عصيد وفتوى العناق الرياضي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحسن جرودي
عصيد وفتوى العناق الرياضي
لا شك أن منظومتنا التربوية لم تفلح عن قصد أو عن غير قصد، وهذا موضوع آخر، في تزويد شريحة عريضة من المغاربة بالحد الأدنى من المعارف الدينية، أو ما يعرف لدى الفقهاء بالمعلوم من الدين بالضرورة، التي تسمح لهم بمراعاة شرع الله في ممارستهم للحياة اليومية في مختلف تجلياتها. من هنا تبرز أهمية الإفتاء بالنسبة لكل الذين يرغبون في تصحيح تعاملهم مع مقتضيات الشريعة الإسلامية، بخصوص بعض العادات، الموروثة منها والمستحدثة على حد سواء، والتي أريد ويراد لها أن تكون جزءا من الدين، وما هي من الدين لا من قريب ولا من بعيد.
من بين الأمور التي تُحدث غبشا لدى فئة الشباب بالخصوص، والتي يتساءلون عن موقف الدين منها، مسألة ممارسة النساء للرياضة عموما، ولكرة القدم خصوصا، وذلك بسبب عدم التمييز بين المبدأ، وبين الشروط والحيثيات التي يتطلبها تجسيده، فمن حيث المبدأ يُقر جمهور كبيرٌ من العلماء والفقهاء، على رأسهم الفقيه المقاصدي أحمد الريسوني بمشروعية ممارسة النساء للرياضة عموما، ليبقى المشكل محصورا في الحيثيات التي يتعين الالتزام بها أثناء تجسيده على أرض الواقع، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: وجود رفقة آمنة أثناء السفر خارج البيت، عدم الانشغال بالرياضة على حساب الواجبات ذات الأولوية المُطْلقة كتربية الأبناء… بالإضافة إلى الالتزام بارتداء اللباس الشرعي وهو موضوع هذا المقال.
وبمناسبة مشاركة الفريق النسوي المغربي في بطولة العالم لكرة القدم النسائية، حدث لَغَطٌ كثير بخصوص احتفاظ إحدى اللاعبات المغربيات بزيها « الإسلامي ». وبغض النظر عن كونه إسلاميا بالفعل، أي أنه يحترم مميزات اللباس الإسلامي، أم لا، فهناك من خارج الدائرة الإسلامية، من اعتبره انتصارا لحق الاختلاف، وعدم التمييز كما كان الشأن بالنسبة لرئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جياني إنفانتينو، الذي كتب في « تغريدة » عبر حسابه على منصة « إنستغرام »، قال فيها: « أصبحت نهيلة بنزينة أول لاعبة ترتدي الحجاب أمس (الأحد) في إحدى مباريات كأس العالم للسيدات، كرة القدم شاملة وأكثر تسامحا وعالمية ومتنوعة »، وأرفق منشوره بوسم « لا تمييز ». في مقابل هذا، هناك من أزبد وأرغد، على غرار فرنسا العلمانية، بحيث أيد مجلس الدولة الفرنسي حضْر الحجاب، في مباريات كرة القدم النسائية.
أكتفي بهذين المثالين، دون الخوض في آراء العامة، لكونها تنطلق على العموم من العاطفة أكثر من انطلاقها من المبدأ الذي يُلزم صاحبه على التقيد به، قبل أن يطالب به غيره، وأمُرُّ إلى قضيةٍ لا تقل أهمية عن شكل اللباس، ألا وهي قضية عناق تلك اللاعبة للمدرب، كما أظهرتها مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، وهو الأمر الذي تضايق منه البعض لكونه يتنافى مع الآداب الإسلامية في كيفية تبادل التحية، أو التعبير عن الفرح، بين الرجل والمرأة الغريبين عن بعضهما البعض، في الوقت الذي وجد فيه محاربو الإسلام مادة خصبة، لوصف المسلمين بكل أوصاف ونعوت التخلف والاضطرابات النفسية، وعلى رأسهم أحمد عصيد، الذي خصص لهذا الحدث فيديو، نصَّب نفسه من خلاله مُفتيا من نوع جديد، بحيث أقر بحِلِّية العناق بين اللاعبة ومدربها. وبما أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فإن الفتوى تنطبق على العناق بين الإناث والذكور عموما، كيفما كانت علاقة القرابة بينهم، وقد كانت هذه الفتوى مقدِّمة لإفراغ كل مكبوتاته القدحية تجاه الإسلام والمسلمين. وسأكتفي ببعض ما تفوه به بهذا الخصوص، وعلى الذين يحِسُّون في أنفسهم القدرة على تحمل كل شتائمه المباشرة وغير المباشرة، الرجوع إلى قناته على يوتيوب: *
- عناق المدرب للاعبة شيء عفوي يقع في جميع بلدان العالم، وليس له أية خلفية غير اعتزاز المدرب بلاعباته عند انتصارهن.
- هذا العناق قٌرئ بشكل مَرَضِي، وهوما يدل على وجود اضطراب نفسي عند هؤلاء.
- يجب أن نقول للمغاربة بوضوح على أن وجود مثل هذا النقاش يدل على وجود نفسية مرتبكة، مضطربة، وليست شخصية سوية، ولا يَطْرَحُ هذا الإشكال إلا أناسٌ لهم مشكل نفسي مع المرأة عموما، ومشكل نفسي مع المشاعر الإيجابية لأنهم لم يتربوا عليها.
- لهؤلاء مشكل مع جسد المرأة، هؤلاء لا يهتمون بالكرة ولا يتابعونها، هم يتابعون أجساد اللاعبات.
- الحب يثير لديهم نوع من الاشمئزاز لأنه من المشاعر الإيجابية، كل المشاعر الإيجابية والإنسانية تنفرهم، لأنهم يحبون العبوس، والقسوة، والاستبداد، وكل أنواع التسلط، ويشككون في كل القيم الإنسانية النبيلة والجميلة، ويخافون منها، لأن تربيتهم تربية منحرفة، ومن ثم يعوِّضون عن ذلك بهذا الكلام الذي يعرضهم للسخرية بالإضافة إلى الشفقة.
- هذا الحرمان الذي يحسون به يؤدِّي إلى الانتقام من المرأة بالخصوص، سواء كانت امرأة أنيقة أو جميلة أو مبدعة أو رياضية، لا يستطيعون تحمل هذا المشهد مما يدفعهم للانتقام.
في رده على سؤال حول ما إذا كانت لديه شروط في محاورة أو مناقشة شخص معين، أجاب الدكتور طلال لحلو، الخبير في مجال الأسواق المالية الإسلامية، أنه يشترط في محاوره الإفصاح عن مرجعيته، وإلا رفض الحوار من أصله، وتبعا لهذا أطلب من عصيد أن يفصح بالجرأة المعهودة فيه، عن المرجعية التي ينطلق منها في إطلاق أحكامه، مع العلم أن كل ما يصدر منه في مختلف تدخلاته رغم كل المغالطات التي تتضمنها، لا يخرج عن كونه ينطلق مما يسمى بالمرجعية الكونية، وقد تكون أية مرجعية أخرى، باستثناء المرجعية الإسلامية، التي يحاول أن يدرج نفسه ضمن معتنقيها، من خلال استعمال نون الجماعة في كلمة « حْنَا »، ومع ذلك سأعتذر للدكتور لحلو وأقول للأستاذ عصيد ما يلي:
كيف علمت أن معانقة المدرب للاعبة كان عفويا وبريئا؟ وأنت تعلم أكثر من غيرك، ما دمت تتحدث في شؤون علم النفس، أن انجذاب الذكر نحو الأنثى بصفة عامة، والرجل نحو المرأة بصفة خاصة مسالة غريزية، لا يمكن مقاومتها إلا باحترام الحدود التي حدها الإسلام تحديدا، وبدونها عليك أن ترجع إلى إحصائيات حالات تحرش مدربين، وأطباء فُرُق، في البلدان التي ترى أنهم يعتبرون المرأة شخصية مستقلة، ولا ينضرون إلى جسدها كما هو الشأن عندنا نحن « المعقدون والمتخلفون »، وإليك بعض الأمثلة من بين العشرات، بل المئات، التي يخبر بها الحاج جوجل:
- ورد بتاريخ 1/12/2016 مقال على موقع الجزيرة تحت عنوان « مدربون يتحرشون جنسيا بأطفال في بريطانيا » يعلن فيه المجلس الوطني لقادة الشرطة في بريطانيا، أن 350 شخصا تقدموا ببلاغات بتهمة تعرضهم للتحرش الجنسيمن قبل مدربين لفرق الناشئين لكرة القدم في البلاد
- بتاريخ 6/10/2021 ورد مقال في صفحة BBC عربية تحت عنوان « كرة القدم النسائية: الاتحاد الاسترالي يحقق في مزاعم تحرش بلاعبات »، حيث قالت اللاعبة السابقة ليزا دي فانا، البالغة من العمر 36 عاما، لإحدى الصحف إنها تعرضت لتحرشات، من زملائها عندما كانت بسن المراهقة.
- وإليك هذا الخبر، كما ورد في موقع الجزيرة بتاريخ 1/10/2021 حرفيا: وفي 24 يناير/كانون الثاني 2018 قضت محكمة أميركية بسجن لاري نصار، الطبيب الأميركي الذي كان يعمل مع فريق الجمباز الأميركي، لمدة تتراوح بين 40 و175 عاما بسبب تحرشه جنسيا بالعديد من اللاعبات وإدانته بتهمة الاعتداء جنسيا على رياضيات ومريضات طوال عقود، وجاء الحكم بعد الاستماع إلى شهادات 160 من ضحاياه.
ودحضا لمزاعم عصيد، الذي يسم المسلمين بخاصية النظر إلى جسد المرأة دون غيرهم من « الشعوب المتحضرة »، أسوق كلام ول ماري تشين، رئيسة الأبحاث في منظمة الشفافية الدولية ، لـ DW: » حيث قالت: ما وجدته صادماً هو أن قطاع الرياضة يوفر جميع الشروط اللازمة لاستمرار قضية الابتزاز الجنسي هذه، حيث تكون فوارق القوة هائلة، فهناك الكثير من الأطفال في مواقف هشة، وعلاقات المدرب والرياضي قريبة جدا وعاطفية وجسدية بسبب طبيعة الرياضة ». وتقول أيضاً: « للعلاقة قدرة على دعم أو كسر حياتك المهنية ».
إذا كان هذا هو الحال بالنسبة للرياضة، التي يُكشَف في غالبها عن مفاتن الفتاة أمام مدربها أو مدلكها أو…، فبماذا نفسر حالات التحرش في العمل، الذي يُفترض أن تكون فيه العلاقة علاقة عمل خالصة؟ سوى تغلب الغريزة التي يريد عصيد نفيها عن الكائن البشري، في غياب الشروط التي يفرضها الدين، ولنا في تحرش الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون بإحدى مساعداته أسوأ مثال، والأمثلة لا تعد ولا تحصى.
أعلم جيدا أن كل ما قلته غير خاف عن عصيد ومجموعته، وأزعُم أن هناك احتمالان أساسيان في عدم الاعتراف بما قيل: الاحتمال الأول، وهو في حكم المؤكد، أنهم دُمى في يد العلمانية الغربية، التي جندتهم لمحاربة كل القيم النبيلة المستمدة من الدين بالأساس، والتي لم يبقى لها أي معنى في الثقافة التي يروِّجون لها، ويعملون جاهدين على فرضها على شعوب العالم. وبهذا الخصوص أسأل عصيد عن القاموس الذي استمد منه مفهومي النبل والجمال في دعوته للمثلية، والزنا، واللواط، وشرعنة الإجهاض…أما الاحتمال الثاني هو أنهم مصابون بأمراض نفسية وقد تكون عضوية، وأستند في هذا إلى النصيحة التي قدمها أحد الشيوخ، لأحد العلمانيين الذي صرح له بأنه لا يحس بأي شيء، عندما يصافح امرأة أو يحتك معها، إذ طلب منه أن يعرض نفسه على طبيب نفساني، وأضيف من عندي أن يعرض نفسه على طبيب للأمراض العضوية، لأن ذلك يتناقض مع مبدا الغريزة الجنسية الذي أودعه الله في الإنسان، والذي من أهم مقاصده الحفاظ على النسل.
في الأخير ومن باب الشفقة عليه، أطلب من الأستاذ عصيد، وهو في خريف عمره، أن يتقي الله في نفسه قبل غيره، وألا تأخذه العزة بالإثم، ويتوب إلى الله توبة نصوحا، قبل أن يأتيه الذي لا يأتي إلا بغتة، عسى أن يغفر له ذنوبه التي عمت آثارها جمهور غفير من الشباب الأغرار، عملا بقوله تعالى في سورة الزمر ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54)﴾
* اضطرت في بعض الحالات إلى عدم النقل الحرفي لكلامه لضرورة الانتقال من الدارجة إلى العربية الفصحى.
الحسن جرودي
Aucun commentaire