لماذا يتحرّج المسلمون اليوم من وصف العلمانيين المندسين بينهم بما وصف الله تعالى المنافقين في محكم التنزيل ؟؟؟
لماذا يتحرّج المسلمون اليوم من وصف العلمانيين المندسين بينهم بما وصف الله تعالى المنافقين في محكم التنزيل ؟؟؟
محمد شركي
بمجرد فتح المصحف الشريف ، نجد في سورة الفاتحة التي تتصدره تصنيفا إلهيا ثلاثيا للبشر فهم : منعم عليهم ، ومغضوب عليهم ، وضالون .كما نجد في أول سورة البقرة ما يؤكد هذا التصنيف ، ذلك أنهم عند الله عز وجل متقون، يؤمنون بالغيب، ويصلون، ويزكون ،وهم مهتدون ومفلحون ، وكفار لا يؤمنون، مختوم على قلوبهم، وعلى سمعهم وأبصارهم غشاوة ، وهؤلاء لهم عذاب عظيم ، ومنافقون يقولون آمنا بالله واليوم الآخر وما هم بمؤمنين، يخادعون الله والذين آمنوا ، ومفسدون يدهون أنهم مصلحون ، لا يؤمنون، ويعتبرون المؤمنين سفهاء ، وهم السفهاء ، وإذا لقوهم قالوا آمنا، مستهزئين بهم ، والله يستهزىء بهم ، ويذرهم في طغيانهم يعمهون، ويشترون الضلالة بالهدى ، وتجارتهم خاسرة ، وفي قلوبهم مرض، وهؤلاء لهم عذاب أليم .
والملاحظ في أوائل سورة البقرة تفصيل الله عز وجل في وصف المنافقين، بينما لم يفصل في وصف الكفار لأن هؤلاء متمحضون للكفر ، بينما المنافقون يخفونه ، ويدعون الإيمان وهم كاذبون لمخادعة المؤمنين ، و هم مفسدون مع ادعائهم الصلاح والإصلاح ، ومستهزءون بالمؤمنين ، وهم طغاة ، وضالون ، ومرضى القلوب ب سبب نفاقهم .
أما إذا تتبعنا صفات وأفعال المنافقين كما وصفها الله تعالى في آيات الذكر الحكيم عموما ، وتحديدا في سورة براءة ، فأننا نحصل على صورة كاملة لهم وقد رسمها الله تعالى بدقة تحذيرا لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم منهم ، ومن خلاله تحذير كل المؤمنين إلى قيام الساعة ، لأنهم أشد خطرا على الإسلام وأكثر كيدا له بسبب إخفاء كفرهم ، وأشد حقدا وكرها له وللمسلمين ، ولذلك قضى الله تعالى لهم بالدرك الأسفل من النار جزاء نفاقهم .
ولا ندري لماذا يتردد اليوم المؤمنون في وصف من يخالطونهم من العلمانيين بالمنافقين أو يخجلون أو يخافون من ذلك، مع أن أعمالهم ومواقفهم حين تعرض على كتاب الله عز وجل ، وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، تصرح بنفاقهم البواح ،وهي من لوازمه ؟ علما بأنه ليس من قبيل الصدف أن يصفهم الله تعالى بإسهاب في محكم التنزيل بل فعل ذلك لتحذير للمؤمنين من خداعهم بادعاء الإيمان الكاذب، وهم أكثر خداعا من الكافرين من أهل الكتاب ، ومن غير أهل الكتاب .
وإذا كان الإيمان يحصل بما يقر في القلوب ، وتصدقه الأعمال ، فإن الله تعالى قد استأثر بعلم ما تخفي قلوب البشر، وجعل أعمالهم ومواقفه ناطقة بما يخفون. فهل من يجهر اليوم بيننا بحرية الاعتقاد اعتقادا مخالفا لاعتقاد المؤمنين مستشهدا على ذلك بالقرآن الكريم، وهو يلوي بأعناق آياته يعتبر مؤمنا ؟ وهل من يحل ما حرم الله تعالى من فواحش غير من مسمياتها التي سماها بها الله عز وجل حيث جعل فاحشة قوم لوط مثلية، و فاحشة الزنا رضائية يعتبر مؤمنا ؟ ، وهل من يعتبر الدعوة إلى الفجور يعد صالحا ومصلحا ؟ وهل من يستهزىء بالمؤمنين خاصتهم وعامتهم من أئمة، وعلماء ، ودعاة … يعتبر مؤمنا ؟ وهل من يدعو إلى تعطيل شرع الله عز وجل ، واستبداله بالشرائع العلمانية يعتبر مؤمنا ؟
وإذا كان الجواب عن هذه الأسئلة بلا ، فلماذا يتردد المؤمنون في وصفهم بما وصف الله تعالى المنافقين في الزمن الأول من دعوة الإسلام ؟ ولماذا ينساق بعض ضعاف الإيمان مع مقولاتهم ، وينخدعون لهم بالرغم من وضوح تحذير الله عز وجل منهم ؟ ولماذا يرضون لأنفسهم أن يكونوا عندهم موضوع سخرية ، وتنذرواستهزاء ؟ ولماذا يقع البعض في خطأ تصديقهم ، ودعمهم ، وتشجيعهم والإشادة بهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي ؟ وفي المقابل يتخلفون عن دعم من يتعقبهم بالكشف عن نفاقهم البواح ؟ ألا يخشى من يركن إلى مقولاتهم ، ويجاريهم فيها ، ويثني عليهم بسببها أن يكون منهم ، والله تعالى يقول : (( وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذن مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا )) . وإذا كان الله قد نهى عن مجرد القعود معهم وهم يسخرون من آيات الله عز وجل ، فإن ما يكون أبعد من القعود معهم كاستحسان ما يفترون على الله عز وجل وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم أقوالا وأفعالا والرضا به ، ومجاراتهم فيه يكون التشديد في النهي عنه أكبر .
ولهذا يتعين على المؤمنين أن تكون لهم مواقف ثابتة من الذين يموهون على نفاقهم تحت مسمى العلمانية والحداثة في زماننا هذا . وعلى المؤمنين اليوم أن يتذكروا أن بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم احترازا من الوقوع في إثم النفاق شكوا إليه عليه السلام ما ظنوه نفاقا في أنفسهم لمجرد أن حال إيمانهم وهم عنده كان يختلف عن حال إيمانهم إذا انصرفوا من عنده . أما ونحن في هذا الزمان فأولى أن نحترز أكثر منهم من نفاق صار يسوق بيننا على أساس أنه تنوير ، وتحرر ، وتعقل … وكل ذلك سماه الله تعالى في وصفه للمنافقين فسادا حين قال : (( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون )) .
ويكفي أن تكون العلمانية الغربية هي مصدر ومنهل ما يسوقه بيننا العلمانيون من بني جلدتنا ، وهم المنافقون بلغة القرآن الكريم من أفكار مخربة للقيم والأخلاق ،وتستهدف تماسك المجتمع المسلم من خلال استهداف نواته الصلبة التي هي الأسرة ، واستهداف هذه الأخيرة من خلال إفساد ركنها المتين الذي هو المرأة من أجل طمس معالم الهوية الإسلامية ، واستبدالها بالهوية العلمانية تطبيقا لأجندة العلمانية الغربية . وبالأمس فقط طلع وزير الداخلية الفرنسي بقرار تحريم وتجريم عباءة المرأة المسلمة في المؤسسات التربوية والجامعية بدعوى أنها تهدد القيم العلمانية. إن هذا يعني أن هذه العلمانية الحاقدة على الإسلام جادة في حربها عليه من خلال عدة جبهاته ، بينما نحن نتردد في فضح عملائها الموجودين بيننا ، ونتحرج أن ننزلهم المنزلة التي نزلهم الله تعالى بسبب أعمالهم ومواقفهم التي هي مؤشرات ناطقة بل صارخة بنفاقهم . فمتى سنفيق من غفلتنا ؟ ونتيقظ إلى استهزائهم بنا ؟ ونقرأ التحذير الذي ضمنه الله تعالى كتابه الكريم منهم بعيون وعقول مفتوحة خصوصا وأن القرآن الكريم يتلى بيننا بكرة وأصيلا ، وتتلى علينا في صلواتنا الجهرية صفات وأعمال المنافقين ، ونحن نمر بها مرور الكرام ، ولا تحدث فينا أثرا يذكر، خصوصا وأغلب من يعلون منابر الجمعة عندنا يتحاشون المواجهة مع منافقي هذا العصر من العلمانيين مخافة التوقيف أوالطرد حتى بلغ الأمر بأهل النفاق المساس بالمقدسات ، فكذبوا ما صح من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسخروا منها ، ومن الأئمة الذين جمعوها ، وعدوها مجرد أساطير، وعدوهم من الكاذبين والمدلسين ، وسخروا من كل عالم تصدى لافترائاتهم ، في حين من على منابر الجمعة يلتزمون الصمت ، وهم بذلك في واد ، وواقع الحال عندنا في واد آخر، وما سمعنا بالوزارة الوصية على الشأن الديني تزودهم بخطب كما اعتادت على ذلك في شتى المناسبات من أجل رد عدوان المنافقين على سنة سيد المرسلين صلى عليه وسلم ،ولا هي وافتهم كعادتها بمذكرات تحثهم على الانتصار للحديث الشريف ، ولأئمته ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وإليه المشتكى والمفزع ، وما الله بغافل عما يعمل الظالمون .
Aucun commentaire