حسن الفهيمي …وداعا أستاذي الذي أعجبت به والذي أحببته
عبد السلام المساوي
الزمان : الموسم الدراسي 1974 – 1975 ؛
المكان : ثانوية عبد الكريم الخطابي بالناظور ؛
وأنا تلميذ في مستوى السادسة ثانوي ( الأولى باك حاليا ) ، كنا كتلاميذ متلهفين وشغوفين بالتعرف على أساتذتنا ، من هم ؟ ماذا يميزهم ؟ السابقون من التلاميذ كانوا يقدمون للاحقين سير الأساتذة وميزاتهم ومميزاتهم ، كنا نعرف ونتعرف على أستاذتنا قبل أن نحتك بهم في القسم ؛
هذه المرة استثناء ، أستاذ جديد ، خريج جديد ، لا أحد كون له ملفا ، فمن هو ؟
إنه حسن الفهيمي ، أستاذ الاجتماعيات ( التاريخ والجغرافيا ) ، أستاذ شاب عمره من عمر تلاميذه ، فاصل زمني لا يتعدى الثلاث سنوات ، وكان معنا من التلاميذ من في سنه أو يتجاوزه بسنة أو أكثر ؛
أنا تلميذ الأستاذ حسن الفهيمي ، فرحان وفخور ، أستاذ شاب ، وسيم وأنيق ، مشاغب وديناميكي …إنه أستاذ وجميل ؛
قوة مدهشة على الشرح والتوضيح ، أستاذ استثنائي بشخصية استثنائية ، يلقي الدرس وهو يضحك ، يداعب تلاميذه ، يستفزهم بسخرية هادفة ، يستفزهم بتهكم واعي ، يحبهم ؛
حسن الفهيمي أستاذ استثنائي ، حصته ممتعة ولذيذة ، تدرس بنشاط ، عندما يدق الجرس وتنتهي حصته ، نتساءل بحزن وحسرة ، لماذا تمر حصته بسرعة ، كنا نتمنى أن نقضي معه الزمن المدرسي كله ؛
حسن الفهيمي أستاذ جميل ، وانت معه القسم ، تنصت وتتابع ، تخرج من القسم وقد استوعبت الدرس بتفاصيله ، ويغنيك من تعب الحفظ والمراجعة ، هو الأستاذ الذي يريحك …وحده حسن الفهيمي ولا أحد غيره ؛
أتذكر جيدا في ذات حصة بعنوان مؤتمر فيينا ( شتنبر 2014 – يونيو 2015 ) استطاع بمنهجيته الأسطورية أن يجعلنا مؤتمرين في فيينا ، كنا حاضرين في المؤتمر ؛
حسن الفهيمي أستاذ موشوم في العقل والوجدان، إنه أستاذي ، علمني أشياء كثيرة ؛
نجحت ، 1975 – 1976 ، التحقت بمستوى السابعة ثانوي ( الثانية باك حاليا ) ، هنا سألتقي هرما شامخا ، أستاذ لا ككل الأساتذة ، أستاذ مختلف ، إنه الحسين الفهيمي أستاذ اللغة العربية ، رمز النضال والتضحية ، ولا أبالغ إن قلت لكم بأنه هو من أدخل السياسة إلى الناظور في السبعينيات ، وأتذكر جيدا اعتقاله علانية من الثانوية …الحسين الفهيمي رمز …
حسن الفهيمي والحسين الفهيمي شخصيتان مختلفتان ؛ حسن » عبثي » ومشاغب بكل المعاني الإيجابية للعبث والشغب ، والحسين الفهيمي صارم وجدي ، لكن ما يؤثث شخصيتهما معا : النباهة والذكاء .
ما كنت لأصدق ما جرى لولا حرقة الدموع التي آلمتني كثيرا، عندما وقعت عيني على الخبر المفجع بمواقع التواصل الإجتماعي. خيل لي، في البداية، أنها كذبة أخرى من الأكاذيب التي يتوسلها البعض لجلب الانتباه إلى صفحاتهم أو مواقعهم الإلكترونية في أيامنا هذه. لكن سرعان ما تبدد التوجس والشك. سرعان ما استقر اليقين على يقينية الخبر عندما اطلعت على تدوينات عدد من الأصدقاء والاخوان التي كانت حصرا في نعي العزيز حسن الفهيمي .
حينها لم أجد ما أمني به النفس أو أتوسله لإبعاد النبأ الأليم عن دوائر اليقين التي تستعصي على كل عوامل اختراق الريبة والشك التي تحركت بقوة في نفسي فور وقوع عيني على الخبر، من قوة الدهشة ومن هول الصدمة ربما. لكن، لا بد مما ليس منه بد، حتى ولو كان عبء النعي ثقيلًا وثقيلًا جدا، فلا مناص من التحمل، ولا سبيل إلى الهروب من هكذا عبء وهكذا ثقل. لقد رحل حسن وليس رحيله أي رحيل.
هناك عدد كبير من الأعزاء، أصدقاءً وإخوةً ورفاقًا، مناضلين رحلوا وهم يرحلون بوتيرة متسارعة مع تقدم عمري وأعمارهم أو بطريقة لا يعرف أسرارها العشوائية غير الموت ربما، لكنه مع ذلك رحيل يبدو من منطق الأشياء. رتابة الحياة الدنيا: ميلاد وفرحته ومرض وآلامه ورحيل ونصيبه المؤكد من الأحزان ومن الدموع. ولكن ذلك يظل ضمن منطق الأشياء. فمن سيدفن من؟ ومتى؟ هذا سؤال متواتر بين الإنسان ونفسه وبينه وبين أحبائه. يقال جهارًا مرات قليلة ربما، لكنه سؤال وجودي عميق ملازم للنفس لا يكاد يغيب عنها حقا إلا في ما ندر من الأحوال.
هذا قدر. هذا قضاء وقدر، نقول عبر لغاتنا المختلفة، استكانةً وخضوعا، تعبيرًا عن يقين عاجز حتى عن التفكير في تغيير منطق الرحيل المتواتر الأبدي بل وعن استعادة السكينة إلى رجة الأعماق وتوتراتها جراء وقع صدمة ساعة الرحيل.
لكن الرحيل الذي يبدو متماثلا في مواصفاته البادية بل والذي يمكن الاعتقاد بكونه وحيد جنسه بين بني البشر، ليس كذلك في الواقع. فكل رحيل فريد نوعه. وهذه الفرادة بالذات هي التي تقف حاجزًا رئيسًا أمام تقديم شهادة عن لطيفة الوحداني.
إن شهادتي في يوم حزين حسن أضافه رحيلك عنا إلى قائمة الأيام الحزينة فوداعا …
ليس سهلا ان نستوعب اليوم رحيل حسن الفهيمي ..انه ليس رحيلا لأستاذ عزيز وفقط …انه رحيل لرجل علمني الحب وأشياء أخرى …
لك الرحمة يا غالي.
كنت معنا دومًا، وستظل معنا دائمًا.
لن نتركك تغادر، فأنت في بؤرة وجودنا.
أنت أستاذنا .
أنت معلمنا .
لا أريد أن أتذكر،
لأنني لا أريد أن أنسى
ولا أريد أن أنسى
لأن الوجود أبقى
حتى في الغياب.
حسن صنو وجود متعدد
وجود في الأعماق
وجود في الأماكن
وجود في الساحات
الضيقة والفسيحة
لن أقول وداعًا حسن
لن أقول وداعا أستاذي
لأنك لا تودع
أنت ترحب دومًا
أنت لا تودع أبدًا
أنت باق هنا حسن
أنت في بؤرة وجودنا
جميعًا
في قلب كل أخ …في قلب الحسين
في قلب كل تلميذ وتلميذة
في قلب كل صديق
وفي قلب كل حبيب
في قلب كل حداثي
أنت باق عبد حسن
كبيرًا
كما كنت كبيرًا
شهما كما كنت
مخلصًا كما كنت
وفيا كما كنت
ولم تبرح
أنت هنا
الآن ترحل ….فجأة ترحل
هل تعبت ؟! أنت طلقت التعب يوم ولدت …أنت لم تشك التعب أبدا
ترحل وتترك أهلك ، إخوانك ، أصدقاءك …تائهبن حائرين الصدمة كبيرة والفاجعة أكبر…
الرجال لا يموتون …العظماء لا يموتون
نعم لم تمت ولكن ساهمت في اقتلاع الموت من وطننا …ساهمت في زرع الكلمة …في الحرية والبناء …ساهمت في شق الطريق ، توضيح الرؤية وبناء المسار
ترحل بيولوجيا لتفرض حضورا أقوى
أنت الحضور ، بالامس واليوم وغد
وجودك كان له معنى
لم تأت إلى هذا العالم زائرا
لم تكن مؤقتا …بل أتيت فاعلا وأستاذا …حسن ..إنك أستاذي ..
هل نبكيك ؟!
وهل البكاء قادر على إطفاء النار التي اشتعل لهيبها في كياننا لحظة علمنا بخبر رحيلك عنا ….لا
لن نبكي لأنك لم تنته بل بدأت
كنت البداية دائما
ستستمر …ستخلد…ستستمر في كل من يؤمن بالمغرب بلدا حرا وناميا…ديموقراطيا وحداثيا…في كل من عرف انك كنت تزرع الابتسامة …
اليوم يتعطل البكاء … لا نودعك ونبكيك ، بل نقدر ونعتبر الخسارة الكبرى التي لحقتنا جميعا.
نعم لم ولن تموت
تغنيت بالحياة …تغنيت بالحرية وعلمتها لنا اغنية حلوة وجميلة
سنحلم ونحلم ..وطني وطن الجميع…
كلمة واحدة في حقك أيها العزيز وأصير ملقحا ضد كل نزلات الخيانة والانحراف…فالأستاذ انت ….
« ما هموني غير رجال إلا ضاعوا …. » لا ثم مليون لا ، الرجال لا يضيعون …الرجال لا يموتون
وأخيرا ترحل
ترحل عنا ، ترحل فجأة …لن نبكيك …فانت علمتنا الأمل والتفاؤل….علمتنا كيف نحيا …علمتنا الصمود والكبرياء لنعيش » منتصبي القامة مرفوعي الهامة »
» السلام عليك يوم ولدت …ويوم علمتنا..ويوم تبعث حيا «
Aucun commentaire