من أجل أن تسير الحياة وفق المرجعية الإسلامية لا مندوحة عن تناغم تام بين صنّاع الأفكار عندنا وصنّاع القرار
من أجل أن تسير الحياة وفق المرجعية الإسلامية لا مندوحة عن تناغم تام بين صنّاع الأفكار عندنا وصنّاع القرار
محمد شركي
كل مرجعية من المرجعيات التي يتبناها البشر حسب قناعاتهم أومعتقداتهم ، لا بد لها من صنّاع أفكار تلتزم بتوجهاتها، وصنّاع قرار هم من يترجمون تلك الأقكار إلى واقع معيش. ولما كانت المرجعيات المختلفة متدافعة بالضرورة نظرا لتعاصرها، فإن التي تهيمن وتسود، هي من تتحكم في مسار الحياة وفي الواقع المعيش ، فتعاني بسبب ذلك غيرها من المرجعيات ، وتواجه معضلات من أجل بحثا عن إحداث تغيير في المسار المفروض عليها .
وأكبر معضلة تعاني منها المرجعية الإسلامية اليوم، هي أنها تتعامل مع مسار حياة رسمتها المرجعية الغربية العلمانية أو بأدق تعبير الدنيوية . والمسلمون اليوم يعيشون أزمة مزمنة، بسبب هيمنة وسيادة المسار العلماني في الحياة ، وهم حيارى في أمرصعوبة التوفيق بين مرجعيتهم التي تبقى نظرية في واقعهم المعيش، وهم مضطرون إلى خوض غماره كما رسمته مرجعية غيرهم المهيمنة عليه .
ومقابل الترسانة الضخمة لصنّاع الأفكار في المرجعية الإسلام ، نجد شبه إعراض عنها من طرف صنّاع القرارالذين ينقسمون إلى صنفين : صنف تستهويه المرجعية الغربية المهيمنة ، وصنف يصدق عليه المثل القائل: مضطر أخاك لا بطل ، وقد يكون هذا الصنف هو الغالب .
وعندما نعود إلى التاريخ الإسلامي ، نجد أن ما كان يميّز مسار الحياة، هو موافقتها للمرجعية الإسلامية أوكانت وفق إرادة الخالق سبحانه وتعالى ، وذلك لوجود تناغم تام بين صنّاع الأفكار ،وهم العلماء ، وصنّاع القرار وهم ولاة الأمور . وكان صنّاع الأفكار يشرّعون ، وصنّاع القرار ينفذون، باستثناء ما كان يقع في بعض مراحل التاريخ من خلاف بين هؤلاء وأولئك ، وهي حالات استثنائية لا يقاس عليها ، ولا اعتبار لها مقابل الحالات الغالبة .
ولم تكن صفة العلماء منحصرة في نوع خاص من العلم، لأن السائد حينئذ كان هو ما يعرف بالتّبحر أي الجمع بين مختلف التخصصات مما صار اليوم يصنف إلى إنساني ومادي ،حيث كان العالم خبيرا بعلوم الدين، وعلوم الإنسان ، وعلوم المادة ، فكان فقيها، ومحدثا ، ومفسرا ، وشاعرا ، وناقدا ، وفيلسوفا ، ورياضيا ،مخترعا في المجال المادي من طب وكيمياء وفيزياء … وبهذا التّبحر كان صنّاع الأفكار يفرضون أنفسهم على صنّاع القرار الذين لم تكن لهم مندوحة عن اعتماد خبراتهم المضبوطة بالمرجعية الإسلامية التي كانت تبصم كل العلوم والمعارف .
ومشكلة صنّاع الأفكار عندنا اليوم، أنهم على كثرتهم ، وبالرغم من كثرة صناعتهم وتنوعها ، مع كثرة انتشارها بسبب تطور تكنولوجيا التواصل ،أنه لا يجمعهم خيط ناظم ، كما يجمع صنّاع الأفكار من ذوي المرجعية العلمانية، حيث توجد هوامش خلاف بينهم قد يتسع فتقها على الرتق أحيانا ، ذاك أن بعضهم محسوب على المترسّمين الذي يتخذهم صنّاع القرار بطانة لهم ، وهؤلاء تكون صناعتهم متأثرة بشكل أو بآخر بصناعة القرار ، الشيء الذي يجعلهم على خلاف مع غير المترسّمين الذين يستبعدهم صنّاع القرار ، ولا يقبلون منهم رأيا ولا مشورة على قد ما يكون فيهما من سداد ومن توافق مع المرجعية الإسلامية . وينعكس التباين بين المترسّمين ، وغير المترسّمين من صنّاع الأفكار عندنا على المجتمع الذي يفقد الثقة في المترسّمين المقربين من صنّاع القرار ، ويميل إلى الثقة في غيرالمترسمين ، لكن هؤلاء مع الأسف يستبعدهم صنّاع القرار ، وقد يدينونهم ، وقد يحاسبونهم ، أو يعاقبونهم ، أو يخوّنونهم .
وطالما ظل صنّاع الأفكار عندنا على هذه الحال من الخلاف والنشاز، مترسّمون على وفاق مع صنّاع القرار، وغير مترسّمين على خلاف معهم ، فإن الحياة لن تسير وفق المرجعية الإسلامية كما كانت في سابق عهدها ، خصوصا وأن صنّاع أفكار المرجعية العلمانية على انسجام تام فيما بينهم من جهة ، ومن جهة أخرى على توافق تام مع صنّاع القرار . وأمام هذا الوضع سيظل الفرد المسلم موزعا ذهنيا بين قناعة بأفكار مرجعيتها إسلامية موقوفة التنفيذ ، وبين واقع أو مسار حياة هي من نتاج أفكار المرجعية العلمانية .
وأخيرا، نتساءل ـ إذا ما جاز لنا أن نتفاءل بعض الشيء ـ هل بالإمكان تحطيم حواجز التنافر بين المترسّمين من صناع الأفكار عندنا ، وبين غير المترسمين ؟ وهل من تناغم مأمول مستقبلا بينهم إذا ما انسجموا، وبين صنّاع القرار عندنا كي تعود حياتنا إلى مسارها وفق المرجعية الإسلامية كما كانت بعد هذا الانحراف الفظيع عنه الحاصل اليوم ؟
Aucun commentaire