عدم الحسم في عقوبة الإعدام في المغرب إلى متى؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحسن جرودي
إلى متى عدم الحسم في عقوبة الإعدام في المغرب؟
وأنا أتصفح إحدى الجرائد الإلكترونية عَثرتُ على مقال بتاريخ 26 يناير 2023 تحت عنوان « مبادرة تشريعية برلمانية تروم إلغاء عقوبة الإعدام من القانون الجنائي الجديد » يشير فيه صاحبه إلى تحرك الفريق النيابي لحزب التقدم والاشتراكية بمجلس النواب من أجل مقترح قانون، ينادي بضرورة « إلغاء العقوبة »، حيث « استقبل يوم 25 يناير 2023 بمجلس النواب سفير دولة أستراليا، وشبكة البرلمانيات والبرلمانيين لإلغاء عقوبة الإعدام، بحضور نزهة الصقلي، منسقة الشبكة، ونائبات حاليات وسابقات من أحزاب سياسية مختلفة » مما أثار فضولي للبحث عن تعامل دول العالم مع الجرائم التي توجب الإعدام، فعثرت على وثيقة لمنظمة العفو الدولية تتضمن جردا للدول التي ألغت عقوبة الإعدام، والتي ما زالت تطبقها اعتبا را من يوليوز 2018، ليتبين أن 106 دولة ألغت العقوبة بالنسبة لجميع الجرائم، و8 دول بالنسبة للجرائم العادية*، فيما لا زالت 28 دولة من بينها المغرب تحتفظ بالعقوبة في قانونها، لكنها لا تطبقها في الواقع، أما عدد البلدان التي ما زالت تطبق العقوبة فهو 56 دولة.
وما يلاحظ في هذه الإحصائيات أن المغرب ومجموعته اختاروا حلا وسطا، حتى لا أقول منزلة بين المنزلتين تفاديا لحمولتها المعتزلية، مع العلم أن جل هذه الدول تنتمي إلى أفريقيا وأنها دول نامية باستثناء روسيا الاتحادية، بينما الدول 56 التي لا زالت تطبق العقوبة معظمها دول إسلامية، وبجانبها الولايات المتحدة والهند.
والسؤال الذي يُطرح في شأن هذه المجموعة، هو لماذا لم تستطع الدول المكونة لها من حسم موقفها، إما لصالح عقوبة الإعدام أو ضدها؟ وعلى الرغم من عدم توفري على معطيات تتعلق بخصوصيات هذه الدول، فيبدو أن هناك ضغوط في اتجاه الإبقاء على عقوبة الإعدام وأخرى للتخلي عنها. ومن المُرجَّح أن تكون الضغوط الخارجية والجمعيات التي تدور في فلكها لصالح إلغاء عقوبة الإعدام فيما تكون الضغوط الداخلية التي تتأسس إما على الدين أو على الثقافة المحلية لصالح العقوبة. من هنا يبدو أن اختيار المغرب يندرج ضمن البحث عن حل وسط يُرضي الطرفين، فبالنظر إلى كون الدين الإسلامي دين الدولة، فإن عقوبة الإعدام تبقى واردة ولا يمكن إلغاؤها، علما أن للشريعة الإسلامية نظرتها الخاصة في التعامل معها من حيث المعنيين بها ومن حيث الشروط التي يتعين توفرها فيهم، والتي يُرجَع فيها للتشريع الجنائي الإسلامي، غير أن تنصيص الدستور على الالتزام بالاتفاقيات الدولية يَدفع به نحو التخلي عن هذه العقوبة، وهو ما يُستنتج معه أن دول هذه المجموعة لا تتمتع بما يكفي من القوة والاستقلالية لتحسم الأمر لصالح أحد الخيارين، ولعل هذا من بين العوامل التي أدت ببعض الأحزاب والمنظمات والجمعيات لتتجرأ وتضغط على النظام للتخلي عن عقوبة الإعدام، ويأتي فريق التقدم والاشتراكية والجمعيات الدائرة في فَلَكِه في مقدمة الذين يُنادون ليس فقط بإلغاء عقوبة الإعدام ولكن بتعطيل مجموعة من الأحكام الشرعية، خاصة وأن مُنسقة « شبكة البرلمانيات والبرلمانيين لإلغاء عقوبة الإعدام » التي سبق لها أن شَغلت منصب وزيرة التنمية الاجتماعية في حكومة سابقة وممثلة سابقة لهذا الحزب في مجلس النواب، لم تدخر جهدا في محاربة الإسلام علانية، فهي التي تدافع عن عدم تجريم الإفطار العلني والعلاقات الرضائية، والوقوف ضد التعدد وتزويج « القاصرات » حتى وإن كن في سن 17.5 عاما، كما طالبت في السابق وزير الأوقاف بحث الخطباء على الترخيص لعدم تَقَيُّد الفتيات بالزي الإسلامي، ووقفت ضد الجهر بالآذان… وكل هذا بإيعاز من منظمات خارجية محسوبة على حقوق الإنسان، وما حضورها في المؤتمر الذي نظمته منظمة « جميعا ضد عقوبة الإعدام » بالعاصمة الألمانية برلين في الفترة ما بين 15 و18 نونبر 2022، وكذا اللقاء مع ووزير خارجية استراليا المشار إليه أعلاه، إلا دليلا قاطعا على أن هذا الحزب والدائرين في فلكه لا يتحرجون من الاستعانة بالأعداء لهدم كل ما له علاقة بالدين الإسلامي، وهذا في غياب الجهات الرسمية التي عِوَضَ التصدي لمثل هذه الممارسات، فإنها تُعطي إشارات تدل على أنها تشتغل على توافق في الطور (en phase) مع هذه الجمعيات، ولنا في كل من وزير الثقافة ووزير العدل خير مثال في تعاملهما مع فضيحة مغني الراب الذي لم نعد بالمناسبة نسمع شيئا عن محاكمته التي يُفترض أن تكون قد تمت، ويضاف إلى الوزيرين وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الذي يُفترض أن يكون هو المُؤتمَن الرئيسي على كل ما له علاقة بالعقيدة الإسلامية وشريعتها، في الوقت الذي جَعل فيه من مقارنة ممارسات السحر والشعوذة بين المغرب كدولة إسلامية وبين بلدان أخرى لا علاقة لها بالإسلام بل ومُحارِبةً له، عذرا للتملص من المسؤولية الملقاة على عاتقه.
في الختام أقول، إذا كان جلالة قد أكد في سياق محدد بأن « ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم » فإن تعزيز هذه النظارة بنظارة الشريعة الإسلامية لا يمكن إلا أن تجعل الرؤيا أوضح وأدق على أن يتم سحب البساط من تحت كل من تُشْتَمُّ فيه رائحة العمالة لأطراف خارجية كيفما طبيعتها في مقابل تحميل العلماء مسؤولية إصدار الأحكام الشرعية وتكييفها وفق ما تقتضيه كل حالة على حذا، وما ذلك على علمائنا بمستحيل.
* للإشارة فكل ما لا يعد جريمة سياسية يعد جريمة عادية ومنها الجرائم الواقعة على الأموال كجرائم السرقة والاختلاس والنصب والاحتيال والجرائم الواقعة على الأشخاص كجرائم القتل والاغتصاب والإيذاء والجرائم الواقعة على المصلحة العامة.
الحسن جرودي
Aucun commentaire