موقع مهرجان الخمور في المرجعية المغربية؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحسن جرودي
موقع مهرجان الخمور في المرجعية المغربية؟
لا حديث هذه الأيام في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي إلا عن مهرجان الخمور المزمع تنظيمه ببوسكورة بالدار البيضاء. فمن هذه الوسائل من تستنكره انطلاقا من فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنها من تستغله لتعميم الشماتة والاستهزاء بقيم المغاربة على المستويين الرسمي والشعبي لكون ذلك لا ينسجم مع القيم السمحة للدين الإسلامي التي تُفترض في المنتسبين للإسلام.
وإذا اعتبرنا أن الترخيص لهذا المهرجان قد وقع بالفعل، فلا يمكن أن نكون إلا في صف الذين يستنكرونه وذلك من باب النهي عن المنكر، لعل التراجع عليه يقطع الطريق على الأقل على الشامتين فينا ويحرمهم من هذه الفرصة الذهبية لخلق مزيد من الفرقة واتساع الهوة بين أفراد المجتمع فيما بينهم من جهة وبين المجتمع والنظام من جهة ثانية.
في مقال سابق تكلمت عن العلاقة بين المرجعية والممارسة بالنسبة للأفراد، وهو الأمر الذي أعتقد بصحة انطباقه على الأنظمة، بحيث كلما كانت مرجعية النظام واضحة ومتجانسة إلا وكانت ممارستها على أرض الواقع بنفس الوضوح والتجانس والعكس صحيح.
وبما أن الدستور هو المرجع الأسمى للنظام الذي تكمن مهمته الأساسية في تجسيده على أرض الواقع، فلنقم بجرد بعض مكوناته الأساسية على سبيل المثال لا الحصر، لنقوم بعد ذلك بالنظر في مدى تجانسها أو عدم تجانسها، مما يسمح بالتنبؤ بصحة تنظيم هذا المهرجان من عدمه وأخذ صورة عن الاحتمالات الممكنة مستقبلا.
ورد في التصدير ما يلي:
- المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة،
- إن المملكة المغربية، العضو العامل النشيط في المنظمات الدولية، تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها من مبادئ وحقوق وواجبات، وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا.
- حماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما، والإسهام في تطويرهما؛ مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق، وعدم قابليتها للتجزيء؛
- جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية.
وورد في الفصل 5 ما يلي: تظل العربية اللغة الرسمية للدولة. وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها.
بالنظر السريع لهذه البنود ودون عناء كبير، يتبين أن عدم التجانس هو السمة المميزة لها، بحيث كيف يمكن الجمع بشكل متجانس بين كون المغرب « دولة إسلامية ذات سيادة كاملة » وبين « تتعهد المملكة المغربية بالتزام ما تقتضيه مواثيق المنظمات الدولية من مبادئ وحقوق وواجبات » علما أن عددا مهما من هذه المبادئ تتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية. ويبدو عدم الانسجام جليا عندما يتم التنصيص على « جعل الاتفاقيات الدولية تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية ».
أعتقد أن عدم التجانس هذا كاف للبرهنة على أن الممارسات التي تنبثق عن هكذا مرجعية لا يمكن إلا أن تتميز بعدم التجانس، ومن ثم فإن نسبة احتمال صحة هذا الخبر كبيرة جدا حتى وإن لم أطلع على تصريح رسمي في شأنه، وما يؤكد هذا هو مجموعة من الممارسات السابقة التي لا يمكن تفسيرها إلا في إطار النتائج المتمخضة عن عدم تجانس مكونات المرجعية، وسأكتفي بمثالين اثنين بسبب تعبيرهما الواضح عن المقصود.
الأول يتعلق بمصادقة البرلمان على تعميم اعتماد اللغة الفرنسية في التعليم مع العلم أنها تسيطر على جل المجالات الحيوية، في الوقت الذي ينص فيه الدستور على كون اللغة العربية اللغة الرسمية للدولة، والثاني يتعلق بإضفاء الشرعية على الحشيش الذي كان ممنوعا قانونا ومحرما شرعا، وذلك بمبرر استخدامه للأغراض الطبية، وكذلك التجميلية والصناعية.
والغريب في الأمر هو أن يدخل « نواب الأمة » في تجسيد مقتضيات عدم التجانس هذا باللجوء إلى ممارسات أقل ما يقال عنها أنها غير أخلاقية سواء تعلق الأمر بالمصادقة على إدراج اللغة الفرنسية في التعليم أو بإضفاء الشرعية على الحشيش.
قد يطول الكلام في جرد الممارسات المعبرة عن عدم انسجام مكونات المرجعية الدستورية في الواقع المغربي الرسمي وغير الرسمي، إلا أن الاكتفاء بما تمت الإشارة إليه يُعتبر مؤشرا قويا على أن المستقبل يُنذر بممارسات أكثر عمقا في عدم الانسجام مما هو ملاحظ الآن، أقلُّها الاستجابة لدعوات الإباحية من مثلية وحرية التصرف في الجسد، وعدم تجريم الإجهاض والتدخل في مدونة الأحوال الشخصية حتى تتماشى مع القوانين والمواثيق الدولية في خرق صريح لمستلزمات الشريعة الإسلامية…
في الختام أزعم أن تقدمنا رهين بمراجعة مرجعيتنا حتى يتحقق في عناصرها أكبر قدر من التجانس والانسجام مما يفرض على الجميع، نظاما ومجتمعا، الانضباط لهذه العناصر حتى يتحقق الانسجام وعدم الانفصام في شخصيتنا الفردية والجماعية على السواء وحتى نخرج من دائرة الذين قال فيهم الله سبحانه وتعالى » مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا » (النساء 143)
الحسن جرودي
Aucun commentaire