غرباء العالم
شوالات زبالة ؟ تخرجها في هذا الوقت ؟ نعم . سأضعها على الرصيف .. ألا تعلم بان الشحاذين يرتادون المكان كل صباح هائج ؟..علهم يجدون بين القمامة ما يسد الرمق ..على العموم لا تشغل نفسك بهذا الموضوع , حتى لا تغادر عالمك الوردي .. ستعلم نمط هذه الحياة فيما بعد .. ألان عليك أن تنام , تظهر على وجهك قسيمات إرهاق, وتعب شديدين استرخي ألان ونم … – كيف استقبلتك الحياة عندما طردتك أمك من أحشائها ؟ رفضتك؟ لا بد انك كنت كثير الصراخ ,والعويل فأزعجتها , وحرمتك من سعادتها .. فأضحيت كالغراب تحلق في سماء ليست لك تعشق أشكالا, وأنواعا من الطعام .. فتتحسس جيبك وتجده مثقوبا .. وان تلك الفرنكات الصفراء قد سقطت بينما كنت تمشي وأنت حافي القدمين .. من منكم يا جماعة نام وفي بطنه قطعة خبز يابسة ؟ لا بد أنها مسروقة إن وجدت في بطن أحدكم … من عادة أهل هذه المدينة الصفراء أنهم ينشرون الخبز المتعفن على سطوح المنازل ليتحمص ويطعموا به الأرنب .. وما أشهى اللحم المسروق انه لذيذ جدا المشهد نفسه منذ زمن ليس بالقصير .. أشعة شمس هاربة من السماء كل صباح .. تتمسك بخيوط الهواء البارزة لتجتاح المكان ..تتسلل حزمها إلى جحور الجرذان , والأكواخ القصديرية ..تشرئب أعناق تسعة بشريين .. ثمانية عشرة عينا ترقص للصباح ..في بطن كل واحد منهم قطعة خبز يابسة مسروقة منذ البارحة . – صباح جميل نسمات منعشة تدخل البهجة إلى النفوس .. السحب تتجه جهة الشرق تدفعها ريح غربية .. يقولون بان الرياح الآتية من هناك مفعمة بالأشواق, والسعادة تتخللها رائحة الباريسيات وهن يستمتعن بمنظر برج إيفل ..يشبهنا شحاذات الهوى .. وكأن البرج يمنح لهن ذاك الإحساس المتناغم , والمترامي الأطراف .. فترى العاشقين ينساقون ورائهن كالكلاب اللاهثة دون كلل ولا خجل …يضحكني أيضا كريستوف كلومبوس حينما قاد أسطوله ليبحث عن طريق إلى الهند وقادته سذاجته إلى العالم الجديد ..دون أن يعرف بأنه قد اكتشف عالما جديدا .. كان مثيرا للشفقة, وأشبه بشحاذ يطلب التوابل ,والذهب من رحم الأرض .. حينما ينسج الليل قميصا للنهار .. في كل يوم كان الرجل المتسخ , والمرقع السروال ذو الشعر المنفوش .. على أتم الاستعداد لينطلق في رحلة جديدة من رحلاته مع قطع الشوارع ,والأزقة المحفورة .. المتناثرة هنا وهناك .. خرج من جحره القصديري كثعلب إفريقي .. يحصد قطع الشوارع بقدميه الملوثتان بالتراب .. يندب حضه اللعين .. ويلعن الزمن الغدار.. كم كان يتمنى أن يكون له بيتا مطلي بالصاروج .. يحاول أن يبدد النار المشتعلة في جسده .. فينظر إلى السماء بنظرة ثاقبة وكأنه يتحسس جيوبها .. علّها تمطر ذهبا , أو فضة , ويصبح من اثرياء العالم .. لكن لا شيء يحصل من هذا القبيل .. فزمن المعجزات ذهب مع أصحابه.. يلعن حضه من جديد ويستمر في حصاده المضني ..قادته آلة الحصاد إلى شارع الجوهرة .. ارتمى أمام عينيه الجاحظتين تاجر ذهب , يرش محيط حانوته بالماء البارد, لتتنفس الأرض من حوله , وتجذب له زبناء كثيرون ..التفت التاجر إلى الوراء سمع قعر نعال خشن وجد أمام عينيه جثة هزيلة .. غريبة على هذا الشارع المتلألئ بالمجوهرات ..مد المتسخ يده في صمت جارح . – أعوذ بالله من سخطه .. طلاب في هذا الصباح الجميل ؟ لعنة الله عليكم لقد استكثرتم في الأرض وأرهبتم الزبائن بمناظركم الشنيعة – هيا اغرب عن وجهي .. لقد عكرت مزاجي عن العمل .. ولا أريد أن أرى وجهك بعد ألان .. اسمك عبد الحميد الشحاذ . سنك منذ أن حفر البحر وأنت هنا في هذا العالم .. لديك سبعة أولاد.. وأمهما.. يحتاجون إلى قطع خبز مسروقة يوميا حتى تظمن حياتهم مستواك الدراسي .. حصلت على شهادة الثانوية .. من أخبرك بمهنة التسول ..سمعت ذلك من إذاعة تابعة لوزارة الشغل .. يلتفت إلى اليمين ثم إلى اليسار .. يجد نفسه لم يقطع من المسافة ما يوفر له قطعة نقود .. يحزم أمره إلى شارع أخر غير بعيد عن شارع الجوهرة . يقال له شارع العطارين .. وكله أمل أن يحصل على حفنة نقود من هذا الشارع . يمد يده إلى هذا طالبا .. والى الأخر شحاذا.. والى هناك متسولا .. لعنة , وبصقة مشرئبة , وشتيمة ..حصاد شارع العطارين .. بعض المتسوقين يمسح يده بدرهم أو نصفه .. يعود ليزرع ما حصده من شوارع .. مخلوق نحته الزمان على أنغام الفقر ..وجعلته تحفة فنية في متحف الغرباء .
Aucun commentaire