يجدر بالدعاة إلى دين الله عز وجل لنصرته بذل أضعاف ما يبذله دعاة العلمانية للصد عنه
يجدر بالدعاة إلى دين الله عز وجل لنصرته بذل أضعاف ما يبذله دعاة العلمانية للصد عنه
محمد شركي
من المعلوم أنه كان لدين الله عز وجل عبر تاريخ البشرية الطويل صراع مع مختلف الدعوات الضالة، والتي كانت تروم إخضاع البشر إلى الأهواء عوض استقامتهم لخالقهم وفق ما كان يوحي به إلى أنبيائه ورسله الكرام صلواته وسلامه عليهم أجمعين، لإخراجهم من عبادة الأهواء المجسدة في مختلف المعبودات إلى عبادته جل في علاه .
ومن المعلوم أبضا أنه في كل عصر يأخذ صراع الإسلام مع الأهواء البشرية طابعا خاصا وفق طبيعة تلك الأهواء المسيطرة فيه . والغالب على هذا الصراع في زماننا هذا، هو الصراع مع الدعوات العلمانية التي ينظر أصحابها إلى دين الإسلام على أنه خصمها العنيد ،والذي يجب الصد عنه من أجل أن يستتب لها الأمر في كل أصقاع المعمور دون منافس .
ومما يطبع هذا الصراع، كون الجهة التي تتبني العلمانية غربية المنزع على اعتبار أن العلمانية هي نتاج صراع كان بين رجال الكنيسة المستبدين باسم الدين ، وبين خصومهم المدنيين الذين نبذوا الدين بسبب استبدادهم ، و لذلك ألّهوا الإنسان بدل تأليه الإله . ومن الغرب انتشر الصراع بين الدين مطلق الدين ، وبين التيار العلماني .
وعلى إثر انطلاق حركات الاستعمار الغربي، وهو احتلال بغيض كان هدفه هو سلب ونهب مقدرات وثروات كل ربوع بلاد الإسلام . ولقد نابت العلمانية الغربية الاستعمارية عن الكنيسة في مواصلة فصل من فصول الصراع الإسلامي الكنسي المعروف بالحروب الصليبية، لأن المسلمين الذين اغتصبت أقطارهم، ثاروا ضد المغتصبين الغربيين ، وكانت ثوراتهم مؤطرة بدين الإسلام، الشيء الذي جعل العلمانية الغربية تستهدفه بشتى الطرق، والوسائل، والأساليب التي مارستها خلال احتلالها لربوعه ، وبعد الجلاء عنها .
وإننا لنعيش اليوم مرحلة استهداف العلمانية للإسلام بعد الجلاء عن ربوعه ،بعدما زرعت فيها من يسد مسدها للصد عنه ممن ينوبون عنها في ذلك من المحسوبين عليه وقد استلبوا ، وغُرّبوا، وصار هواهم علمانيا ، وهم بمثابة طوابير خامسة تكفي من يوظفهم من العلمانيين الغربيين عناء التصدي للإسلام ، وقد وجدت فيهم الأداة الطيعة ، والأكثر تأثيرا في سواد المسلمين ممن ليس لهم مناعة ضد الهوى العلماني الذي يتسرب إليهم من شتى الطرق الملتوية وغير المباشرة بحيث تقدم لهم العلمانية على أنها الحل الأمثل لإخراجهم من التخلف خروجا يلحقهم بأقطارها ، وذلك باعتماد حيلة قياس القيم العلمانية على التطور المادي والتكنولوجي ، وادعاء تلازمهما ضرورة ، وهو ما لا يصح عقلا أو منطقا أو واقعا حيث نجد مقابل التطور المادي والتكنولوجي في بلاد الغرب العلمانية انحطاطا فاحشا لقيمها الأخلاقية .
واليوم يحتد الصراع بين الإسلام، وبين العلمانية الغربية كأشد ما يكون الاحتدام داخل الأقطار الإسلامية، حيث تكونت فيها أحزاب ،وهيئات، ومنظمات ،وجمعيات تحت مسميات شتى، ولكنها تلتقي كلها عند محاولة تكريس العلمانية ، وجعلها أمرا واقعا ، وبديلا عن الإسلام . ولقد كثرت أبواق الدعاية للعلمانية في أقطارنا الإسلامية بشكل غير مسبوق، مع تطور وسائل التواصل وانتشارها على أوسع نطاق، خصوصا وأنها استهوت سواد المسلمين ، وهم اليوم تحت وقع الانبهار بها ، وبما تنقله إليهم مما تريد العلمانية وأبواقها من الطوابير الخامسة المبثوثة بينهم تسويقه من مبادئها التي هي على الطرف النقيض من مبادىء الإسلام .
والأسلوب الذي تتبعه اليوم العلمانية الغربية وأذنابها ممن تستأجرهم من مرتزقة محسوبين على أقطار الإسلام هو مهاجمة الإسلام من خلال مهاجمة مرجعيته قرآنا وسنة ، والخوض فيهما خوض تشكيك واتهام في مصداقيتهما التي بنقضها تنتقض مصداقيته . ويتم اليوم التركيز على استهداف السنة النبوية المشرفة بالتكذيب ،والتشكيك من أجل تحييدها قبل البدء في استهداف القرآن الكريم خصوصا وأنها ملازمة له، ولا تنفك عنه بحال من الأحوال ، ولا يمكن استيعاب مضامينه دونها، ولا مندوحة عنها لتفسيره .
ولقد حاول المستشرقون الغربيون من قبل، ولا زالوا كذلك استهداف القرآن والسنة ، ولكنهم لم يحققوا ما كانوا يريدونه ، لهذا وجدوا ضالتهم في فلول المرتزقة من المحسوبين على الإسلام لصلتهم بالمسلمين ، فأوكلوا إليهم المهمة التي عسرت عليهم وعجزوا عن القيام بها ، وصار بذلك الصراع بين الدعاة إلى دين الله عز وجل، وبين أولئك المرتزقة الذين لا تصدهم عن استهداف الإسلام الأنظمة في بلاد الإسلام مع شديد الأسف والحسرة ، وهو ما يثير الشكوك حول انخراط بعضها أو جلها في التآمر على الإسلام بإيعاز من أنظمة علمانية غربية مقابل مصالح تدار بين الطرفين .
ومع كثرة فلول مرتزقة العلمانية الغربية ،نلاحظ قلة الدعاة إلى دين الله عز وجل ، وهو ما يجعل كفة الصراع بين الطرفين غير متكافئة، وغير متوازنة بحيث تصدر عن فلول العلمانية يوميا عشرات المقالات والفيديوهات ، بينما تقل تلك التي تصدر عن الدعاة من مفكرين ، وعلماء ، وخطباء .
ولا يمكن المقارنة بين الجهود التي تبذلها فلول مرتزقة العلمانية في أقطار الإسلام للصد عنه ، مقابل الجهود المقابلة لها عند الدعاة لنصرته والدفاع عنه .
ومن حيل تلك الفلول العلمانية للصد عن الإسلام، اتهام من يدافعون عنه من مفكرين وفلاسفة ،وعلماء ، ,دعاة ، وخطباء … بتهم ملفقة بعد اختراع وتسويق بعض المصطلحات القدحية مثل التعصب، الذي هو نقيض الانفتاح عندهم ، والكراهية التي هي نقيض المحبة و التسامح عندهم … إلى غير ذلك من الثنائيات المتضادة، والتي تحسب القدحية منها على الإسلام ، بينما تحسب المدحية للعلمانية .
ولقد استطاعت العلمانية الغربيةـ ليس فقط في أقطارها وبين أتباعهاـ تسويق كل ما يقدح في الإسلام بل تعدت ذلك إلى أقطاره، وإلى أتباعه الذين سوادهم في غفلة عما تكيده له من كيد خبيث وماكر ، وغير هذا السواد قليلهم ممن يحمل هم الدفاع عن دين الله عز وجل ،ويقف في وجه المد العلماني الزاحف من عدة واجهات وجبهات ،خصوصا وأن منابر الجمعة في معظم الأقطار الإسلامية لا تضطلع بالدور المنوط بها شرعا، وكأنها تخضع لرقابة علمانية تخط لها خطوطا حمراء، لا تسمح لها بتجاوزها ، وكل من تخطاها من الخطباء يضايق ، ويضيّق عليه ، وقد يعاقب بالفصل والطرد، أو حتى المتابعة ، الشيء الذي يعني تعطيل أهم آلية يعتمدها الإسلام للدفاع عن حوزته في مواجهة المد العلماني الزاحف و الذي يفسح له المجال واسعا ، ولا يقيده قيود .
وأمام هذا الوضع، يجدر بالدعاة إلى دين الله عز وجل لنصرته أن يبذلوا أضعاف ما يبذله دعاة العلمانية للصد عنه ، فكم من مفكر، أوعالم، أوداعية، أوخطيب لا يبذل ما يبذله مسوقو العلمانية من جهد، ووقت للصد عن الإسلام ،لفائدة علمانيتهم . وقد نجد من المفكرين، والعلماء، والدعاة، والخطباء من يصرفون كل الجهد والوقت في غيرالتصدي لمؤامرات العلمانية، مقابل فتح جبهات صراع وخلاف محتد فيما بينهم ، وهو أمر يركبه ، ويستغله العلمانيون لتحقيق مكاسب لفائدة علمانيتهم.
فمتى سيفيق مفكرونا، وعلماؤنا ،ودعاتنا ،وخطباؤنا مما هم فيه من غفلة، وسبات، وتراخ، وجبن ،وبخل بالجهد والوقت من أجل نصرة ديننا الذي بلغ استهدافه مبلغا غير مسبوق في زماننا هذا؟
Aucun commentaire