نبني البلد مع ملك البلاد
عبد السلام المساوي
لا عقد لنا مع التاريخ ، فالتاريخ ملكنا ، ولا عقد لنا مع الجغرافيا فهي الأخرى منحتنا شرف الانتماء لأفضل وأشرف وأرفع مكان يوجد على سطح هاته البسيطة وهو المكان الذي يسمى المغرب .
لا نصفي عقدنا لا مع التاريخ ، ولا مع الجغرافيا ، ولا مع الالتباسات الأخرى الموجودة في الأذهان الصغيرة ، بكل بساطة لأننا لا نعاني من أي عقد . نواصل النضال الحقيقي ، اليومي ، الشاق ، الذي يقوم به المغاربة كلهم دونما خطب ودونما شعارات ، لأجل أن يكون لهذا المغرب صوته الذي يستحقه ، ومكانته التي يستحقها ورفعته التي هو قمين بها ، وسطوته التي هو جدير بها وأكثر .
نبني البلد مع ملك البلاد ، ومع الحقيقيين الذين يؤمنون بالبلد …ان الانتماء الأول والأخير هو للوطن الذي منحك كل شيء ، ولم تمنحه أنت أي شيء .
نقولها بالصوت المغربي الواحد …لنا نحن هذا الوطن الواحد والوحيد ، وهاته البلاد التي ولدتنا وصنعتنا وصنعت كل ملمح من ملامحنا ، والتي تجري فيها دماء أجدادنا وابائنا وأمهاتنا ، والتي تجري دماؤها في مسامنا وفي العروق .
نفخر بهذا الأمر أيما افتخار ، ونكتفي أننا لا ندين بالولاء الا للمغرب . وهذه لوحدها تكفينا ، اليوم ، وغدا في باقي الأيام ، إلى أن تنتهي كل الأيام ….
لا بد من الانطلاق من كون الأمر يتعلق بوطن . والوطن هنا ليس مجرد رقعة جغرافية لتجمع سكني ، بقدر ما يعني انتماء لهوية ولحضارة ولتاريخ . والمرحلة تاريخية سيكون لها ما بعدها . سواء بنجاح ينخرط فيه الجميع ، او بتفويت ، لا قدر الله ، لمناسبة زمنية سيحاسب فيه الجميع في المستقبل القادم .
لا يمكن لعاقل ان ينكر ما بلغه المغرب من تطور في مجموعة من المجالات . ولا يمكن انكار ما تحقق . لكن الممكن أحسن مما تحقق لا محالة . لكن أيضا لا يمكن انكار حجم المشاكل التي يتخبط فيها المغرب ، وهي مشاكل تتعلق بالمؤسساتي وبالعلاقات المجتمعية وبالانتماء والمواطنة التي تتصل أساسا من أخذ وعطاء .
هناك مشاكل اجتماعية تتعلق بعيش الناس أولا وبوجودهم . وهناك ثقة مفقودة في جملة من المؤسسات . وهناك هدر للزمن بانتظارية غير مفهومة . وهناك حيف وغياب عدالة مركزية ومجالية . وهناك شوائب عالقة من فساد وغش واستغلال . وهناك تفاوت طبقي خطير بين قلة تملك كل شيء وأغلبية تصارع الأيام من أجل قوتها اليومي . وهناك خلل في الحكامة . وهناك تأفف في كل موقع اقتصاديا كان او ثقافيا او رياضيا . وهناك رغبة من الجميع في التغيير .
المغرب ، اليوم ، ليس في حالة ميؤوس منها ، لكن هذا لا ينفي حجم المشاكل وتعقيداتها . وهذا موجود في كل التقارير الدولية والوطنية التي درست المغرب . يبقى الحل بيد المغاربة في خلق المناخ الملائم والصالح لهم .
طبعا هناك مسؤوليات خاصة بكل جهة ؛ الدولة عليها تحملات لا يمكن ان تتنصل منها . وهناك التزامات عليها ان تتحملها بكل ما تتطلبه من امكانيات مادية وبشرية . الدولة لا يجب ان تنفض يدها من قطاعات اجتماعية في الصحة والتعليم مثلا . كما تتحمل مسؤولية خلق المناخ الملائم للاستثمار ولصيانة المؤسسات والسهر على تطبيق القانون وخلق اليات للمراقبة والمتابعة والتقييم .
والمجتمع بكل مكوناته مطالب بان يسهر على ايجاد اليات التطور والمشاركة والمساهمة في السياسة العمومية ومراقبتها وفرض المحاسبة بخصوص تحسينها وخدمتها للصالح العام …
كل هذا يتطلب ثورة ثقافية تقوم على حب الوطن وخدمته والاصرار على اشتغال المؤسسات من هذا المنطلق اي خدمة الصالح العام .
هو المغرب الذي نريده والذي نرغب في أن يقوم على قيم واضحة للجميع انطلاقا من مجتمع الديموقراطية وحقوق الانسان . ديموقراطية تنتفي فيها القبلية والدموية والمحسوبية والبيروقراطية القاتلة ، ويحتكم الناس الى القانون . ديموقراطية تكون فيها القوانين مسايرة لتطور المجتمع ولتطورات العصر . وحقوق الانسان كما هي متعارف عليها دوليا انطلاقا من المرجعيات الدولية الموجودة في هذا الصدد .
المغرب الذي نريده ؛ دولة المؤسسات ودولة الديموقراطية التشاركية ، لكن انطلاقا من قيم الديموقراطية كما هي معروفة ، وليس ديموقراطية صناديق الاقتراع الشعبوية ( توظيف الدين والمال ) .
المغرب الذي نريد ؛ يعيش فيه الناس باختلاف وتسامح وبحقوق مضمونة . لكن أيضا بتنمية تحقق للمغرب مكانته الوطنية والاقليمية والدولية.
منذ قديم القديم نقولها : هذا البلد سيعبر الى الأمان في كل الميادين بالصادقين من محبيه وأبنائه الأصليين والأصيلين ، لا بمن يغيرون كتف البندقية في اليوم الواحد الاف المرات ، والذين يكون المغرب جميلا حين يستفيدون ويصبح قبيحا حين لا ينالهم من الفتات شيء …
الكئيبون هؤلاء ، وهم قلة قليلة ، وهذه هي تسميتهم لن يقدموا لنا الا النبوءات الكاذبة وعلامات عدم قدرتهم على رؤيتنا احياء مغاربة مواصلين بالأمس ، واليوم وغدا بكل تأكيد والى اخر كل الأيام .
لا نستطيع ان نعدكم بأن المغرب سيتوقف عن تقديم الدروس المجانية وعن اطلاق الصفعات الحضارية نحو أولئك الذين يتخيلون كل مرة واهمين أنهم أكبر من هذا البلد الأمين ومن هذا الشعب الأمين …
لتطمئن الحملان الصامتة ، سيزداد صمتها مع تطور الأحداث كلها ، وسيرتفع صوت البلد وناسه فقط في كل الأرجاء بالدعاء بالسلامة لهذا البلد وأهله ، فذلك ما يشغل البال ( بال الكل قمة وقاعدة ) في نهاية المطاف.
أولاد البلاد ليسوا بالضرورة المستفيدين منها ، وليسوا بالضرورة اغنياء الأزمة ، وليسوا بالضرورة نافذين ولا منتفعين ولا أي شيء من هذا الهراء الذي يقوله الكئيبون دوما وأبدا .
أولاد البلاد قد يكونون فقراء ومهمشين وعاطلين وغير مستفيدين من شيء لكنهم يظلون على الامل الكبير والحلم الأكبر ان وطنهم سيتحسن بهم هم لوجه وطنهم ، وأن أي سوء يصيبه يصيبهم هم أولا ، وأن أي خير يمسه يفرحون به وإن لم ير القاصرون والكئيبون فيه الاستفادة اللحظية المباشرة.
Aucun commentaire