مثقفون أجواف !
بقلم يوسف بولجراف
مثقفوا بلادي انانيون ، متجملون و متنكرون لظروفهم الماضية ، أخص بالذكر من وفقوا في حياتهم المهنية ، وهم أولئك المحامون ، المهندسون ، الأساتذة ، الأطباء ومعظم الأطر العليا من درجة باك زائد أربع و ما فوق ، أولئك الأشخاص اللذين انبثقوا من وسط غابة من الإهمال، هم من أعطتهم الحياة تلك الفرصة الضعيفة جدا للنجاح و التي لا تمنحها لأغلب من نشأ في ظروفهم لكنهم نجحوا و أصبحوا بمهنة ! وفي موقع مسؤولية اليوم ،إلا أنه صار لحلمهم امتداد آخر لا يتجاوز دائرة حياتهم الخاصة و فقط برغم جمالية قيمهم و ما يتصورونه للعالم من حولهم و ما يودونه للناس ورغبتهم في التغيير، لكنهم كمثقفين لا يعدو أنهم فقط مدونون رائعون يجيدون شحذ الكلمات والتبجح بها في المحافل الثقافية ، ليبقى كلامهم مجرد فراشات تعيش على إيقاع رفرفة تحت أشعة شمس يوم خريفي ، سرعان ما تسدل خيوطه و سرعان ما ينسى الكلام .
حين نرى أن حلمهم أصبح مختلفا الآن و أن عودتهم و رجوعهم لأصلهم من أجل إنماء مناطقهم التي عاشوا بها و إنبعثوا منها أول مرة و فيها قضوا كل الطفولة قد أصبح شبه إستحالة ، لأنه لا يمكن أن يوفر لهم مستوى ما يريدون أن يعيشوه الان و لا يليق بقيمتهم أو لن يوفر لهم سبل الرفاهية التي يريدونها والتي يعتبرونها حقهم الطبيعي بعد أن مروا بمشوار سنوات دراسية طويلة حتى أصبحوا ما هم عليه ، و لأنهم لم يكونوا يوما أنجلينا جولي أو أي شخصية أخرى من تلك التي تترك الثراء و الغنى و الحفلات و الجولات السياحية العالمية و تذهب تشتغل في إفريقيا ومناطق الحروب بدافع الإنسانية و لتنقذ الأطفال و النساء ، وتعين الضعفاء، وليسوا متطوعين بدافع قيمي في منظمة إغاثة دوليه، هم فقط اشخاص يحلمون بقضاء أيام عطلة في أماكن من العالم تنسيهم عناء و تعب سنين الشقاء ،نعم حلمهم مختلف اليوم هم يحلمون بالتزحلق على ثلوج الألب ووضع صور سيلفي في غابات الامازون أو صعود الهيمالايا أو رحلة استجمام على رمال شاطئ كوبا كبانا ، أو مشاهدة شلالات نياجرا ، تلك هي أحلامهم الان و سبيل تحقيقها أبدا لن يكون طريق العودة إلى قندهار ،السبيل الوحيد إلى ذلك هو القطيعة مع العالم المهمل، المهمش ، و الذي صراحة لم يكونوا هم مسؤولين عنه و عن إهماله بل هي سياسات إهمال كانت منذ سنوات و لن يزيد شيء أو ينقص إن قرر أحدهم العودة لمساعدة منطقته المعزولة و أبناء بلدته الأموات الأحياء ، كل المثقفين بمهنهم تلك الضرورية للحياة و للتنمية و للحضارة التي يعيشون فيها الان أو يعتقدون ، لهم نفس التفكير ، فتجدهم يبررون بالقول : لنفترض أني عدت هناك فيم تجدي تضحيتي ،لن أغير شيئا، فالظلام كان هناك منذ الأزل ، ما ينفع القنديل المشع الذي أحمله في يدي و الإهمال في كل مكان!!! ما ينفع ترتيب مكتبي هناك و الفوضى في كل مكان!!!، و لا أحد منهم يريد أن يكون الطائر الطنان الشهيرالطائر الجميل الذي أراد أن يقوم بما عليه ولو بالقليل من جهته و يحمل بمنقاره كمية من الماء لإطفاء الحريق دون إنتظار الاخرين في أن يحدوا حدوه ؛خلاصة القول إنسانيتك ليست هي كلامك الإنساني و لو كان جميلا بل هو عملك الإنساني و روحك المعطاءة في مساعدة أبناء قريتك المهمشين ، لا يكفي أن تدلي بحبك للناس اللذين لا يجدون لا أستاذا و لا محامي و لا مهندس و لا طبيب ..بل أثبته من موقعك و مهنتك بالفعل، كل تلك المهن التي يكون غالبية أصحابها حلمهم الإجتماعي هو عيشة رفاهية و جولة في العالم عند العطل ، وإن كان من حقهم ذلك طبعا لكن انصرافهم التام لتحقيق ذلك يترك شرخا كبيرا ، قليل من الإنسانية يمكن أن يفعل الكثير من أجل مناطقهم المعزولة ولو بالتضحية أحيانا قليلة ،صحيح أنهم يعرفون أن سكان قريتهم لا زالوا يدفعون أجرة تلك المهن بما لديهم من دجاج أو أرانب لكن لابأس إن كنا إنسانيين فهذا يصبح أكبر واجب إنساني على الإطلاق ، وهو مايعيد لكل المثقفين الجميلين مصداقيتهم المشروعة التي افتقدوها في الدفاع عن مبادئ الإنسانية ، و سيصبحون أكبر من أحلامهم الصيفية تلك التي لم يحققوها بسبب رمزية الأداء و دجاج و أرانب سكان بلدتهم الطيبين اللذين يستحقون العيش الكريم لا العناء ، و هم بذلك سينالون أكثر منها عند الله ، و السنين بعد ذلك ستنصفهم و تنصف مجهوداتهم و سيعرفون قيمة وصولهم الحقيقية حين يدركون العمل البطولي الذي قاموا به في سبيل نماء بلدتهم و نماء أبناء منطقتهم و هم بذلك سيصبحون فعلا أبطالا بكل معنى الكلمة بكل مهنهم المختلفة حين يتركون المدن و يعودون إلى الجبال و القرى و تلك المناطق النائية ، حين يكتشفون أنهم صنعوا المعجزات و ما عجزت عنه سنين من إستراتجيات النماء و محاربة الهشاشة ، و كل المصطلحات الرنانة التي يتبجح بها السياسيون ، بطولتهم تلك لن تشبه أي بطولة في كل أشكال التنمية ، لأنهم سينتصرون على كل تلك السياسات التي بها عاشت مناطقهم و ينهون عصر التهميش و العزلة و الحرمان ، إنجازهم في حد ذاته هو ثورة ضد الفساد و التهميش .
Aucun commentaire