتها للكيان الصهيوني بلا حدود ، والتي زودته بأحدث الأسلحة المدمرة للإنسان والعمران . ولأول مرة ينشأ لدى الشعوب الغربية وعي أيقظ ضمائرها ،الشيء الذي جعلها تخرج طيلة أيام الحرب على قطاع عزة في مظاهرات ومسيرات حاشدة منددة بجرائم الإبادة الجماعية ، وبإداراتها المؤيدة والداعمة للإجرام الوحشي الصهيوني ، و المعطلة لقرارات مجلس الأمن ، والساكتة على جرائمه التي فاقت فظاعتها غير المسبوقة كل الفظائع التي سجلها التاريخ من قبل باعتبار آلة الحرب المستعملة فيها قياسا مع ما كان من قبل في الحروب السابقة .
ولقد واجهت الشعوب الغربية ساستها في محافلهم بالتنديد الشديد ، واتهمتهم بالمشاركة الفعلية في إبادة الشعب الفلسطيني منادية بحريته واستقلاله ، ورافضة تحويل أموال ضرائبها لدعم جيش لا قيم ولا خلاق له عكس ما يدعيه ، وتقره عليه الإدارات الغربية ، وتسوق له في إعلامها الذي طالما كذبت من خلاله على شعوبها استغفالا لها ، وصرفا لها عن الحقائق المؤلمة في قطاع غزة، وكل ذلك شهادات على انحدار قيمها التي تنعتها بالإنسانية والكونية إلى الدرك الأسفل من الحضيض ، وغير المسبوق .
واليوم ، وبعد أن حانت ساعة تنفيذ وقف الحرب غير المتكافئة بكل المعايير، والتي دامت بلا هوادة خمسة عشرا شهرا ، وهي حرب سَوَّف مجرموها كثيرا من أجل ألا تتوقف حتى يبيدوا أهل غزة ، ويعيدوا من جديد مشاهد تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه التي حدثت سنة 1948 وما تلاها من سنوات الاحتلال الصهيوني البغيض ،عاين العالم مواصلة تقتيل أهل غزة تحت ذريعة عدم توصله بأسماء الرهائن الثلاث ، علما بأن مواصلة قصفه المتواصل في غزة عند إعلان موعد انعقاد الصفقة قبل أربعة هو ما حال دون إعلان المقاومة عن أسماء تلك الرهائن . ولا يخفى ما في مواصلة الكيان المحتل قتل أهل غزة بعد حلول ساعة وقف إطلاق النار للشروع في تسوية ملف الرهائن من دليل دامغ على أن جيشه الذي يفاخر، ويدعي أخلاقا عسكرية ، ما هو في الحقيقة سوى عصابات إجرامية لا خلاق لها ، الشيء الذي يفضح الإدارات الغربية الداعمة له أمام شعوبها التي ضاقت ذرعا بالاستخفاف بها تحت شعارات زائفة تتغنى بالقيم الإنسانية الكونية التي لا أثر لها يذكر في الواقع .
ولقد سجلت المقاومة الفلسطينية بالأدلة الدامغة أنها قد تقيدت بأخلاق الإسلام الناهية عن قتل العزل من الرجال بله الصبية والنساء والعجزة ، والمحرمة لتدمير العمران والطبيعة بما فيها . وأين الأخلاق العسكرية الصهيونية والغربية من أخلاق المقاومين الفلسطينيين ؟
وأخيرا نقول إن الشعب الفلسطيني لم يقدم كل تلك التضحيات الغالية من أجل أن تعيده من جديد الإدارات الغربية إلى ركح مسرحيات مسلسل السلام مع الصهاينة، والتي وضع طوفان الأقصى حدا لها ، ولم يعد أمام تلك الإدارات سوى الاقرار والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في استرجاع حريته ، واستقلال بلاده تحت ضغط شعوبها، ولا بديل للمحتل عن هذا الحل ، ولم تعد لديه هوامش للمناورة والتسويف ، والكذب الفاضح والصارخ ، والحيل الخبيثة الماكرة ،التي لم تعد خافية على الرأي العام العالمي بما في ذلك شعوب العالم الغربي ، والمتاجرة والارتزاق بتهمة معاداة السامية التي تلصق بكل من يندد بعنصريته المقيتة ، ووحشيته النازية .ولا شك أن العالم سيكون بخير دون هذه العنصرية ،وهذه الوحشية إذا ما استطاعت شعوب بلاد الغرب عن طريق المزيد من الضغط المتواصل على إداراتها من أجل إقرار قيم إنسانية كونية بالفعل عوض أن تكون مجرد ضحك على الذقون ، ومن أجل الاستفادة من أموالها التي تؤديها كضرائب لتصرف على تسليح الكيان الصهيوني الذي دللته إداراتها فوق كل حدود الدلال دون وخز ضمائرها المحنطة .
Aucun commentaire