يا معشر الانتهازيين ما كل من ينقلون من الضفة الشمالية للمتوسط إلى أرض الوطن موسرون فاتقوا الله فيهم
يا معشر الانتهازيين ما كل من ينقلون من الضفة الشمالية للمتوسط إلى أرض الوطن موسرون فاتقوا الله فيهم
محمد شركي
الانتهازية داء عضال استشرى في مجتمعنا بشكل غير معهود قبل عقود، إذ لا تعن فرصة للانتهازيين تعود عليهم بسحت يأكلونه إلا اقتنصوها . وأسوأ درجة تبلغها انتهازيتهم استغلالهم للمكروبين من أهل البلاء والمصائب ، يبتزونهم أخس ابتزاز ، ويزيدون من تجريعهم غصص المعاناة ، وقد عدموا ضمائرهم الحية ، وسفهوا أنفسهم .
ومن الاعتقاد السائد لدى أولئك الانتهازيين، أن كل من ينقلون من الضفة الشمالية للمتوسط إلى أرض الوطن موسرون، وذلك لمجرد نقلهم في توابيت على متن طائرات ، علما بأن كثيرا ممن طوحت بهم الظروف في تلك البلاد الأوروبية ممن لا تأمين لهم ، وهم أهل عوز، تضطر جالياتنا المقيمة هناك ، وغيرها من الجاليات المسلمة ،وقد عدموا من ذويهم من يقوم بأمرهم إلى اكتتاب في المساجد من شأنه أن يغطي تكلفة نقل جثامينهم جوا بعد مرور وقت قد يطول، وهم في انتظار لحظة يسترون فيها تحت الثرى .
ومما عاينته يوم أمس حالة نقل جثمان من الديار الفرنسية، وهي تكفي كدليل على جشع الانتهازيين ، وأولهم المسؤولون في شركة الطيران عندنا التي حصلت على المبلغ الكامل لنقل هذا الجثمان جوا من فرنسا إلى مدينة وجدة ، لكنها أخلت بما تعهدت به ، حيث نزلت طائرتها به في مدينة الدار البيضاء على أساس أن تنقله طائرة أخرى إلى مدينة وجدة ،إلا أن الشركة أوكلت نقله برا إلى شركة سيارات تنقل الأموات . ولما حضر أهل الميت إلى مطار وجدة أنجاد ، وقد استدعوا سيارة لنقل جثمانه، فاجأهم سائق السيارة القادمة من الدار البيضاء بمجيئه ، وكان في منتصف الطريق إلى جهة الشرق . وبعد وصوله طالب بمبلغ زائد عن المبلغ الذي دفعته له شركة الطيران المتملصة من واجب نقله جوا ، وهو دون المبلغ الذي تلقته من ذوي الهالك لنقله جوا . وأصر المسؤولون على السيارة التي نقلته على المطالبة بالمبلغ المالي الاضافي الملزم به أهله جريا على ما سموه عرفا جرى العمل به ، وهو قمة الانتهازية .
وما كاد جثمان الهالك يصل المقبرة حتى تكالب عليه جمع من الانتهازيين من طينة أخرى، فمهم من سارع إلى تسلم الإذن بالدفن من ذوي الهالك كي يعطي انطباعا بذلك على أنه المسؤول الأهم في المقبرة، ثم انتزع التابوت من أيدي ما جاءوا به ، وانتهى به الأمر إلى أيد ظُن أول الأمر بأن أصحابها أهل خير وإحسان ، فإذا بهم بعد انتهاء مراسيم الدفن يطالبون بما سموه أجر كدهم وعملهم ، وفيهم من يبرر أحقيته في الأجر بكونه صاحب معول الحفر ، ومنهم من يبرر ذلك بكون صاحب السقاية ، ومنهم من يتذرع بوضع شتلات فوق القبر ينتزعها من فوق قبور أخرى ، ومنهم من يبرر ذلك بكونه صاحب التلاوة والدعاء … ومنهم من يتذرع بحراسة السيارات والمركبات المركونة خارج المقبرة ، فضلا عن جمهور ممن احترفوا الكدية . والغريب أن أحد المتزعمين للمطالبة بالتعويض عن تلك كد الحفر ، انهال على ذوي الهالك باللوم والعتاب ،لأنهم لم يؤدوا له ما طالب به من أجر ،و نسب لهم تأخر وانقطاع الغيث عنا ، وزعم أن الله تعالى إنما يعاقبنا بأمثالهم ممن يقصرون في تلبية مطالب معاشر الانتهازيين الذين يستولون على المقابر دون وجه حق ، وفي غياب سلطة رادعة لهم . وما كادت محركات السيارات والمركبات التي حضر أصحابها مراسيم الدفن تهدر، حتى تسابق إليها الانتهازيون، منهم من يستجدي بإلحاح شديد ، ومنهم من يحاول اقتحامها والركوب مع أصحابها كي يصل إلى خيمة العزاء حيث صحون الكسكس المرصعة بقطع اللحم . وما كاد المعزون يصلون هذه الخيمة حتى وجدوا فئة أخرى من الانتهازيين قد التفت حول موائد الخيمة، تترقب صحون الكسكس ، وأكواب اللبن . ومن وقاحتهم أن بعضهم أخذ يسأل أهل الهالك عن نبذة من حياته ، وعن عمله ، وعن سبب موته ، وعما كسب وما ترك مع اعتقاد جازم منهم بأنه ما نقل في تابوت إلا ليساره ، وكبير ثروته . ومع حلول الليل أضيئت خيمة العزاء ، وتسلل إليها نفر من الانتهازيين أيضا طلبا لوجبة العشاء استكمالا لوجبة الغذاء، لأن مراسيم الدفن كانت بعد صلاة الظهر . وحضر نوع آخر من الانتهازيين من المنشدين والمقرئين المدعو منهم والطفيلي ، وقد أحضروا مكبر صوت مصاب بالبحة ، وعبثوا ما شاءوا بكلام الله عز وجل ، وهم يتلون سورة الرحمان بنفس غير منقطع ، واجتروا من الإنشاد كل مكرور ومملول مما أكل عليه الدهر وشرب ، وصار في حكم الواجب الذي لا بد منه في خيام العزاء . وانتهى أمر هؤلاء بحصولهم على أجر المكبر ، وأجر التلاوة، والإنشاد ، والدعاء ، وفي اعتقادهم أيضا أن هذا المحمول في التابوت إنما هو موسر قد سنحت لهم فرص ابتزاز ذويهم بخسة ودناءة ، وشره أكلا وشربا ، وأجرا ،متاجرة بكلام الله عز وجل ،وبمدائح رسوله صلى الله عليه وسلم . ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
هذا نموذج معيش من نماذج استغلال الانتهازيين ذوي الأموات الذين ينقلون في توابيت إلى أرض الوطن، قادمين من الضفة الشمالية للمتوسط ، في غياب رادع من ضابط قانون يردعهم وهم لا ضمائر حية تنهاهم ، ولا وازع دين أو أخلاق يزعهم . ومن ابتلي بشيء من هؤلاء الانتهازيين ، فليغلظ لهم القول ، وإنه إن شاء الله تعالى مأجور على ذلك .
Aucun commentaire