انفلات شريحة المراهقين من الانضباط الأخلاقي مسؤولية أولياء أمورهم ومختلف المسؤولين عن المنظومة الأخلاقية في الوطن
انفلات شريحة المراهقين من الانضباط الأخلاقي مسؤولية أولياء أمورهم ومختلف المسؤولين عن المنظومة الأخلاقية في الوطن
محمد شركي
من المعلوم أن المراهقة هي مرحلة عمرية في غاية الدقة، والحساسية ،بل والخطورة ، وهي عبارة عن انفجار بركاني على المستوى السيكولوجي المصاحب لطفرة النمو الفيزولوجي لدى المراهقين . والمراهقون شريحة ثائرة ومتمردة على كل أشكال السلط دينية ،وسياسية، وتربوية… ، وهي سيئة الظن بأولياء الأمور آباء، وأمهات، ومربين …، ومستخفة وعابثة ومستهتر بكل القيم والأخلاق ،وهي تحت تأثير نرجسية مزمنة ، وتضخم صارخ للأنا إلى أبعد الحدود ، وتحت وطأة حادة للانجذاب الجنسي بين الجنسين ،لا يدوم بين أفرادها ود، بل سرعان ما ينقلب هذا الود بينهم إلى عداوات شرسة ، ويصح العكس أيضا ، والغالب على هذه الشريحة الإمعان في العبث ، والهزل ، و التندر والسخرية من أنفسهم ، ومن الراشدين ، وهي أيضا شريحة تهيم بالأحلام في آفاق الخيال … ولو شئنا الاسترسال في وصف أحوالها لجئنا بما يضيق به هذا المقال ، ومع ذلم لا يمكن أن ننكر وجود شريحة منها لا يسجل عليها شيء مما بنا لأسباب قد تعود إلى تأثيرعامل التربية الأسرية أو العامل الديني.
ومع كل الذي توصف به شريحة المراهقين ، فإن أحوالها ليست مرضية كما يعتقد البعض ، بل هي طبيعية وعادية تفرضها المرحلة العمرية . وسوء فهم هذه المرحلة من طرف شريحة الراشدين هو ما يجعلهم يعتبرون أحوالها شاذة عما يحكم القيم السائدة في مجتمعهم . ومعاكسة شريحة الراشدين لشريحة المراهقين هو ما يزيد من زمانة المراهقة ،بل قد يخرجها عن إطارها الطبيعي إلى هاوية الانحراف بها نحو ما لا تحمد عقباه من عدم الانضباط الأخلاقي أو لنقل التمرد أوالثورة على المنظومة الأخلاقية للمجتمع .
وثورة شريحة المراهقين على المنظومة الأخلاقية في مجتمعنا لا يمكن إنكارها ، ولها تجليات في الحياة اليومية سواء داخل الأسر أو في المؤسسات التربوية أو في مختلف الأماكن . وكثيرة هي الأسر التي تعاني مع أبنائها وبناتها في سن المراهقة ، وتعبر عن عجزها وفشلها في احتواء تمردهم عليها ، كما أن معظم المؤسسات التربوية تعاني طواقمها التربوية والإدارية من تمرد شريحة المراهقين بحيث يصرف زمن دراسي معتبر في معالجة هذا التمرد الذي يكون في الغالب خارج عن السيطرة وعلى حساب التحصيل الدراسي . ولا يسلم المجتمع بمختلف مرافقه من استهتار المراهقين بمنظومته الأخلاقية، الشيء الذي يبعث على القلق الكبير لدى الراشدين.
ولعل ما حدث ببلادنا مؤخرا من إقدام شريحة عريضة من المراهقين على عبور البحر نحو مدينة سبتة المحتلة ، يؤكد انفلاتها من الانضباط ، وهو ما يترجم طبيعة التمرد على كل السلط وهو سلوك متأصل فيها طالما لم تغادر مرحلة المراهقة .
ولقد تحدثت جهات كثيرة عن هذا الحدث المؤسف ،واختلفت ردود الأفعال لديها تجاهه ، والتي يمكن اختصارها في موقفين : موقف التعاطف مع هؤلاء المراهقين ، والتمس الأعذار لهم ، وموقف انتقادهم . أما المتعاطفون معهم فمن بين ما برروا به موقفهم انسداد آفاق الشغل ببلادنا ، علما بأن معظم من أقدموا على مغامرة العبور هم في سن التمدرس في مستوياته الأولى ، وبينهم وبين ممارسة الشغل مراحل ، وهو ما يجعل ذريعة انسداد آفاق الشغل غير مقنعة بالنسبة للمتعاطفين معهم ، وأن الأمر يتعلق بمجرد عشق المغامرة والتحدي الذي تمليه سن المراهقة .
وأما المنتقدون لهم فقد ذهب بعضهم إلى ما يسمى بنظرية المؤامرة خصوصا وأن خصوم بلادنا وتحديدا جيراننا شرقا ، قد استغلوا هذا حدث ، وجعلوا منه فصلا من فصول حملاتهم الإعلامية المغرضة التي يجندون لها سرب من ذبابهم الإلكتروني الذي لا يفوته شيء من أحوال بلادنا إلا وطَنَّ فيه طنينه الممجوج . وعلى افتراض أن وراء هذا الحدث متآمرين ، فإن ذلك لا ينفي دور تأثير اندفاع المراهقة في صنعه. ولا يجب أن يشكك في وطنية هذه الشريحة المغامرة التي ربما سيطر عليها التفكير الحالم ، فجعلها تستهين بمغامرة من هذا النوع خصوصا وهي ترى على سبيل المثال لا الحصر أبطالا من عالم رياضة كرة القدم قد عبروا إلى الضفة الشمالية ، فصنعوا لهم مجدا كرويا ، علما بأن المجد عموما والمجد الرياضي خصوصا هو مما تحلم به الشريحة المراهقة إلى حد الهوس .
والذي يجب أن يتجه إليه الاهتمام في هذا الذي حدث بعيدا عن فكرة التعاطف أو فكرة الانتقاد والإدانة ، هو مراجعة طرق التربية الأسرية والتربية المؤسساتية على ضوء دراسات علمية جادة من أجل استيعاب مرحلة المراهقة كمرحلة طبيعية لا كمرحلة مرضية تفضي إلى تمرس الأسر والمربين على حد سواء بالطرق الناجعة للتعامل الموفق مع اندفاع المراهقين في كل أحوالهم إلى أن يتجاوزوا هذه المرحلة بسلام . ولا بد أيضا من مواكبة التوجيه الديني لأحوال هذه الشريحة من خلال تسديد التبليغ كما سمته الوزارة الوصية على الشأن الديني، وذلك من خلال خطب منبرية يكون فيها ما يثير اهتمامات المراهقين ، ولا تكون خطبا منفرة لهم تحملهم على الزهد فيها والاستغناء عنها بما تقدمه لهم وسائل التواصل الاجتماعي بطرق مشبوهة وراءها نوايا ماكرة وخبيثة .
ومن المعلوم أن المختصين في دراسة المراهقة يركزون على استغلال اندفاع المراهقين وتوجيههم نحو الانشغال بما يطلف منه ، ويحوله إلى قيم إبداعية ، وذلك من خلال فتح مختلف المراكز الرياضية والفنية والفكرية … ،الشيء الذي يقلص من فترات الفراغ في حياتهم اليومية ، وهو فراغ من شأنه أن يحول دون اندفاعهم السلبي الذي يحملهم على الانفلات من الانضباط الأخلاقي ، أو بتعبير آخر إخلالهم بالمنظومة الأخلاقية للمجتمع.
ومن المعلوم أيضا أن كل المقاربات المراهنة على تعنيف المراهقين وعلى رأسها المقاربة الأمنية، لا يمكن إلا أن تزيد من زمانة الاندفاع لديهم ، وعليه لا مندوحة عن مقاربات تربوية مبنية على أسس علمية من أجل مرور آمن لهم نحو مرحلة الرشد ، وتحقيق المواطنة الصالحة المتفانية في حب الوطن وخدمته. وهذا ممكن إذا صدقت وخلصت النوايا ، وعلت الهمم .
Aucun commentaire