النظام الجزائري وإسرائيل: علاقات ولقاءات وجلسات ومصافحات وتعاون تجاري
عبدالقادر كتــرة
من يسمع تصريحات النظام العسكري الجزائري وخطابات الزعماء السياسيين والحزبيين الجزائريين ومواقف رؤسائهم، يخيل إليه أن علاقة الجزائر بإسرائيل خط أحمر ومع فلسطين « ظالمة أو مظلومة » وغيرها من التفاهات التي تظهر في المقالات الصحفية بإمضاء أسماء مأجورة تروّج لرفض الجزائر لصفقات عسكرية مع أمريكا وأوروبا بسبب وجود إسرائيل في الموضوع، للمزايدة فقط، بل تدين الدول العربية التي يلتقي مسؤولوها بمسؤولين إسرائيليين بسبب أو بغيره.
وتذهب تحاليل « الخبراء الجزائريين » بالقول أن إسرائيل متوجسة من « الجزائر القارة » و »القوة العسكرية العظمى » و »القوة الضاربة » و »أسلحة الدمار الشامل » للجزائر التي تتوفر على آلاف الجنود والعتاد الحربي العصري والحديث وترسانة بحرية من الفرقاطات وأسطول من الطائرات النفاثة والمرعبة فائقة الصوت غير مرئية لا بالعين المجردة ولا بالرادارات، وغيرها من الأخبار الغبية التي يحاولون ترويجها في زمن الإنترنت والصوت والصورة
…
ما يتجاهله النظام العسكري الجزائري أن سياسة الانفتاح الإعلامي التي تفرضها قوانين الدول الغربية على المؤسسات الكبرى، تسمح لمنظمة حلف الأطلسي (النيتو) بنشر صور الاجتماعات التي تضم ممثلي الدول التي تربطها بها شراكة وتعاون، ومن بين هذه الدول نجد الجزائر وإسرائيل التي تحضر وفودها جنباً إلى جنب في إطار التعاون الأورومتوسطي وغيره من العناوين التي يحضر بموجبها ممثلو الوفود العسكرية من أعلى هرم السلطات العسكرية في البلدين.
وسبق لكثير من المسؤولين الجزائريين ، سياسيين وعسكريين، أن التقوا في اجتماع ومتلقيات شاركت فيها إسرائيل مع مسؤولين سياسيين وضباط عسكريين، وفي مقدمتها الاجتماعات التي تمت تحت وصاية الحلف الأطلسي للحوار المتوسطي، وكذا التعاون الأورو متوسطي، فضلا عن مشاركة وزير الخارجية الأسبق، أحمد عطاف، في مؤتمر دولي بشرم الشيخ عام 1996 جنبا إلى جنب مع وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، حول مكافحة الإرهاب، في أعقاب عمليات استشهادية قامت بها حماس في تل أبيب زلزلت إسرائيل.
وكان آخر محفل شارك فيه ممثلون عن البلدين، هو المظاهرة المنددة بالإرهاب، التي دعا إليها الرئيس الفرنسي السابق، فرانسوا هولاند، في يناير 2015، بباريس، ردا على الاعتداء الذي استهدف المجلة الساخرة « شارلي إيبدو » بعد نشرها صورا مسيئة إلى الرسول الكريم، محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بحيث مثل الجزائر وزير الشؤون الخارجية، « رمطان لعمامرة »، فيما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في الصف الأول من المشاركين في المسيرة.
ولا شك أن أبرز مشهد سجله التاريخ، هي المصافحة الشهيرة بين الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة الجزائري ورئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود باراك، في جنازة العاهل المغربي الراحل، الحسن الثاني، في 25 يوليوز 1999، وهي الحادثة التي خلفت جدلا سياسيا ونقاشا إعلاميا طويلين، لكونها تعتبر المصافحة الأولى في تاريخ الجزائر ودولة إسرائيل، حسب الإعلام الجزائري الموالي للنظام
مباشرة غداة هذا الحدث، أعلن مسؤول إسرائيلي كبير أن رئيس الوزراء الاسرائيلي الجديد « ايهود باراك » اجتمع مع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في لقاء لا سابقة له على هامش مراسم تشييع العاهل المغربي الملك الحسن الثاني في الرباط .
وقال « داني ياتوم » المستشار الامني لرئيس الوزراء الاسرائيلي للتلفزيون الرسمي: « إن باراك وبوتفليقة عقدا لقاء عابرا ووديا اثناء انتظارهما بدء مراسم التشييع ». وأضاف « ياتوم » « أن هذا اللقاء هو ثمرة مبادرة مشتركة لبلدينا، معتبرا أنها تعكس تغييرا إيجابيا لموقف الجزائر إزاء إسرائيل ». وأشار أيضا إلى أن باراك التقى ايضا العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني. وهو اللقاء العلني الأول بين مسؤول اسرائيلي ورئيس جزائري.
وحسب رواية مستقلة فإنه في يوم الأحد 25 يوليوز 1999، وبينما كان باراك ينتظر في باحة القصر الملكي في الرباط ترتيبات جنازة العاهل المغربي الحسن الثاني، مرّ من أمامه العاهل السعودي الراحل فهد بن عبد العزيز، فتجاهل باراك الذي كان مستعدا لمصافحته، ثم مر الراحل علي عبد الله صالح الرئيس اليمني السابق، فتجاهله هو الآخر، وعندما ظهر الرئيس الجزائري من بعيد، طلب باراك من اثنين من مساعديه وهما « رافي ادري » و »روبير اسرف »، وكلاهما من أصول مغربية، أن يتوجها نحو بوتفليقة الذي جاء إلى حيث يقف باراك، بدون تردد، وصافحه بحرارة قائلا « لم تكن لنا أبدا مشكلة مع إسرائيل ». وأضاف « في اليوم الذي سيحل فيه الصراع مع الفلسطينيين سنكون سعداء بإقامة العلاقات الدبلوماسية معكم ».
وبدت المصافحة التي تمت بـ « الصدفة » وكأنها الخطوة التي كشفت ما خفي من علاقات بين الجزائر وإسرائيل أو جبل الجليد حسب وصف صحف إسرائيلية وفرنسية، ووُصفت خطوة بوتفليقة من طرف صحافة بلاده بالشجاعة وبأنه حقق اختراقا لم تجرؤ عليه السياسة الخارجية الجزائرية سابقا.
هذه المصافحة فتحت المجال لزيارة وفود من البلدين لمدن رئيسية فيهما، أشهرها وفد صحافي جزائري زار إسرائيل بعد نحو عام من تلك المصافحة، بدعوة من الجمعية الإسرائيلية لتطوير العلاقات بين دول البحر الأبيض المتوسط وبرعاية وزارة الخارجية الإسرائيلية. وعندما عاد الوفد الصحافي إلى بلاده استقبل من مجموعتين من الجزائريين الأولى صفقت لهم والثانية كانت تندد بالزيارة
.
مصادر إسرائيلية كشفت عن علاقات بدأت مع الجزائر على الأقل منذ أواسط ثمانينات القرن الماضي، وأن لقاءات عديدة جرت بين « عوفوديا سوفير » سفير إسرائيل الأسبق في فرنسا ومسؤولين جزائريين، وأنه توجد علاقات تجارية بين البلدين منذ عام 1994، حيث وصل الجزائر وفد اقتصادي إسرائيلي وقع اتفاقات معها.
وأشارت تلك المصادر حينها أن « البرت بن »، المسؤول عن التعاون الإقليمي في وزارة العلوم الإسرائيلية هو عراب العلاقات مع الجزائر بخصوص التكنولوجيا المتطورة والزراعة الصحراوية، والتي تعتبر إسرائيل نفسها متقدمة فيهما. واشترت الجزائر أجهزة لكشف الحمل من إسرائيل، بسعر 1134 للوحدة، وأرسلت الشحنة للجزائر على أنها فرنسية في أحد الأبناك.
وخلال سنوات الانتفاضة الفلسطينية، لم يحدث تحرك علني على صعيد العلاقات بين الجزائر وإسرائيل، حتى بدأت يوم الأحد 22 أيار (مايو) 2005، زيارة لأكثر من 250 يهودي إسرائيلي لمدينة تلمسان التي احتضنت أكبر من مجموعة من اليهود الذين طردوا من إسبانيا عام 1492م.
وحسب ما توفر من معلومات فان الزيارة التي استمرت عدة أيام تلتها زيارات أخرى لمجموعات يهودية إسرائيلية. والمفارقة ان زيارة المجموعات اليهودية إلى تلمسان رافقها الإعلان على أن مجموعة من اليهود المقيمين في فرنسا وإسرائيل والولايات المتحدة طالبت السلطات الجزائرية قبل بضعة أيام بدفع 50 مليون دولار تعويضًا عن ممتلكاتهم التي تركوها في الجزائر بعد خروجهم منها عام 1962.
ورغم كل ما سبق ذكره وهو النزر القليل والقليل جدا مما هو ظاهر، لا زال النظام العسكري الجزائر يردد كل ما استفحلت الأزمة وتحرك الشارع وزمجر الشعب، خرج بتصريحات « الأيادي الخارجية التي تريد زعزعة استقرار الجزائر » وردد أسطوانته المشروخة : « إسرائيل ودولة عربية وأوروبية تدعم عناصر معروفة تسعى إلى تهديم الجزائر »، وهو ما ألفه الجزائريون وشبّ عليها الصغير وهرم عليها الكبير مقولة مألوفة مستهلكة عند جميع الأنظمة العسكرية وهي العدو الخارجي يتربص بنا.
Aucun commentaire