Home»Débats»نتائج الباكالوريا : مفارقات عالم المدرسة أو في أصل البرودة والزغرودة!

نتائج الباكالوريا : مفارقات عالم المدرسة أو في أصل البرودة والزغرودة!

0
Shares
PinterestGoogle+

حديث الصباح…
مفارقات عالم المدرسة أو في أصل البرودة والزغرودة!

محمد امباركي

لما أخبرت صديقا لي إطار عالي بالوظيفة العمومية بأن ابنه قد تفوق في امتحان البكالوريا بميزة حسن جدا، بدا من صوته أنه استقبل هذا الخبر بنوع من الفرح الحذر لأنه كان يتوقع أكثر وسألني عن المعدل وتفاصيل النقط المحصلة، وفي نفس اليوم أخبرت صديقا آخر لي يعمل حارسا للأمن بنفس المؤسسة العمومية أن ابنه نجح في البكالوريا بميزة مقبول، سمعت زغاريد نسائية مدوية حالت دون أن نكمل المكالمة الهاتفية…أحسست أن الحي الشعبي بكامله انقلب رأس على عقب وأن التلميذ،الناجح سوف يحظى باحتفال خاص ولن تنام الساكنة إلا مع شروق الشمس…
هذه واقعة اجتماعية بسيطة لحالتين اجتماعيتين، لكنها دالة من الناحية السوسيولوجية وتترجم الى حد ما تحولا في التنافس الذي أصبح أفقيا تدور رحاه داخل « السوق المدرسية » بين الطبقات المتوسطة والفقيرة، في وقت تحظى الطبقة البورجوازية المهيمنة بمجالها التعليمي المحفوظ. كيف ذلك؟
لقد حاولت العديد من النظريات الجديدة في سوسيولوجيا التربية تجاوز أطروحة بيير بورديو حول علاقة الأصل الاجتماعي والمجالي بالتفوق الدراسي من خلال براديغم الخيار العقلاني والحساب الاستراتيجي الفردي والتجربة الاجتماعية للفاعل الفرد خاصة المتعلم (تلميذ، طالب، مفعول الأسرة والمؤسسة والمجال المتعدد…)..لكن هذه النظريات وبالرغم من وجاهتها المعرفية، لم تتمكن من القطع مع التأثير القوي والمحدد للأصل الاجتماعي والموارد الثقافية في صياغة التطلعات السوسيومهنية، صناعة الألقاب المدرسية العليا، المتوسطة والقصيرة، ومسارات الاندماج المهني والاجتماعي، ومن ثمة إعادة إنتاج البنيات الاجتماعية القائمة.
إن الواقعة التي بين أيدينا تبين ان الأسر المنتمية للطبقات المتوسطة أصبحت تقوم باستثمارات مدرسية مكلفة كي يلتحق أبنائها وبناتها بالمدارس الكبرى أو مدارس الحظوة، وبالتالي يدخلون في منافسة غير متكافئة مع أبناء الطبقات البورجوازية، وفي ذات الوقت يبتعدون عن خطر الالتحاق بالطبقات الشعبية، وأول خطوة في هذا الشأن الاختيار المبكر للمدرسة الخصوصية ذات السمعة المتميزة في الوسط الاجتماعي القريب والفقدان الكلي للثقة في المدرسة العمومية. أما التلاميذ المنحدرون من أوساط اجتماعية فقيرة، فإن أسرهم تعيش مشاكل وتوترات المدرسة العمومية وتجعلها رساميلها المادية والثقافية والرمزية الضعيفة والهشة حبيسة محدودية اجتماعية هي التي تفسر ضعف الطموحات وتواضع التطلعات، لهذا فإن نيل شهادة البكالوريا هو في حدا ذاته إنجاز ويستحق زغاريد نسائية يتحول معها التلميذ(ة) أو الناجح(ة) إلى عريس أو عروس الأسرة والحي السكني بكامله…لكن هذا لا يستبعد فكرة أن جزء من هذه الأسر يقوم أيضا ببعض الاستثمارات المدرسية المكلفة على حساب بعض الحاجيات الأساسية وإن تطلب الأمر الاقتراض، فيلجأ إلى التعليم الخاص ودروس الدعم…الخ
إن معظم الأسر القاطنة بالأحياء الشعبية تقيم حفللات مدوية استقبالا لأبناء وبنات الدرب الناجحين، بشكل يذكرنا بزمن قريب يمتد إلى حدود نهاية الثمانينات حيث كانت الأسرة تنظم مأدبات جماعية للأقارب والجيران لحظة حصول أحد أفرادها على الأوراق الرمزية التالية : شهادة البكالوريا، جواز السفر ورخصة السياقة…إن دلالة هذه الفرحة الجماعية كانت تعكس المسار الصعب، المكلف ماديا ومعنويا والمسطرة المعقدة للحصول على هذه المكاسب الثلاث من جهة، ومن جهة ثانية مكانتها الرمزية الهامة آنذاك حيث كانت تفتح أبواب مستقبل أرحب في سياق لم يكن يشهد تصخما في الشواهد وتسليعا مفرطا للمدرسةالعمومية، فوضى في منح رخص السياقة، وجواز سفر يفقد معناه أمام تسييج الحدود وفرض نظام التأشيرة….
قلت في تدوينة سابقة مكثفة:
أتقدم بتهاني لكل الناجحين والناجحين في امتحان البكالوريا مهما كانت العلامات والميزات، البكالوريا المغربية في حد ذاتها لقب مدرسي لا زال يحتفظ بقيمته الرمزية والاجتماعية ويدشن لمسارات سوسيومهنية تستوجب التسلح بقوة الطموح وإرادة المقاومة وعقلانية الاختيار..
هنيئا لجميع ابنائنا وبناتنا وهنيئا لجهة الشرق التي سجلت أعلى معدل نجاح، وبلغت نسبة النجاح 86.19 توزعت بين 88.59 لدى الإناث و83 لدى الذكور….وهنا تنبغي الإشارة أن تفوق الفتيات على مستوى النتائج المدرسية يخفي بعض آليات الإقصاء غير المرئية فيما يتعلق بالتوجيه والاختيارات الدراسية التي غالبا ما تتميز بالتوجه نحو مسارات قصيرة ومتوسطة وتخصصات تعتير « أنثوية » في الوعي الجمعي بل حتى في تصوّرات نساء ورجال التربية والأسر المتعلمة…وهذا الواقع المدرسي شبيه إلى حد ما بالمشهد الانتخابي في بلادنا حيث قوة الحضور النسائي ككتلة انتخابية وازنة على مستوى التسجيل، التصويت والترشيح، ثم يتقلص هذا الحضور بالتدريج حتى يصبح باهتا على صعيد المسؤوليات داخل المجالس المحلية والجهوية رغم آليات « الكوطا » والتمييز الإيجابي. لكن هذه الملاحظة لا تعني أن الزحف النسائي لا يتقدم في مختلف حقول المجتمع وفضاءاته التعبيرية الخاصة والعمومية ويهدد العديد من السلط الذكورية المرئية والمتخفية في الدولة والمجتمع…
صباح الخير والورد لنساء المغرب….

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *