Home»Débats»عمدة مراكش توصي بمجانية الكفن!

عمدة مراكش توصي بمجانية الكفن!

0
Shares
PinterestGoogle+

اسماعيل الحلوتي


غريب هو أمر الكثير من مدبري الشأن العام ببلادنا، الذين طالما حملت لنا اجتهاداتهم قرارات هوجاء ومثيرة للاستفزاز، يصيبنا معظمها بالقرف وعسر الهضم. إذ أنه في الوقت الذي ما انفكت فيه الأصوات تتعالى منددة بغلاء الأسعار الذي استفحل بشكل لافت، والمطالبة بإيجاد حلول عاجلة لحماية القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين من مسلسل ارتفاع أسعار المحروقات وما ترتب عنها من ارتفاع في باقي المواد الأساسية والواسعة الاستهلاك، من خضر وفواكه ولحوم وأسماك ومنتجات الحليب وغيرها، والتصدي للوسطاء والمضاربين، تفاديا لما من شأنه أن يؤدي إلى تهديد السلم الاجتماعي وانهيار الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
فإذا بالقيادية البارزة في حزب « الأصالة والمعاصرة »، عمدة مدينة مراكش ووزيرة التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، فاطمة الزهراء المنصوري، تخرج علينا بمراسلة فريدة من نوعها، موجهة إلى رؤساء مقاطعات مدينة النخيل، تدعوهم من خلالها إلى ضرورة توفير مستلزمات دفن الأموات (الكفن والصندوق عند الضرورة) بالمشرحة الجماعية، ووضعها مجانا رهن إشارة المواطنين الوافدين عليها لتسلم جثث ذويهم، وذلك اعتبارا من تاريخ 30 مارس 2023، الذي سيشرع فيه المكتب الجماعي لحفظ الصحة في تفعيل هذا القرار، الهادف وفق ما جاء في المراسلة الإدارية، إلى التخفيف من أعباء ومصاريف الدفن، وخاصة بالنسبة للفئات الفقيرة والمعوزة. فيا لها من عبقرية فذة!
إن خروج رئيسة المجلس الجماعي للمدينة الحمراء والوزيرة في حكومة « الكفاءات » بهكذا قرار في مثل هذه الظروف الصعبة التي تمر منها بلادنا وارتفاع منسوب التوتر والاحتقان، ليس له من معنى سوى الضحك على الذقون. إذ لو أن مثل هذا القرار اتخذ خلال فترة تفشي جائحة « كوفيد -19 » عندما كان معدل الإماتة مرتفعا، لبدا الأمر مقبولا نوعا ما. اللهم إلا إذا كانت المنصوري تتكهن بأن موجة الغلاء الفاحش ستعجل لا محالة بإنهاء حياة عدد من المستضعفين، الذين لا حول ولا قوة لهم على الصمود أمامه، وخاصة منهم أولئك الذين يعانون من مشاكل صحية بسبب الإصابة بأمراض مزمنة كداء السكري ومرض القلب الشرايين وغيره، ممن هم في حاجة إلى الغذاء والدواء قبل الكفن.
ففي نظرنا المتواضع كان على « المحامية الشاطرة » التي رق قلبها لأسر موتى مدينتها من الفقراء، أن تفكر في الأحياء قبل الأموات، وأن تنكب على تنمية المدينة والنهوض بأوضاعها على عدة مستويات، عوض استفزاز المواطنين بمثل هذا القرار المثير للسخرية، الذي خلف ردود أفعال غاضبة وخاله الكثيرون مجرد « سمكة أبريل ». فشر البلية ما يضحك فعلا، إذ كيف يقبل بمثل هذه « الصدقة » المسمومة أي الكفن عند الموت، ذلك المواطن الذي أنهك كاهله غلاء المعيشة في شهر رمضان وقبله من الشهور الماضية، في الوقت كان ينتظر فيها بشوق كبير تراجع أسعار المواد الغذائية؟
ثم ألم يكن من الأجدر لها أن تكرس جهودها مثلا في اتجاه تنمية المدينة، والسهر على احترام الضوابط المتعلقة أساسا بسلامة ونظافة المحلات التجارية المفتوحة لعموم المواطنين، وخاصة منها المطاعم والمقاهي وتحديد أوقاتها ومراقبة أسعارها، واتخاذ التدابير الكفيلة بضمان سلامة المرور في الطرق والشوارع وتنظيفها وإنارتها، وترميم البنيات الآيلة للسقوط تفاديا لما قد تتسبب فيه من أخطار على الساكنة. دون إغفال المساهمة في مراقبة جودة المواد الغذائية والمشروبات والتوابل المعروضة للبيع والاستهلاك، نظافة مجاري المياه والماء الصالح للشرب وضمان حماية ومراقبة نقط الماء المخصصة للاستهلاك، وتطهير قنوات الصرف الصحي وزجر رمي النفايات بالوسط السكني وغيره كثير…؟
والأهم من ذلك تطهير المدينة مما بات يسيء إلى صورتها من تنامي ظاهرة الأطفال المشردين، والعمل مع السلطات المختصة على إرساء قواعد مجتمعية حقيقية، من خلال إنشاء دور الرعاية ومؤسسات التأهيل وإعادة الإدماج، ومحاربة الهدر المدرسي ووضع الأطفال المدمنين على المخدرات في مصحات العلاج، ولاسيما أنه سبق لملك البلاد محمد السادس أن وجه في 24 نونبر 2018 بمراكش رسالة إلى المشاركين في أشغال الدورة الثامنة لقمة منظمة المدن والحكومات المحلية المتحدة الإفريقية « أفريسيتي » بمناسبة إطلاق حملة « مدن إفريقية بلا أطفال شوارع »، حيث قال فيها: « ومثل باقي دول إفريقيا والعالم التي تواجه التحدي المرتبط بمشكلة الأطفال بدون مأوى، فإن المغرب لا يحيد للأسف عن هذه الظاهرة. ولا يمكن لأحد إنكار وجود هذا التحدي، إلا عديم البصيرة، ولا يستهين به إلا فاقد الضمير » وأضاف قائلا: « فالقبول بتشرد الأطفال في شوارعنا، بدافع الإنكار أو الاستسلام أو اللامبالاة، هو في حد ذاته قبول بالتعايش اليومي مع شكل من أشكال الإهانة لآدميتنا. وهو موقف غير مقبول على الإطلاق!
إن ما يحز في أنفسنا ويغيظنا أكثر، هو أننا وكلما توسمنا خيرا في بعض الطاقات الشابة والوجوه الجديدة، يحدونا الأمل الكبير في الإتيان بالإضافة المرجوة، والعمل على تطوير آليات الاشتغال والارتقاء بمستوى المسؤوليات المنوطة بهم، بيد أنه لا نلبث أن نصاب بالإحباط وخيبة الأمل، ونكتشف من جديد كم نحن مغفلون وأنه ليس في القنافذ أملس. فما لا ينبغي أن يغيب عن ذهن عمدة مراكش وأمثالها من المسؤولين، هو أن كرامة المواطن المغربي ليس لها أي ثمن حيا كان أم ميتا…

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *