يا وزارة الشأن الديني إن نجاح تبليغك رهين بحيازته ثقة المواطنين
يا وزارة الشأن الديني إن نجاح تبليغك رهين بحيازته ثقة المواطنين
محمد شركي
كان بإمكان وزارة الشأن الديني عندنا أن توفر على نفسها الجهد والإنفاق بخصوص ما سمته خطة تسديد التبليغ لو أنها فكرت بروية وجدّ في أمر لا مناص منه إذا ما كانت تريد أن يؤثر تبليغها في نفوس المواطنين ، ويسهم في تحقيق المقصد الذي ابتغته من وراء خطتها المعلنة مؤخرا ، وهذا الأمر إنما هو ثقة المواطنين فيها وفي تبليغها.
ولا يمكن أن تتجاهل الوزارة انعدام هذه الثقة التي تجعل المواطنين يتضجرون من تبليغها الأسبوعي عبر منابر الجمعة ، والذي يرون أنه بعيد كل البعد عن ملامسة واقعهم المعيش ، وأنه في واد ، وهذا الواقع في واد آخر . ومما يؤكد هذا التضجر هو أن الوزارة بمجرد ما قررت توحيد خطب الجمعة ، قامت دنيا الناس ولم تقعد ، ولعل هذا الذي حدث هو ما حذا بالوزارة إلى التراجع عن قرارها من إلزامية خطبها إلى اختياريتها . وكان حريا بها وعيها بهذا التضجر الذي تسبب فيه قرارها أن تفكر فيما يمكن أن يوفر النجاح لتبليغها ، وهو اكتساب ثقة المواطنين فيها وفيه . وما لم تحصل هذه الثقة، فسيكون كل جهد تبذله من أجل توفير ظروف النجاح لتبليغها سدى .
ولقد سمعت أحد علمائها يوما يقول إن رجلا قصد الفيلسوف اليوناني سقراط من أجل أن يعلم ابنه إلا أنه بعد مدة قصيرة رفض الفيلسوف أن يواصل تعليمه ، فلما سأله والده عن السبب أجابه : إنه لا يحيني . وحري بوزارة فيها مثل هذا العالم أن تستفيد من هذا الذي حكاه ، وتفكر في كسب ثقة وحب المواطنين حتى يمكنهم أن يتلقوا تبليغها برحابة صدر قبل أن تفكر في تنزيل خطط تبليغها ، علما بأن الثقة إنما تنتج عن محبة ، ولا محبة بالسيف كما يقول المثل المغربي .
إن الوزارة غاب عنها أو لعل تعمدت تغيب حقيقة وهي أن وسائل الإعلام ،ووسائل التواصل الاجتماعي على صلة بالمواطنين يوميا لحظة بلحظة ، وأنها تنقل لهم صور الواقع المعيش بكل تفاصيله ، بينما يتنكب تبليغها هذا تناول الواقع ، ومع ذلك هي تنتظر منه أن يحقق مقاصد سطرتها لتبليغها ،وحالها كحال من قال له الشاعر ناصحا :
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس
إن الموطنين ككل شعوب العالم منذ السابع من أكتوبر مشدودة أنظارهم إلى ما يحدث في قطاع غزة وفي الضفة الغربية من أرض فلسطين المحتلة ، من جرئم إبادة جماعية ، ووسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي التي يستحيل حجبها تنقل صورا حية للمجازر الصهيونية ، وللتجويع والتهجير القسري لشعب بكامله من أرضه ، بينما تبليغ الوزارة ضارب صفحا عن تلك المآسي التي يبيت ويصبح عليها المواطنون مع شعوب العالم ، وقولوبهم وأكبادهم تتفطر ، دون أن تكلف نفسها مجرد تحرير وتعميم خطبة واحدة في الموضوع ، وتنتصر فيها للأخوة الفلسطينية الإسلامية المظلومة ظلما كبيرا ، وإن بعض خطبائها لا يجرؤون حتى على مجرد الدعاء للمكروبين بالفرج . فكيف تريد هذه الوزارة من المواطنين أن يهتموا بتبليغها وهو خارج سياق واقعهم المعيش ؟ إنهم أمام عجز و قصور هذا التبليغ عن ملامسة هذا الواقع ، بينما يجدون عوضا عنه في وسائل الإعلام ، ووسائل التواصل التي لم يتردد الوزير في كلمة له بوصفها بأحط وأقذع الأوصاف.
ومقابل تعبير علماء ومفكرين لهم وزنهم العلمي في العالم العربي والإسلامي ولا يمكن بحال من الأحوال الطعن في مصداقيتهم عن مواقف مشرفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تلك التي قدح فيها الوزير ، وهم يواكبون هموم الأمة الإسلامية ، ويواكبون محنة الفلسطينيين ، بينما لم نسمع بعالم واحد من علماء المؤسسة العلمية التابعة للوزارة يتطرق للحديث عن هذه المحنة ، فأنّى يحب المواطنون هؤلاء ؟ وأنّى يثقون فيهم ، وفي تبليغهم ؟
إن الوزارة الوصية على الشأن الديني عندنا مدعوة إلى الصلح مع المواطنين ، وأول الصلح أن يصدر عنها من حسن النية ما يعيد ثقة المواطنين فيها ، ومن حسن النية أن تضمن للخطباء والدعاء نفس الحق الذي للإعلاميين الذين ينتقدون الواقع المعيش بكل حرية تحت شعار حرية الرأي وحرية التعبير ، وأن تودع أسلوب عزلهم حين ينتقدون ما يجب أن ينتقد شرعا ، عملا بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي أولى بالاضطلاع بها الخطباء والوعاظ قبل غيرهم من إعلاميين أو غيرهم . ولا يمكن أن يكون المنكر كما تراه عين الوزارة متجسدا فقط في المواطنين دون الحكومة التي تحكمهم ، لهذا حين ينكر خطباء ووعاظ منكرات هذه الحكومة ، ومنكرات وزارتها أوموظفيها تلجأ الوزارة الوصية على الشأن الديني إلى عزلهم على الفور متهمة إياهم بالخروج عن مقتضيات الخطابة والوعظ ، وكأن هذه المقتضيات وحي يوحى ولا يأتيه باطل من بين يديه أو من خلفه ، وأنها لا ترى منكرا إلا ما كان صادرا عن المواطنين ،بينما الحكومة ووزاراتها منزهة عن إتيان منكرات . وإذا كان الأمر كذلك ، فأنى لهذه الوزارة أن تكسب ثقة المواطنين ؟ وأنى لتبليغها أن يجد عندهم آذانا صاغية ، وقلوبا واعية ؟
وأخيرا لا بد من كلمة توجه إلى العلماء ممن هم ضمن المؤسسة العلمية التابعة للوزارة ،إن تواضعوا لنصح ناصح متواضع ، يصدر في نصحه عن احترام وتقدير لهم ، وعن صدق محبة فيهم ، إنكم معشر العلماء ورثة الأنبياء قد ورثكم رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه، لتقوموا في الناس بالقسط ، وإنكم ستلقون ربكم ،وهو سائلكم عن الأمانة التي قلدكم ، وإنكم لا تدرون كم بقي لكم في هذه الدنيا من أيام معدودات، فاجعلوا مسك ختامها جهرا بالحق لا تخشون في ذلك لومة لائم، لتكونوا أحسن قدوة لمن يليكم ، وليصلح الله تعالى بكم وعلى أيديكم تدين الناس الذين لا يمكن أن يرغبوا عن إصلاحه إذا ما حرصتم على أن تحظوا بثقتهم فيكم ،واتقوا الله تعالى في أمانتكم وفي المواطنين ، وليس هذا ظرف صمتكم أو سكوتكم والأمة الإسلامية تمر بظرف في منهى الدقة ، ويتهددها خطر كبير، لا يخلصها منه إلا الله تعالى ، ومواقف مشرفة منكم تبرأ بها ذممكم أمامكم جل وعلا، وأمام التاريخ . اللهم إني قد نصحت ، فاشهد.
Aucun commentaire