تحت الدف ( 12 ) الرجل الذي نزع أنفه من أساسه
حدثنا أبو الغرائب عن أبي العجائب أن مواطنا من ذوي الأنفة كان يشعر دائما أن له أنفا لا يشبه أنوف الناس ، وكان لا يدري لماذا كان يجد دائما أنفه محشورا في قضايا الناس وعوراتهم . وحدث يوما أن تلمس أنفه بأصابعة لمدة طويلة إلى أن قرر قطعه إن هو تدخل في ما لا يعنيه .. وبينما هز على ذلك الحال خطرت بباله فكرة ربما سيلهيه تنفيذها عن تتبع عورات وشئون الناس ، وهكذا قرر أن يبدأ بأداء كل واجباته الوطنية كما يؤدي واجباته الدينية بكل إيمان وطاعة ، وأقنعه أحد الفضوليين ذوي الأنوف المنتصبة حيث قدم له الحجج والدلائل على تقدم الفرنسيين والألمان الذين – حسب حماس فضولي محنك – يقتنعون في قرارة أنفسهم أنهم لا يحققون وطنيتهم إلا من خلال أداء ما عليهم من ضرائب . وهذا – دائما حسب الفضولي المحنك – شكل من أشكال التقدم الذي يشارك فيه جميع المواطنين مقدمين فيه المصلحة العامة على المصلحة الخاصة .
وهكذا اقتنع صاحبنا وأراد أن يبرهن للجميع أنه سيؤدي كل ضرائبه حتى يشعر في قرار نفسه أنه مواطن ، مواطن صالح وغيور على وطنيته، مواطن يستحق أن يرفع أنفه عاليا بكل فخر واعتزاز ن بل أراد أن يكون أكثر وطنية من الفرنسيس والألمان حتى وإن لم يتوفر على عينين خضراوين مثلهم ولا على شعر أشقر ، سيكون أكثر وطنية منهم حتى ولو أنه ينعت دائما بأكحل الرأس . بدأ صاحبنا في تصنيف جميع الأوراق التي أرسلت إليه من » المخزن » على مدى خمس وعشرين سنة والتي ظل يحتفظ بها طيلة هذه المدة تحسبا لأي خطأ قد يحدث في حواسيب إحدى المصالح خاصة وأنه أخذ العبرة يوم أدى واجب الكهرباء مرتين لأنه لم يحتفظ بالفاتورة الأولى . تصفح جميع الفاتورات وصنفها حسب المصدر والتاريخ ، وبدأ في عمليات حسابية جد معقدة ، واستنتج في الأخير أنه قد أدى – طيلة الخمس وعشرين سنة – ما يفوق ثمن سد تلي من الماء رغم أنه لا يملك مسبحا بمنزله ولا حديقة ولا حماما كالآخرين . وانتقل إلى فاتورات الكهرباء ليلاحظ أنه أدى ما يعادل قيمة محطة شمسية رغم أنه لا يملك مكيفا ولا غسالة كهربائية ولا حتى مقلاة كهربائية . رتب فاتوراته بعناية فائقة ، واسترعى انتباهه أنه قد أدى كل فواتير ضريبة الأزبال رغم أنه يدرك أن أزبال منزله لا تتعدى قشور يعض الخضر التي غالبا ما كانت تودع فوق سطح جاره الذي كان يقوم بتربية الأرانب . ورغم ذلك أدى ضريبة الأزبال التي تفوق قيمتها قيمة ما كان يأكله وأسرته .. ولكن – رغم كل هذا – شعر بالاعتزاز لأنه رغم قلة دخله فقد ساهم في تقدم بلده من خلال أداء ما عليه من ضرائب حسب نظرية صديقه الفضولي .
ولما راجع كل الفاتورات التي أداها » للمخزن » لاحظ أن » المخزن » لا زال متساهلا في استخلاص الضرائب ، مادام لم يشرع بعد ضريبة عن الهواء وعن الكلام وعن كل مولود لأنه كلما كثرت المواليد إلا وكثر معها الاستهلاك الزائد للماء والكهرباء والهواء ، بالإضافة إلى كثرة النفايات والأزبال التي ستسبب اختناقا كبيرا لمجاري الوادي الحار ، وهذا سيكلف عبئا ثقيلا على الدولة التي تواجه إكراهات على المستوى الداخلي من خلال القدرة الاستيعابية لأزبال ونفايات المغاربة ، وإكراهات دولية من خلال عدم إقبال السياح الكرام على منتوجنا السياحي خاصة وأن كل السياح يستعملون » بابيي جينيك » و » القبعات الواقية » في الوقت الذي لا تستوعب فيه مجارينا هذا الكم الهائل من الورق والبلاستيك الخفيف . فكر صاحبنا في أن يعرض هذا المشروع الضريبي على بعض الفضوليين السياسيين المتقدمين للانتخابات المقبلة ليجعلوه ضمن برامجهم الانتخابية ، وإذا لم يرحبوا بالفكرة ، سيتقدم هو للانتخابات ليعرض فكرته بنفسه . بدأ يستحضر مبادئ وبرامج ورموز وفضول كل الأحزاب ليختار واحدا ينضم إليه – عن قناعة وليس عن فضول – إلا أنه استيقظ مذعورا من نومه على صراخ ابنه الصغير الذي كان في حاجة إلى » جغمة » حليب .. لملم جسده المنخور وخرج للتو للبحث عن » جغمة » الحليب وتقاذفته الدروب والطرقات ، وأدرك أنه ضيع عمره في حشر أنفه في شئون الناس دون طائل وحينها نزع أنفه من أساسه وألقى به في إحدى قمامات المدينة ثم أرغمه فضوله الزائد إلى التوجه نحو قباضة المدينة لأداء ما عليه من ضرائب . وفي رواية أحد الفضوليين يقول إنه توجه نحو مكان مجهول حيث ستقبض روحه …
يتبع مع فضول آخر …………….
محمد حامدي
Aucun commentaire