Home»Islam»حديث الجمعة : (( قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار ))

حديث الجمعة : (( قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار ))

0
Shares
PinterestGoogle+

حديث الجمعة : (( قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار ))

محمد شركي

لمّا اقتضت إرادة الله عز وجل أن يسكن بني آدم الأرض لابتلائهم  فيها كي يحاسبوا بما كسبوا فيها بعد رحيلهم من الدنيا إلى الآخرة ، جعل مدار الابتلاء هو إيمان به  فطرهم عليه ، وبلغه لهم رسله  الكرام صلواته وسلامه عليهم أجمعين الذين أرسلوا تترا عبر التاريخ  إلى أن ختم الرسالات  المتتالية بالرسالة الخاتمة المنزلة على خاتم المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث إلى الناس أجمعين إلى يوم الدين . ولقد سبق في علم الله تعالى كما أخبر في الرسالة الخاتمة أن بني آدم لن يكونوا جميعا  سواء على الفطرة مؤمنين به خاضعين لما أمرهم به وما نهاهم عنه ، بل ستكون الكثرة منهم كافرة ، وسينشأ بينهم صدام وصراع  وقتال إلى قيام الساعة، وتعهد  سبحانه وتعالى بإظهار عباده المؤمنين الذين ينصرون دينه على الكافرين الذين يعادونه ويحاربونه . ومن الأدلة على عهده  عز وجل ما جاء في كتابه الكريم  في الآية الثالثة عشرة  من سورة آل عمران، والتي جاء فيها قوله عز من قائل :

(( قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك عبرة لأولي الأبصار))

إن مناسبة نزول هذه الآية الكريمة هي غزوة بدر الكبرى التي أعز فيها الله عز وجل دينه  ونصر رسوله صلى الله عليه وسلم وجنده المؤمنين ـ  وهم يومئذ قلة ـ على أعدائهم الكافرين، وهم كثرة . والخطاب فيها موجه إلى من نزلت فيهم يوم نزولها ، وإلى كافة المؤمنين في كل زمان وفي كل مكان إلى قيام الساعة، لأن العبرة في كتاب الله عز وجل بعموم لفظه، لا بخصوص أسباب نزوله ، ذلك أن الأسباب إنما أجراها سبحانه وتعالى لتترب عنها أحكام وتشريعات صالحة لكل عصر ما دام للورى وجود في هذه الدنيا .

وتتضمن هذه الآية الكريمة إشارة  إلى آية أو برهان دال على مشيئة الله سبحانه وتعالى الماضية في خلقه ، و قد جعلها عبرة لمن كانت لهم أبصارأوبصائر من خلقه ، وهذه  معجزة من المعجزات التي أيد بها رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، ووجه الإعجاز فيها أنه  سبحانه وتعالى نصر القلة المؤمنة في غزوة بدر الكبرى على الكثرة الكافرة المتفوقة عددا وعدة . ولقد كشف الله تعالى عن سر هذه المعجزة في الآية الرابعة والأربعين من سورة الأنفال حيث قال مخاطبا المؤمنين المجاهدين في سبيله يوم بدر : (( وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا ولله ترجع الأمور)) ، ففي هذا  القول إشارة إلى تدخله سبحانه وتعالى للتأثير على أعين عباده المؤمنين ليروا الكافرين قلة ، فتشحذ  بذلك عزائمهم للثبات والإقدام ، وللتأثير أيضا على أعين الكافرين، فيروا المؤمنين أقل عددا مما كانوا عليه ، فيقدمون عليهم  طمعا في غلبهم ،مستخفين بهم وقد  أعجبتهم ،وغرتهم كثرتهم ، فضلا عما ذلك أنزل سبحانه وتعالى من ملائكة يقاتلون إلى جانب المؤمنين ، وكل ذلك  حدث ليقضي أمرا كان مفعولا ، وهو انتصار المؤمنين بالرغم من قلة كانوا عليها في أعين الكافرين الذين هزموا بالرغم من كثرتهم عددا وعدة ، والتي قللها الله تعالى في أعين عباده المؤمنين .

وبالعودة إلى الآية الأولى  الواردة في سورة آل عمران، نجد مرة أخرى ذكرا  للرؤية  التي أراها الله تعالى للفئتين في قوله تعالى : (( يرونهم مثليهم رأي العين ))  ، وهي غير الرؤية الواردة  في سورة الأنفال ، كما بين ذلك  صاحب  تفسير التحرير والتنوير العلامة الطاهر بن عاشور رحمة الله عليه الذي ذهب إلى  أن الأمر يتعلق برؤيتين الأولى قبل التحام الفئتين في المعركة حين رأى الكفار المؤمنين قلة ،فاستخفوا بهم ، و الثانية بعد الالتحام  حين رأوهم كمثلي عددهم ، فانقلب استخفافهم بهم إلى رعب انتهى بهزيمة نكراء لحقت بهم . كما قال إن الكافرين بعد نهاية المعركة انكشفت لهم حقيقة  قلة عدد المؤمنين ، فزاد ذلك من شدة وقع الحسرة في نفوسهم حين علموا أنهم هزموا  وهم كثرة أمام قلة المؤمنين، وكان ذلك من تدبير الله عز وجل، ومن عجيب صنعه ليكون عبرة لأولي الأبصار أوالبصائر  في كل زمان ، وفي كل مكان إلى قيام الساعة.

ومن أقوال أهل العلم أن ما كان معجزات أيد بها الله تعالى رسله وأنبياءه صلواته وسلامه عليهم أجمعين ، جعله سبحانه وتعالى كرامات يؤيد بها عباده الصالحين .

مناسبة حديث هذه الجمعة هو تذكير المؤمنين بما قد يغفل عنه كثير ممنهم مما أخبر به الله تعالى من عجيب صنعه حين تقاتل الفئة المؤمنة  القليلة الصابرة الفئة الكافرة الكثيرة ، خصوصا ونحن نعيش في زمن هبوط أرصدة الإيمان إلى مستويات غير مسبوقة  من التدني إلا من رحم الله عز وجل حتى بلغ الأمر بالبعض إن لم نقل بالكثير الغفلة التامة  عن قوله تعالى (( إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار )) وقوله تعالى أيضا : (( ليقضي الله أمرا كان مفعولا ولله ترجع الأمور )) .

وها نحن اليوم نسمع بقرب الإعلان عن عقد صفقة وقف إطلاق النار بين المجاهدين في غزة وبين أعدائهم الصهاينة الذين اضطروا إلى  التوقيع عليها وهم كارهون كما يصرح بعض قادتهم ،لأنهم انهزموا في حربهم  بعدما ما واجهوا صمودا منقطع النظير ، وكُبِّدوا خسائر فادحة في صفوف جيشهم الكثير العدد العدة ، والذي استخف بالمجاهدين عددا وعدة  ، لكنه لم يستطع الصمود أمامهم ، ولم يجده عدد ولا عدة ، ولا  كبير الدعم الذي لقيه من حلفائه ، فحول آلة  حربه المدمرة صوب المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ، يسفك دماءهم ،ويزهق أرواحهم بالمئات يوميا لما يزيد عن الحول ونصفه كي ينال من عزائم المجاهدين ، لكنه لم يجن إلا الهزائم النكراء المتكررة ، وهو يجهل أو يتجاهل  أن  الله عز وجل  قد قضى أمرا كان مفعولا ، وأن  الأمور راجعة إليه .

ولقد جعل الله تعالى في هذا النصر الذي خص به عباده المجاهدين في أرض الإسراء والمعراج  عبرة لأولى  الأبصار أوالبصائر، فعسى أن يكون في هذه العبرة  الماثلة  للعيان ما يثبت الأفئدة الثابتة على اليقين ، ويتدارك بالثبات الأفئدة المتقلبة المفتونة في دينها بسبب فتن هذا العصر المظلمة كقطع الليل  البهيم ، والتي نسأل المولى جل وعلا أن يعجل بكشف غمتها عن أمة  الإسلام .

اللهم أدم الأمن والسلام على عبادك المؤمنين في غزة و في عموم أرض الإسراء  ، واجعل لهم  اللهم عوضا عما أصابهم من لأواء ، وثبتهم على الإيمان ، وعلى اليقين بنصرك الموعود في الذكر الحكيم  الذي وعدت به أهلك وخاصتك في الأولين والآخرين . اللهم ارحم شهداءهم ، واشف جرحاهم ، وصبِّر المفجوعين ، وعوضهم يا رب العالمين خيرا مما ضاع منهم ، وأرهم في أعدائهم ما يشفي صدورهم ، ويذهب غيظ قلوبهم ، آمين .

والحمد لله الذي تتم بنعمة الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *