Home»International»دلالة حرب  » تحت الطلب » بين الكيان الصهيوني والكيان الفارسي

دلالة حرب  » تحت الطلب » بين الكيان الصهيوني والكيان الفارسي

0
Shares
PinterestGoogle+

 دلالة حرب  » تحت الطلب » بين الكيان الصهيوني والكيان الفارسي

محمد شركي

يحتار المرء في تحديد وصف دقيق للصراع بين الكيانين الصهيوني والفارسي الدائر اليوم ، لأنه ليس حربا بالمعنى المعروف في توصيف الحروب ، ولهذا عبر خبراء  بالحروب وبالسياسة عن حيرتهم في تسمية ما يدور بين إسرائيل وإيران من مناوشات عسكرية على بعد المسافة الجغرافية بينهما .

 وما سمي بالضربة الصهيونية الأخيرة  في إيران، والتي انتهت بادعاء الكيان الصهيوني أنها عملية ناجحة ، مع تكذيب ذلك من طرف الكيان الفارسي ومزاعم صده للهجوم وإفشاله ،زاد من حيرة الخبراء بالحرب ، وجعل الرأي السائد إن لم نقل الراجحة هو تسمية هذا الصراع بحرب تحت الطلب ، كما هو الشأن في كل أنواع الصفقات التي تكون تحت الطلب.

وبالرجوع إلى ضرب إيران  التي وجهها للكيان الصهيوني على إثر قصف هذا الأخير قنصليتها في سوريا ، نجد أن  ردها  قد خلا من عنصر المفاجئة كما هو معروف في طبيعة الحروب الحقيقية ، حيث أقلعت الصواريخ والمسيرات من إيران بعلم الكيان الصهيوني، وبعلم حلفائه الغربيين وعلى رأسهم الإدارة الأمريكية، الشيء الذي جعلهم يستعدون للتصدي للهجوم قبل وصول تلك الصواريخ والمسيرات إلى العمق الصهيوني بساعات  إلا أن بعضها لم يتم اعتراضه حسب الصفقة ، لأن الصهيوني قلل من فعالية ، وهذا  ما أعطى يومئذ انطباعا لدى الرأي العام العربي والدولي أن هذه الضربة كانت تحت الطلب ، وأن الأمر يتعلق بصفقة كانت  فيها يد للإدارة الأمريكية .

وبالرجوع إلى الضرب الثانية التي وجهها الكيان الفارسي للكيان الصهيوني ردا على اغتيال زعيم حركة حماس ، والتي تأخرت كثيرا، وطال انتظارها مع تصاعد التهديد الإيراني بها ، كما غاب  فيها عنصر الكشف عن موعدها للإعلام كما كان الحال بالنسبة للضربة الأولى ، نجد أنها لم تخرج  هي الأخرى عن إطار حرب تحت الطلب أيضا حيث قلل الكيان الصهيوني من شأنها، بينما حاول الكيان الفارسي  الرفع من شأنها ،الشيء الذي جعل الملاحظين في حيرة من أمرها ، بحيث ظلوا يتساءلون عن الطرف الذي يجب أن يصدق التصديق . ولم تكن صور تلك الضربة  سواء الثابتة أو المتحركة كافية للجزم بمصداقية هذا الطرف أوذاك.

وبالرجوع إلى ضربة الكيان الصهيوني  الأخيرة التي نفذها  في إيران فجر السبت الماضي ، نجد الأمر لا يختلف عن ضربة إيران الأولى التي أعقبت قصف الكيان الصهيوني للقنصلية الإيرانية في سوريا، حيث دار الحديث إعلاميا عن مشاورات بين الإدارة الأمريكية وبين الكيان الصهيوني عن موعدها،  بل كان العالم كله  قد علم عبر وسائل الإعلام أنها باتت جد قريبة ،لأن الكيان الصهيوني تعمد الكشف عن قرب موعدها الوشيك بعد التفاهم الصهيوـ أمريكي على طبيعتها وحجمها ، ولم تخرج هي الأخرى عن سياق حرب تحت الطلب ، ومما أكد ذلك أن الإدارة الأمريكية أمرت، ولم تنصح الكيان الصهيوني بألا يقصف منشآت النفط أو أماكن نووية ، وفي نفس الوقت أمر مهددة إيران إن هي ردت على الهجوم الصهيوني . وانطلاقا من هذا  لا مندوحة لملاحظ عن البحث عن دلالة هذه الحرب التي تصح تسميتها بحرب تحت الطلب من خلال المؤشرات الواضحة على ذلك .

ولا شك أن حرص الإدارة الأمريكية على إخراج مصادر الطاقة سواء البترولية أو الغازية أو النووية من دائرة الصراع الصهيوـ فارسي مرده الحرص على ما تسميه مصالحها الاستراتيجية، وأمنها القومي ، علما بأنها إدارة لا تخفي أن سياستها تقوم أساسا على المصالح كما صرح بذلك الرئيس بوش الابن بقولته  المشهورة:  » ليست للولايات المتحدة صداقات دائمة، ولا عداوات دائمة، بل لديها مصالح دائمة »

ولاشك أن تلك المصالح هي ما حذا بالإدارة الأمريكية إلى فرض حرب تحت الطلب على الكيانين الصهيوني والفارسي ، ذلك أن اقتصادها يقوم أساسا على توفر الطاقة في السوق العالمية  والمتحكمة في التجارة العالمية التي تتنافس على الريادة فيها مع الصين وروسيا كي تظل  هي القوة الاقتصادية العظمى في العالم ، وبذلك تفرض سياستها عليه دون منازع أو منافس . وهذه المنافسة هي السر وراء إبقاء منطقة الشرق الأوسط التي هي مصدر الطاقة بامتياز منطقة ساخنة على الدوام، لكن سخونتها لا تتجاوز حد حروب تحت الطلب ، وهي الحروب الضامنة لصيانة مصادر الطاقة.

ومن أهم التحليلات السياسية والاقتصادية التي تنشرها وسائل الإعلام ، ووسائل التواصل الاجتماعي على أوسع نطاق ، والمتعلقة بموضوع المصالح الغربية ، وعلى رأسها المصالح الأمريكية  في منطقة الشرق الأوسط ، وهي تحليلات كثيرة ومتعددة  ، وتكاد  كلها تجمع على تأكيد الوجود الحقيقي لهذه المصالح بما لا يدع مجالا للشك فيها، تحليل للمفكر والخبير السياسي والاستراتيجي الكويتي الدكتور عبد الله النفيسي الذي راكم خبرات كثيرة  في المجالين السياسي والاستراتيجي ، وهو خريج جامعات غربية . ولقد صرح منذ زمن بعيد أن الغرب إنما استنبت الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي فوق أرض فلسطين  بعد انسحاب  جيوشه المحتلة منه في القرن الماضي من أجل مصالحه الاقتصادية ضمن ما يسميه استراتيجيته الحامية لأمنه القومي . ولقد وجد الغرب في استنبات الكيان الصهيوني فوق أرض فلسطين حلا لمشكلة الوجود اليهودي في القارة الأوروبية والذي كان يزعجها، وذاك بذريعة تعرضهم للإبادة الجماعية على يد النازية الألمانية . ومعلوم أن تهجير اليهود من أوروبا كانت وراءه أسباب أخرى لا يذكرها الغرب  مع المحرقة النازية ، لذلك خيرهم بين إقامة دولة قومية أو عرقية  لهم في القارات الثلاث أسيا ، وذلك في البحرين وشرق شبه جزيرة العرب ، وإفريقيا ، وذلك في أوغندا أو كينيا أو جزيرة مدغشقر ، وأمريكا اللاتينية وذلك  في الأرجنتين أو الشيلي، لكن استقر الأمر في نهاية الأمر على  توطين اليهود في فلسطين تحت ذريعة أساطير صهيونية  توراتية و تلمودية .

ويرى الدكتور النفيسي أن الغرب لا يعنيه إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين إلا من حيث كونه ذريعة تموه على مصالحه  الاقتصادية والتي يسميها استراتيجية في منطقة الشرق الأوسط ، لهذا أوكل إلى الكيان الصهيوني  إدارة وتدبير صراع فيها ظاهره الدفاع عن الوجود الصهيوني ، وباطنه مصالح غربية.

  وبعد هجوم الكيان الصهيوني على غزة إثر حدوث طوفان الأقصى، كشف الدكتور النفيسي عن هدف الغرب بزعامة الولايات المتحدة من انخراطه الفعلي في حرب الكيان الصهيوني على غزة  ، وهو إعادة احتلالها من أجل بناء أكبر ميناء عالمي على البحر الأبيض المتوسط في إحدى المدن الساحلية الثلاث يافا أوحيفا أوعكا ،والذي عبره يصل بترول وغاز  الخليج إلى الموانىء الأوروبية  عبر شبه أراضي الجزيرة العربية والأردن ، وذلك تلافيا للرحلات البحرية عبر الخليج العربي الفارسي ، وعبر خليج عدن ومضيق باب المندب في البحر الأحمر و عبر قناة السويس ، ولا شك أن في تلافي هذه الوجهة ربح في المسافة وبأقل تكلفة  ، كما أن فيه امتيازات يحصدها الغرب  بزعامة الولايات المتحدة على حساب الغريمين والمنافسين الكبيرين على ريادة  الاقتصاد العالمي، وهما  الصين وروسيا .

ويبدو أن وجهة نظر الدكتور النفيسي لها حظ كبير من المصداقية انطلاقا من مواقف الإدارة الأمريكية وحليفاتها في أوروبا تجاه الإبادة الجماعية التي يمارسها الكيان الصهيوني في غزة ، وكذا التهجير القسري  للغزيين منها .

وهذا الذي ذهب إليه الدكتور النفيسي هو ما يكشف سر أو دلالة الحرب تحت الطلب بين الكيانين الصهيوني  والفارسي ، وهو ما جعل الإدارة الأمريكية وحليفاتها في أوروبا ، يستثمرون  في إدارة الحرب  الدائرة  في المنطقة ، وذلك بانخراطهم المباشر والفعلي  فيها . عيه  لا يمكن أن يكون هذا الانخراط مجرد تحقيق أوهام أو أساطير الصهاينة التوراتية و التلمودية  على حد تعبير الفيلسوف الفرنسي جاء جارودي في كتابه : » الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائلية  » ،بل يتعلق الأمر بالمصالح الغربية ،وعلى رأسها مصالح الولايات المتحدة التي لا تعد أحدا  بصداقات أو عداوات دائمة  بقدر ما تحرص على مصالحها  الدائمة الاستراتيجية والحيوية على حد تعبير قادتها .

ولا يفوتنا أن نلمح إلى أن الحرب تحت الطلب بين الصهاينة والفرس لها تداعيات أخرى غير ما يسمى بقواعد الصدام بين الطرفين أو ما يسمى بخطوط حمراء  لا يسمح الغرب بتجاوزها  ، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر اغتيال قائد حركة حماس فوق التراب الإيراني الذي لا شك أنه جاء ضمن صفقة  عقدت  بين الطرفين، وتم التمويه عليها من خلال الضربة الإيرانية التي أعقبت اغتياله . ولا يستغرب من النظام الإيراني أن يكون ضالعا في هذا الاغتيال ، وفي غيره من الاغتيالات بما فيها احتمال اغتيال الرئيس الإيراني السابق عوض موته بسبب تحطم طائرته  ، وكذا اغتيال السليماني ، ويوجد أكثر من سبب لاغتيالهما وكذا اغتيال قادة حزب الله اللبناني، وكلهم لم يجد الكيان الصهيوني أدنى صعوبة في الوصول إليهم  واستهدافهم مع أنه لم  يقدم على ذلك لسنوات خلت .

وخلاصة القول أن المستقبل القريب  سيكشف عن دلالة هذه الحرب التي هي تحت الطلب ، وهي صفقة ككل الصفقات ، ولكن الواضح أن الطرف الضحية هو الشعب الفلسطيني الذي احتلت أرضه بالقوة ، ولكن الغرب يعيب عليه محاولة استرجاعها بنفس الأسلوب ، ويصنف بسبب ذلك في  لائحة الإرهاب، وذلك   في عالم لا قيم له قبل وعقب الحرب العالمية الثانية ، والتي جعلت السلطة المهيمنة  فيه بيد دول الفيتو الذي أفرغ  بدوره كل  ما يسمى بالمؤسسات أو المنظمات الدولية من مضامينها إذ يكفي الفيتو الواحد لتعطيل مهامها كمجلس الأمن ، وكذا المحاكم الدولية .

 وها هو الشعب الفلسطيني اليوم كما بالأمس ولما يزيد عن سبعة عقود يباد بكل وحشية ،ويهجر قسرا من وطنه، والعالم عموما والعالم الغربي على وجه الخصوص يتفرج عليه ،بل يساهم و يشارك فعليا وإجرائيا في ما يتعرض له، ولا يحرك ساكنا.

 وكل ما بقي من سند لهذا الشعب المظلوم  هو حراك أحرار العالم  هنا وهناك والذين لا يأبه بهم حكام الغرب  بل يصدونهم بالقوة بتهمة معاداة السامية التي باتت مقولة  متهافتة وممجوجة بعدما سقط قناع الصهاينة من خلال حملات إبادتهم الجماعية للفلسطينيين ، وتهجريهم من أرضهم. ولقد عرف وأيقن ذلك كل من كان يجهله في كل ربوع المعمور .

والمؤسف بل المؤلم أن تتاجر جهات عدة بالدم الفلسطيني في عالم تحكمه المصالح الجشعة ، وتغيب في القيم و المبادىء الأخلاقية .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *