Home»International»المقولات العلمانية المتهافتة تحت مجهر نماذج من مفكرين مسلمين معاصرين من ذوي العلم والمعرفة والاختصاص الحلقة الثانية : ( نموذج الدكتور محمد عمارة )

المقولات العلمانية المتهافتة تحت مجهر نماذج من مفكرين مسلمين معاصرين من ذوي العلم والمعرفة والاختصاص الحلقة الثانية : ( نموذج الدكتور محمد عمارة )

0
Shares
PinterestGoogle+

المقولات العلمانية المتهافتة تحت مجهر نماذج من مفكرين مسلمين معاصرين  من ذوي العلم والمعرفة والاختصاص

الحلقة الثانية : ( نموذج الدكتور محمد عمارة )

محمد شركي

لقد كان المسار الفكري للداعية والمفكر المصري الكبير الدكتور محمد عمارة الذي لقي ربه سنة 2020  رحمة الله عليه،  كمسار المرحوم عبد الوهاب المسيري ، وهو مسار يتميز بتحرر العقل المسلم  بعد مروره بشتى التجارب ، والمحطات الفكرية التي يكون فيها تحت تأثير تيارات فكرية وفلسفية مخالفة أو  معادية للدين عموما ، وللدين الإسلامي على وجه الخصوص ، وذلك بسبب ظروف معينة قد يمر بها صاحب هذا العقل  ، لكنه ينتهي به الأمر في نهاية المطاف إلى استعادة خطه الفكري الإسلامي ، ويكون قد أفاد من كل التجارب الفكرية التي مر بها ، وخبرها بشكل جيد ، وعرفها عن قرب ، الشيء الذي يكسبه القدرة على  مناظرة من يستهدفون الإسلام من علمانيين لا دينيين ، ومن غيرهم ممن لهم توجهات أخرى، تجمعهم مع العلمانيين في نهاية المطاف في خندق واحد يتميز أصحابه  بإضمار العداء لدين الله عز وجل أحيانا  عند البعض أو التمويه عليه ، وبإظهاره  في الغالب عند البعض الآخر .

وحياة المرجوم الدكتور عمارة، كانت حافلة بالنشاط  الدعوي والفكري ، وبالتأليف الكثير إلى جانب التحقيقات ، فضلا عن الكم الهائل من المقالات ، والمؤتمرات ، والمحاضرات ، والندوات ، والمناظرات خصوصا وأنه كان منخرطا في العديد من الهيئات والمجالس العلمية العليا  ، ومعاهد للبحث العلمي وعلى رأسها الأزهر.

وما يعنينا من هذا المفكر والداعية المسلم، هو ما عنانا في الحلقة السابقة التي خصصت للدكتور المسيري ، وهو موقفه من العلمانية التي ألف في الرد عليها كتابا ، وتناولها بالحديث في العديد من محاضراته ، كما أنه ناظر بعض ممثليها في الوطن العربي عبر محطات فضائية ، نذكر منهم نوال السعداوي ، ونصر حامد أبو زيد … وغيرهما

وما ميّز فكره رحمة الله عليه  هو دفاعه المستميت عن وحدة الأمة الإسلامية ، ومواجهة كل من يحاول نفيها أو استئصالها  . وكان العلمانيون وهم يحاولون استعداء السلطة عليه، يتهمونه بأنه المنظر للحركة الإسلامية ، وقد رد عليهم بقوله :  » ذلك شرف لا أدعيه ، وهم لا يقصدون منه المديح، وإنما استعداء السلطات ضدي « 

ولقد كان واحدا من دعاة الوسطية والاعتدال ، يقارع الفكر بالفكر، وقد أتاه الله تعالى قوة الحجة والبيان  والبرهان ، وما ناظر أحدا إلا و غلبه بقوة البرهان . ولقد كان أدرى بمقولات الماركسيين اللادينيين  ،لأنه قضى زمنا من عمره ،وهو واحد منهم  إلى أن لطف الله تعالى  به،  ورده ردا جميلا إلى فطرته التي فطره عليها، لا تبديل لخلق  سبحانه وتعالى حتى لقيه وهو على ذلك .

وبدوره يرد على تهافت مقالات العلمانية ، وسنركز باختصار شديد على رده على مقولة خرافية لها حيث يزعم أصحابها أنها تضمن حرية الاعتقاد ، وأنها ليست ضد الدين عموما ، وليست ضد الإسلام خصوصا .

ويبدأ رد الدكتور عمارة على هذا الادعاء بتعريفه للعلمانية  ـ بفتح العين ، لا بكسرها  نسبة إلى العالم ، وليس للعلم كما يعتقد البعض ، ويرى أنه كان من المفروض أن تكون نسبتها للعالم هي ( العالمانية )، وفي هذا ما يدل على سيادة فكرة الهيمنة لدى هذا التوجه الفكري ، وهذا الانتساب يعني أنه لا وجود إلا لهذا العالم المادي ، وهو مكتف بذاته، و ليس بحاجة إلى شريعة السماء التي تنظم أحوال البشر فيه ، والإنسان فيه حر في تصرفاته وفي سلوكاته ، وهو مصدر التشريع ،باعتباره جزءأ ماديا  من هذا العالم المادي، دونما اعتبار لجانبه الروحي . ويقول الدكتور عمارة بأن العلمانية هي الدنيوية فقط أوهي الدهرية كمل يسميها القرآن الكريم  ، لأنها تفصل الدنيا عن الدين أو تقطع صلة الأرض بالسماء ، كما تقطع صلة الإنسان بخالقه ، وتنكر المآل الأخروي .

ويقسم الدكتورعمارة العلمانية إلى شاملة  متسلطة تقطع كليا مع الدين والتدين ، كما كان الحال في الدول الشيوعية ، وعلمانية جزئية  تدعي أنها محايدة إزاء الدين ، وهو مجرد ادعاء كاذب ، وهذا التقسيم اقتبسه من الدكتور المسيري رحمه الله كما صرح بذلك. ويكذب عمارة العلمانية الفرنسية ويصفها بالمتوحشة

ويفضح الدكتور عمارة ادعاء العلمانية الغربية التي أبدلت الدين بالحداثة بأنها تضمن حرية الاعتقاد والتدين، وذلك  بالإحالة على الواقع المعيش ، ويمثل لذلك بالعلمانية التركية التي اقتبسها كمال أتاتورك من الغرب الذي قوض الخلافة الإسلامية في تركيا ، وتوزعت أقطاره  تركتها باحتلالها  واستغلالها ، وفرضت علمانيتها بالقوة  عليها، وأوكلت إلى أتاتورك تنزيلها في بلد مسلم، وقد اقتبس النموذج السويسري، فكان  منه  شر تضييق على ممارسة الشعب التركي تدينه حيث منعت المرأة التركية المسلمة من ارتداء لباسها الشرعي ، ومنع الأذان باللغة العربية ، ومنع تدريس الإسلام في المؤسسات والمعاهد والجامعات ، ونكل بالدعاة ،ومنهم الداعية الكبير بديع الزمان النورسي رحمه الله ، الذي أخرج جثمانه من قبره بعد وفاته  تنكيلا به  … إلى غير ذلك من الممارسات العدائية ضد الإسلام وأهله . وهذا واقع شاهد على ادعاء العلمانية بأنها تسمح بحرية الاعتقاد ، وبحرية ممارسة التدين .

وسرد بعد ذلك واقعا آخر في فرنسا  ذات العلمانية المتوحشة ، وهي بلد أصله مسيحي  كاثوليكي ، تحول إلى بلد علماني  على إثر الخلاف بين الإكليوس وبين من كانوا يسمون أنفسهم بالتنويريين أو الحداثيين ،  فانحصر فيه التدين بشكل غير معهود أو مسبوق . ويذكر الدكتور عمارة أن فرنسا تضيق الخناق كأشد ما يكون التضييق على حرية المسلمين في ممارسة تدينهم ، ويذكر هنا أيضا منعها لباس المرأة المسلمة في المؤسسات التعليمية ، وفي الوظائف ، إلى جانب  منع رفع الأذان للصلوات ، والتشدد  في السماح للأنشطة الدينية والدعوية … إلى غير ذلك من الممارسات التي تكذب ادعاء هذه العلمانية التي يصدق عليها وصف المتوحشة  بأن من يوجد فوق ترابها من المسلمين ، يحظى بكامل حريته في ممارسة تدينه .

ويشير الدكتورعمارة إلى أن العلمانية الغربية، قد دمرت منظومة القيم والأخلاق في   المجتمعات من خلال تدمير نواتها الصلبة التي هي الأسرة ، وذلك باستهداف محورها الأساسي  الذي هو المرأة وقد استبيحت، وشيّئت تحت شعار صيانة حرياتها وعلى رأسها حرية الجسد ، وحرية التصرف فيه ، وحرية ممارسة الجنس خارج إطار رباط الزوج ، وهو ما مهد الطريق لكل أنواع الشذوذ الجنسي مما بات يسمى رضائية  ومثلية ، إلى جانب شيوع ما يسمى بالبدوفيليا  التي هي مصدر خطورة على الطفولة البريئة تستغلها جنسيا . ومع وجود هذه الممارسات الشاذة التي تنظّر لها العلمانية الغربية ، وباقي العلمانيات الدائرة في فلكها ، فقد انتهى دور الأسرة في صيانة المجتمع حيث أعرض أغلب الناس في البلاد العلمانية عن الارتباط بعلاقة الزواج مع وجود البدائل الشاذة التي توفرها لهم بل تفرضها عليهم فرضا من خلال سن قوانين داعمة لها ، ومجرمة لمن يرفضها أو يعاديها أو ينتقدها.

ولقد لاحظ الدكتور عمارة أن هذه الممارسات العلمانية، قد ترتب عنها انخفاض معدلات الولادة بشكل مقلق ، وانخفاض التدين المسيحي حيث صارت نسب من يرتادون الكنائس في فرنسا ، وباقي دول أوروبا  من أجل حضور القداس نسبة ضئيلة بسبب شيوع  فكرة سيادة الحداثة التي تقطع صلة الأرض بالسماء، وقد باتت هي المهيمنة، والمتحكمة في أغلب عقول الغربيين .

ويقول الدكتورعمارة بأنه مقابل انحسار التدين في البلاد العلمانية ، يتزايد فيها إقبال العديد من الغربيين على الدخول في الإسلام خصوصا في  فرنسا، وهي التي تتزعم التيار العلماني في أوروبا ، وفي العالم ، الشيء الذي جعلها تزيد من التشديد على كل ما له صلة بالإسلام ، وترى فيه تهديدا لعلمانيتها ، وعلمانية غيرها من بلاد العالم  .

ويرى الدكتور عمارة قصور العلمانية التي هي إفراز الفلسفات الغربية الوضعية يتمثل في اعتماد العقل وحده دون اعتماد الشرع ، مع التأكيد على أنه لا تناقض بين العقل والشرع بل بهما معا تكتمل نظرة الإنسان الصائبة لحقيقته الوجودية . ويستشهد بنظرة الفيلسوف المسلم أبي حامد الغزالي الذي يرى أن الشرع بمثابة النور للعقل ، ذلك أن هذا الأخير لا يمكن أن يبصر دون نور . ومن قصور العلمانية  أيضا عنده أنها لا تعير أهمية للمباديء الأخلاقية  في حرصها على  تحقيق المصالح .

ويقدم الدكتور عمارة البديل الإسلامي الذي فيه توافق بين العقل والشرع ،حيث يستعين الفرد المسلم في تحقيق مصالحه على الضوابط الشرعية، التي تعلي من قيمة العقل ، ومن استعماله لتحقيق المصالح الشرعية المعتبرة ، وليس تحقيق مصالح لا اعتبار لها بسبب تعطيلها الشرع ، وبسبب غياب كل وازع أخلاقي ، وهو ما ينتفي معه العدل ، والمساواة ، والأمن ، والسلم ، وكفى بالواقع المعيش اليوم دليلا على إفلاس منظومة الأخلاق بسبب التهور العلماني ، وهو دليل على إفلاس العلمانية بسبب الوضع الأمني العالمي الحالي ، ومختلف مشاكله التي لا حصر لها ، وبمستقبله الغامض والمنذر بعواقب الأمور ما لم يتدارك الله عز وجل البشرية بلطفه ، والله لطيف بالعباد.

وأخير نشير إلى أن رد الدكتور عمارة على العلمانية الغربية، فيه ما يغني عن الانشغال بالرد على العلمانيين العرب يخوضون حربا ضد الإسلام  بالواكلة عن العلمانية الغربية ونيابة عنها ، وقد كثر ضجيجهم الإعلامي مؤخرا بسبب ظرف يراد من ورائه ما يراد من تآمر على الأمة المسلمة مما لم يعد خافيا ، وتدل عليه والشعارات المرفوعة بكل وضوح.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *