Home»Débats»التكوين الأساس للمدرسين الجدد بين المعرفة النظرية وواقع المؤسسات التعليمية

التكوين الأساس للمدرسين الجدد بين المعرفة النظرية وواقع المؤسسات التعليمية

0
Shares
PinterestGoogle+

بقلم هشام البوجدراوي
كتب أحدهم على جدار صفحته على الفيس بوك: « رغم التطور الكبير في جودة التكوين بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، إلا أننا لا زلنا نشعر بعدم الاستعداد لمواجهة الفصل الدراسي، فواقع المهنة يختلف تماما عما كنا نتصوره…
تعبر هذه التدوينة عن بعض المشاكل المرتبطة بتكوين الأساتذة الجدد، كما تسلط الضوء على الحاجة الملحة لمعالجة فجوات التكوين الأساس. فرغم أن الشواهد الجامعية للمدرسين الجدد، تتعدد بين الإجازة والماستر، وفترة التكوين بين النظري والعملي تتجاوز التسعة أشهر، إلا أن الجميع يستشعر الصعوبات التي يواجهها حديثو العهد بمهنة التدريس، خلال تفاعلاتهم الصفية، ويرصد بوضوح الخلل المرتبط بمخرجات نظامنا التعليمي، وكذا بمخرجات مؤسسات التكوين. مما يستدعي منا طرح التساؤلات التالية:
هل يتم إعداد الأساتذة الجدد بشكل كافٍ لمواجهة تعقيدات واقع المهنة؟
هل عدد ساعات التداريب الميدانية الفعلية التي يستفيد منها المتدربون بمؤسسات التدريب كافية؟
كيف يتم اختيار مدارس التطبيق؟ وهل يتم تتبع ومواكبة الأنشطة العملية بمؤسسات التدريب من طرف الأساتذة المكونين؟
لماذا تم تغييب فئة المفتشين التربويين، عن تدريس منهجيات التدريس بالمراكز الجهوية، و عن تأطير التداريب الميدانية، مع العلم أنها الفئة الأكثر تأهيلا لمواكبة وتتبع الأنشطة التطبيقية؟
هل يتم إشراك المهنيين من المفتشين التربويين، مدراء المدارس، والأساتذة المؤطرين « في إعداد هندسة التداريب الميدانية؟
مشاكل التكوين الأساس للمدرسين بين المعرفة النظرية وواقع الممارسة العملية.
يعتبر البدء في مهنة التدريس، أحد التحديات التي يواجهها الأساتذة/ت الجدد. فلا شك ان اللقاءات الأولى مع التلاميذ/ت، تظهر مجموعة من الصعوبات التي ترجع بالأساس إلى ضعف تكوين الأساتذة/ت المبتدئين. فالتدريب الذي تلقونه بمراكز التكوين، لم يلب احتياجات الأجيال الجديدة من المدرسين، ولم يجب عن تساؤلاتهم حول تعقيدات الممارسة المهنية من جهة، وحول آليات التمكن من المعرفة النظرية وتعبئتها عمليًا أثناء عمليات التدريس من جهة ثانية. فغالبا ما يتم التمرن بمؤسسات قريبة من مراكز التكوين بالمجال الحضري، يتم اختيارها بطلب من الأساتذة أنفسهم، بشكل اعتباطي، في ظل مقاطعة بعض أطر المدارس التطبيقية، من ذوي الخبرة والكفاءة، لتأطير التداريب الميدانية، لعدم توصلهم بالتعويض عن التأطير، مما يفرز اختلافا كبيرا بين مرحلة التكوين وما تعرفه من « دعم ومصاحبة » في فضاء مؤثث يغري بالتدريس، وبين اللحظة التي ينتقل فيها الأستاذ إلى نوع من العزلة المهنية بوسط سوسيو مهني يعبر عن واقع المدرسة العمومية. حيث يصبح المدرس المبتدئ مجبرا على إيجاد إجابات، على الأقل مؤقتة، للتحديات المتعددة التي يفرضها واقع المهنة، ومجبرا كذلك على إتقان تقنيات التدريس وإدارة الفصل وتكييف محتويات المنهاج مع مستوى المتعلمين/ت وخلق علاقات إيجابية مع الشركاء وأولياء الأمور…
ويبقى الانطباع العام لدى الأساتذة الشباب أننا نتعلم فقط بعد التعيين، وأن الممارسة أفضل من الأفكار النظرية. ولأن المعرفة النظرية ضرورية لبناء الشخصية المهنية، إذ تساهم في تطوير الشعور بالكفاءة والرضى عن الذات، فإن العديد من المدرسين الجدد بعد تعيينهم لأول مرة، يندمون على ضعف اهتمامهم بالمعارف المرتبطة بتدريس المادة، وانصرافهم عن حضور التداريب الميدانية خلال فترة التكوين، وعن ضعف احتكاكهم بأساتذة تمرسوا وخبروا مشاكل المهنة وتحدياتها. فلحظات التدريب لا يكون لها أية فائدة إلا إذا كانت تعبر عن واقع مهني نموذجي يزاوج بين النظرية والممارسة ويجيب عن كل الوضعيات التي تفرزها التفاعلات الصفية بالمدرسة العمومية.
والملاحظ أن العديد من الأساتذة المتدربين، ومن خلال طول احتكاكهم بمدارس التطبيق، أصبحوا لا يستعينون بنظريات التعلم ولا بالمعرفة الآكاديمية خلال إنتاج أو تمرير فعل التدريس، بل يلجؤون إلى التجربة العملية التي عاينوها وتمرنوا عليها خلال حصص الدروس النموذجية. فتتحول التجربة إلى نهج ديداكتيكي، وسلوك وظيفي، يساهم في محو المعرفة الأكاديمية التعليمية، حيث تصبح ثقافة الفعل البيداغوجي الناتجة عن الخبرة الميدانية كيفما كان مصدرها، تغذي الممارسات الصفية داخل الفصول الدراسية.
تطوير الهوية المهنية من أجل مواجهة تعقيدات الواقع بالمؤسسات العمومية
في ظل الصعوبات التي يواجهها الأساتذة المتدربون في تعلم مهنة التدريس، يمكننا أن نسأل أنفسنا كيف يمكن دعمهم خلال فترة التكوين وما بعدها، بحيث تساهم الخبرة المكتسبة خلال هذه الفترة في تنمية كفاياتهم المهنية وتوجيه ممارساتهم الصفية نحو تبني سلوك وظيفي إيجابي؟
من المؤكد أن تطوير الشخصية المهنية للمدرسين خلال فترة التكوين الأساس، وحتى بعد التعيين، ترتكز على توجيه الفرد نحو التفكير في موارده وممارساته وسلوكه الوظيفي، بحيث يصبح على دراية بقدراته الشخصية ومعارفه الآكاديمية وقيمه وتمثلاته للوظيفة، مما يساهم في تحريك دوافعه نحو تنمية معارفه وتعزيز وعيه بالمواقف والوضعيات التي تساعده على فهم بيئة العمل والتكيف معها.
ولتشجيع هذا النوع من التفكير الذي يتجه نحو التأمل في الذات المهنية، ويركز على طرح المزيد من الأسئلة حول متطلبات النجاح في مهنة التدريس، وحول الخبرات العملية والمعارف الآكاديمية. يمكن حث الطالب المتدرب على استخدام العديد من الأنشطة التدريبية التي تمكنه من تتبع تطور الخبرة الميدانية، بما في ذلك الملف المهني أو سجل تطور الخبرات المهنية أو دفتر ملاحظات الدروس النموذجية.
ولا يمكن أن يرتكز تطوير المهارات المهنية على الخبرة والمعرفة النظرية فقط: بل يجب أن يعتمد على نهج فكري، يمكن من الوعي بنقاط القوة ونقاط الضعف المرتبطة بالشخصية المهنية. كي تساعد المدرس المتدرب على رؤية ممارساته المهنية، خلال فترة التدريب، بشكل مختلف ومن زاوية جديدة وإيجابية. لأنه لن يركز فقط على العناصر التي يجب تحسينها من أجل التقدم في تطوير مهاراته المهنية، بل سيركز أيضًا على توظيف نقاط القوة التي يمتلكها بالفعل، في تحريك واستدعاء الموارد والكفايات المهنية الذاتية، بغاية حل المشكلات التي ترتبط بالتعثر أو النقص المعرفي أو التوتر النفسي المرتبط بسيرورة البحث عن الهوية الوظيفية.
إن تطوير الكفايات المرتبطة بتمرير المنهاج الدراسي داخل الفصل، لم تعد كافية لبلوغ أهداف التدريس، بل يجب أيضا الاشتغال على تطوير الكاريزما، وتنمية الثقة بالنفس، حتى يتمكن الأستاذ من تطوير شخصيته والتحكم في جماعة الفصل الدراسي، وضمان الهدوء بغية تحقيق مناخ يشجع على تمرير فعل التدريس. ولن يتسنى هذا، دون الاشتغال على تنمية الذات، والتمكن من آليات سلطة المعرفة، ومبادئ التعليم الفعال، واستعمال تكنولوجيا التعليم، والتنويع في طرق التدريس، دون أن ننسى عمليات التشخيص والتقويم والدعم لما تحققه من تقليص الفوارق بين مستويات التحصيل بالقسم الواحد. كما لا يفوتنا أن ننوه بدور الدعم النفسي للطلبة الأساتذة في تجنيب المبتدئين منهم، صدمات الواقع، خصوصا خلال السنة الأولى من تعيينهم بالمناطق النائية أو القروية أو الشبه الحضرية. إذ تؤدي بالعديد من المدرسين حديثي التعيين إلى الإصابة بالاضطرابات النفسية، والتوتر والقلق الذي قد يؤدي بهم إلى الانصراف والابتعاد عن المهنة.
في مواجهة كل هذه الملاحظات، من المهم التساؤل عن التدابير التي ستمكن الأساتذة الجدد من إعادة النظر في ممارساتهم الصفية، من أجل أن يكونوا أكثر استعدادًا للاندماج والتطور في البيئة المدرسية رغم الصعوبات اليومية. لذلك نقترح في ختام هذه المقالة مجموعة من الإجراءات التي تستند على خمسة مفاهيم أساسية: تفعيل مدارس التطبيق النموذجية، الزيادة في عدد ساعات التداريب الميدانية، مساهمة المفتشين التربويين في تأطير حصص التكوين الأساس والتداريب الميدانية، تنمية الشخصية الوظيفية والكاريزما، استثمار نقاط القوة في تطوير الكفايات المهنية.
إن تفعيل مدارس التطبيق النموذجية والزيادة في عدد ساعات التداريب الميدانية، والتعرف على بيئة العمل ودمج الدعم النفسي بمجزوءات التكوين، ستساعد في تقديرنا الأساتذة/ت الجدد على التمكن من كفايات التدريس، وعلى التعرف على وضعيات المهنة، وستساهم أيضا في الاستعداد بشكل أفضل لإدارة الفصل برؤية أكثر واقعية. فالتدريب على ممارسة المهنة، الذي يستند إلى المزاوجة بين الممارسة الصفية بمدارس التطبيق والتكوين النظري الذي يسهر على تأطيره المفتشون التربويون والأساتذة الخبراء، لا يؤهل المدرسين الشباب قبل الخدمة لفهم معنى التدريس الجيد فحسب؛ بل سيساعدهم على « نمذجة الممارسة » وتعزيز المعتقدات والممارسات والالتزام المهني بمنهجيات التدريس الفعال. وبالتالي تحسين ذخيرتهم من الخبرة المهنية.
هشام البوجدراوي hichambougedrawi@gmail.com

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *