مقاربة النص الشعري في مستويات السلك الثانوي التأهيل ( مستوى الجدع المشترك العلمي نموذجا ) إعداد : محمد شركي مفتش مادة اللغة العربية سابقا
مقاربة النص الشعري في مستويات السلك الثانوي التأهيل
( مستوى الجدع المشترك العلمي نموذجا )
إعداد : محمد شركي مفتش مادة اللغة العربية سابقا
قصيدة : (إلى المغرد السجين) للشاعر فدوى طوقان
هدية إلى الصديق الشاعر كمال ناصر في محنته
شدوك يأتينا حبيب الصدى
محلّقا رغم انغلاق الرحاب
يا طائري السجين فاصدح لنا
من خلف جدران الدّجى والعذاب
غنّ ، فقضبان الحديد التي
تسدّ في وجهك رحب الفضاء
لن تحجب الغناء عن سمعنا
يا طائري
غنّ ، فدرب الرجاء
ما زال يمتدّ مشعّ الضياء
رغم انطباق الليل من حولنا
أرجعني شدوك يا طائري
إلى زمان قد طواه الزمان
إذ أنت طلق الخطو ، طلق الجناح
أيّام كانت ظلة الياسمين
تحضننا ، وأنت تشدو لنا
شعر المنى والزهو والعنفوان
فتقرب النجوم من أرضنا
تصغي إلى اللحن ونصغي
ملء أغانيك اخضرار المروج
ونضرة السفح وبوح الأريج
وملئها كان هدير الرياح
وكان فيها شموخ الجبال
في وطني
وعزة لا تنال
إلا مع النصر وفوز الكفاح
يا طائري السجين اصدح لنا
رغم هوان القيد رغم الظلام
فالأفق ما زال غنيّ المنى
ينتظر الشمس وراء القتام
المجد للنور ، فلا تبتئس
والنصر للحرية الرائعة
ديوان فدوى طوقان دار العودة بيروت1988 ص321
المادة : اللغة العربية
الكتاب المقرر منار اللغة العربية
مجزوءة : قضايا معاصرة ( الشعر والحرية )
المكون القرائي : (نص شعري) :
( قصيدة إلى المغرد السجين ) للشاعرة فدوى طوقان
أولا :مرحلة الإعداد القبلي :
تعطى للمتعلمين أسئلة قبلية تنجز خارج الفصل، وتكون معيارا للكشف عن أرصدتهم المعرفية المتعلقة بموضوع علاقة الشعر بالحرية ، ونقترح على سبيل المثال ما يلي :
ـ ما هي علاقة الشعر بالحرية ؟
ـ هل تعرف شعراء في الماضي ، وفي عصرنا الحديث حرموا من حريتهم ؟
الأجوبة الممكنة والمحتملة تكون كالآتي :
ـ لما كان الشعر فنا من الفنون الجميلة والمعبر عن مختلف مشاعر الإنسان في كل أحواله ، في سرائه وضرائه ، وكانت الحرية هي أسمى ما يتوق إليه الإنسان ، فإن العلاقة بين الشعر والحرية علاقة جدلية أي علاقة تأثر وتأثير ، ذلك أن تغني الشعر بالحرية جعل آفاقه واسعة ، كما أنه قدم لها خدمة كبرى من خلال التعريف بطرق فنية مؤثرة عنها . ولقد راكم الشعراء قديما وحديثا رصيدا هائلا من الأشعار التي تغنت بالحرية .
ـ من الشعراء القدمى الذين سلبت حريتهم نذكر على سبيل المثال لا الحصر كل من الشاعر الجاهلي عبد يغوث بن الحارث الذي سجل في قصيدة مشهورة له تجربة أسره قبل قتله ، وكذا الشاعر الجاهلي عنترة بن شداد الذي سجل مشاعر حزنه بسبب حرمانه من حريته وقد كان عبدا مملوكا قبل أن ينال حريته ، والشاعر أبو فراس الحمداني الذي عاش في القرن الرابع الهجري وكان قائدا عسكريا فوقع في الأسر عند أعدائه البيزنطيين ، وسجل تجربة حرمانه من حريته في قصيدة مشهورة التي مطلعها :
أراك عصي الدمع شيمتك الصبر أما للهوى نهي عليك ولا أمر ؟
ـ ومن الشعراء المحدثين الذين عاشوا تجربة السجن في البلاد العربية شعراء فلسطينيون سجنهم المحتل الصهيوني، ونذكر منهم على سبيل المثال فايز أبو شمالة ، ومحمود الغرباوي ،ومعاد الحنفي ، ووسيم الكردي ، والشاعر كمال بطرس إبراهيم يعقوب ناصر … وغيرهم
ثانيا : مرحلة تأطير النص :
ـ صاحبة النص الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان من مواليد سنة 1917 بمدينة نابلس في فلسطين المحتلة ، وتلقب بشاعرة فلسطين وقد تغنت بنضال شعبها في أشعارها، وتوفيت سنة 2003،مخلفة عدة دواوين شعرية منها ( وحدي مع الأيام ) ،و (وجدتها ) ،و (أعطنا حبا )، ومن قصائدها الغزلية قصيدة ( دنانير ) … و قد جمعت هذه الدواوين وغيرها في ديوان ضخم ، ويغلب على شعرها الطابع الرومانسي.
ملحوظة : (يوجد اختلاف في سنة مولد ووفاة الشاعرة بين الكتاب المدرسي ، ومصادر أخرى) .
ـ النص عبارة عن قصيدة شعرية من شعر التفعيلة، وهي تندرج ضمن القصائد التي سجلت تجارب السجناء الفلسطينيين في سجون المحتل الصهيوني.
ثالثا مرحلة الفهم :
+ ملاحظة النص قبل الاطلاع على مضمونه ، وتكون انطلاقا من مؤشرات العنوان ، والصورة التشكيلية المصاحبة له ، وهي عبارة عن صورة سجين يرسل رسائله على جناح طائر وهو خلف القضبان إلى الشاعرة ، وإلى جانب الإهداء الذي خصت به الشاعر صديقها الشاعر السجين كمال ناصر، وذلك من أجل وضع فرضيات قرائية للنص .
والفرضية المحتملة أو المتوقعة باعتماد تلك المؤشرات هي فرضية احتمال مناجاة الشاعرة صديقها الشاعر السجين كما ناصر.
+ إعطاء المتعلمين فرصة من أجل قراءة صامتة لتمحيص فرضياتهم .
+ الأداء الجهري للقصيدة ،ويكون من طرف المدرس أو المدرسة أو من طرف بعض المتعلمين الذين يجيدون القراءة الشعرية المساعدة على فهم النص ، والتي يجب أن تحترم مقاطع قصيدة التفعيلة ،مع التمثل الصوتي لأساليبها خبرا، وإنشاء ( نداء ،أو أمر، أو نهي )، وبهذه القراءة تتأكد الفرضية الصحيحة .
+ شرح المفردات التي يكتنفها غموض في النص ، والذي من شأنه توضيح وتسهيل فهم القصيدة فهما جيدا.
وهنا لا بد من الاستعانة بعلم الصرف بحيث يسلط الضوء على الطبيعة الصرفية لتلك المفردات ( أسماء ذوات جامدة ، أسماء مشتقة ، صيغها إفرادا وجمعا ، أفعال مجردة أو مزيدة مع بيان معاني حروف الزيادة . ولا بد من تعويد المتعلمين على التمييز بين الاستعمال الحقيقي لتلك المفردات والاستعمال المجازي . ولا بد أيضا من أن تكون شروحها محترمة لشروح معاجم اللغة العربية الموثوق بها ، وتكون الشروح عن طريق الترادف أو التضاد أو السياق ، ويمكن اعتماد شواهد عليها من الكلام البليغ قرآنا أو حديثا أو أشعارا أو أمثالا أو حكما . وإلى جانب الإحالة على شروح مفردات النص التي يقدمها الكتاب المدرسي والتي يجب التثبت من اعتمادها شروح معاجم اللغة العربية الموثوق بها ،لا بد من تزويد المتعلمين بشروح مفردات أخرى تدعو الضرورة إلى شرحها.
ونكتفي بمثالين لشرح مفردتين من القصيدة لم يرد لهما شرح في الكتاب المدرسي لبيان طريقة الشرح المصحوب بالمعالجة الصرفية للمفردات :
البوح : مصدر فعل باح يبوح وهو إظهار ما خفي من أسرار أو الكشف عنها.
ابتأس ، يبتئس فعل على وزن افتعل مزيد بحرفين هما الألف والتاء ، وهو يفيد المبالغة في الحزن ، ويقال أيضا اكتأب ، واغتم .
+ تقسيم النص إلى وحدات فكرية تجمعها فكرة عامة أو أساسية ، ويتم ذلك بطريقتين : إما الانطلاق من الوحدات إلى الفكرة العامة أو العكس ، ويشترط في الفكرة العامة أن تكون جامعة لمعاني الوحدات ، ومانعة يمتنع معها ورود فكرة أخرى فيها قيمة مضافة .
وحدات هذا النص هي :
ـ اختراق شعرالشاعرالسجين قضبان وأسوار السجن.(المقطع الأول).
ـ شعره باعث على الأمل في الحرية بالرغم من جور الاحتلال.(المقطع الثاني ).
ـ شعره يحيل على ذكريات ماض جميل قبل الاحتلال .( المقطع الثالث).
ـ تعليق الآمال على زوال الاحتلال ونيل الحرية (المقطع الرابع والأخير ).
وفكرته العامة هي :
الشاعرالفلسطيني السجين يتحدى قضبان سجن الاحتلال مبشرا بآمال نيل الحرية والاستقلال .
رابعا : مرحلة التحليل
+ على المستوى الدّالي يحصر معجم القصيدة على الشكل كالآتي :
ـ معجم يحيل على شعر الشاعر السجين :( شدوك / حبيب الصدى / فاصدح لنا / غنّ / الغناء / طلق الخطو / طلق الجناح / شعر المنى / اللحن / أغانيك ) .
ـ معجم يحيل على الاحتلال : ( انغلاق الرحاب / جدران الدجى والعذاب / قضبان الحديد / انطباق الليل / هوان القيد / الظلام / القتام )
ـ معجم يحيل على الحرية : ( درب الرجاء مشع الضياء / ظلة الياسمين تحضننا / شموخ الجبال / عزة لا تنال / النصر وفوز الكفاح / الأفق غني المنى / المجد
للنور / والنصر للحرية )
يوزع هذا المعجم على حقلين دلاليين :
ـ حقل استبداد الاحتلال الصهيوني بأرض فلسطين ، وحقل استشراف الحرية من جديد بعد زواله . والعلاقة الرابطة بينهما هي علاقة تضاد يكون زواله بنهاية الاحتلال البغيض والعودة إلى الحرية والاستقلال من جديد.
ـ على المستوى الدلالي : يتم التركيز على توظيف الشاعرة للبنيات اللغوية المورفوتركيبية (الصرفية والنحوية ) والجمالية (البلاغية ) والإيقاعية ( العروضية ) لمعالجة موضوع الحرية معالجة شعرية .
ويمكن بيان بعض أوجه ذلك التوظيف على الشكل الآتي :
ـ البنية الصرفية أو المرفولوجية : اللافت للنظر هو بروز ضمير الخطاب في الأفعال والأسماء في بداية كل مقطع من مقاطع القصيدة ، وقد اقتضت ذلك مناجاة الشاعرة لصديقها الشاعر السجين :
( شدوك / طائري / غنّ / وجهك / شدوك / أنت / أغانيك / اصدح / لا تبتئس ).
ـ البنية النحوية أو التركيبية : الزمن الغالب على الأفعال الموظفة في القصيدة هو الحاضر والمستقبل بما في ذلك المقطع الثالث الذي تناول ماضي الحرية والاستقلال قبل الاحتلال، وذلك على الشكل الآتي :
( شدوك يأتينا / فاصدح / غنّ / قضبان الحديد لن تحجب الغناء / درب الرجاء ما زال يمتد / أرجعني شدوك / ظلة الياسمين تحضننا / فتقرب النجوم / تصغي إلى اللحن / الأفق ما زال غني المنى / ينتظر الشمس وراء القتام / فلا تبتئس )
ولقد غلّبت الشاعرة الزمن الحاضر والمستقبل تعلقا بأمل الحرية المنشودة.
+ على المستوى الدلالي :
ـ البنية البلاغية أو الجمالية : الغالب على القصيدة الصور الشعرية و قوامها انزياحات مجازية واستعارية ، ونسرد منها ما يلي :
( شدوك حبيب الصدى / جدران الدجى والعذاب / يا طائري السجين / وجهك رحب الفضاء / درب الرجاء / زمان طواه الزمان / أنت طلق الخطو طلق الجناح / شعر المنى والزهو والعنفوان / تقرب النجوم من أرضنا وتصغي إلى اللحن / الأفق ما زال غني المنى ينتظر الشمس وراء القتام ) .
وهذه الصور يتقاسمها واقع الاحتلال البغيض واستشراف مستقبل الحرية والاستقلال المأمولين ، وهي مفعمة بعاطفة الشاعرة التي توزعها من جهة الشعور بالأسى على فقدان صديقها الشاعر حريته ، ومن جهة أخرى التعلق بالأمل والتفاؤل كي يستعيد الشاعر السجين حريته، ويستعيد وطنه استقلاله .
ـ البنية الإيقاعية : اختارت الشاعرة لقصيدتها بحر السريع
( مستفعلن / مستفعلن / فاعلن ) ، وهو متنوع التفعيلات وقد جاء في كتاب » المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها » للدكتور عبد الله الطيب ص 147 أن إيقاعه يأتي وسطا بين إيقاع البحور الصافية التي تستخدم غالبا للتعبير عن معاني اللهو، وقد سماها بحورا شهوانية وبين إيقاع البحور الطوال المختلطة ذات التفعيلات المتنوعة ، والتي تستخدم غالبا للتعبير عن المعاني الفخمة. وذكر أنه مستمد من الرجز ( مستفعلن / مستفعلن / مستفعلن ) ، إلا أن حركته بطيئة تمثل جانبا مهما من جوانب المعاني المقصودة . وقد مثل له بقصيدة للشاعر الجاهلي عدي بن زيد الصادية التي بعث بها وهو سجين عند النعمان إلى صديقه عبد هند يعاتبه على إهماله له ، ويذكره بأيام الوداد التي خلت ومنها قوله :
قل لخليلي عبد هند فلا زلت قريبا من سواد الخصوص
ولقد التزمت الشاعرة الردف ،وهو حرف مد قبل رويّ قافية قصيدتها ذات الأسطر :( عذاب / فضاء / رجاء / ضياء / زمان / جناح / عنفوان / رياح / جبال /كفاح / ظلام / قتام)، الشيء الذي أثر في إيقاعها البطيء.
ولا شك أن الشاعرة طوقان اختارت هي الأخرى إيقاع هذا البحر ليناسب تناولها موضوع سجن صديقها الشاعر لتناجيه.
وفضلا عن الموسيقى الخارجية للقصيدة التي تعزى إلى إيقاع بحرها توجد موسيقى داخلية تعزى إلى إيقاع تكرار بعض الحرف في السطر الشعري الواحد كقول الشاعرة على سبيل المثل ( والنصر للحرية الرائعة ) ،فتكرار الراء في هذا السطر الشعري أعطاه نغما داخليا خاصا به فضلا عن النغم الناتج عن موسيقى البحر ) .
ولقد ناسب إيقاع القصيدة البطيء ما ضمنتها الشاعرة من عاطفة وخيال وصور شعرية تناسقت كلها لتضفي عليها مسحة جمالية متميزة .
+ على المستوى التداولي :
يغلب على القصيدة الأسلوب الإنشائي ، وتحديدا أسلوب النداء ( يا طائري ) الذي جعلته الشاعرة على رأس كل مقطع منها ، ويعقبه مباشرة أسلوب الأمر (فاصدح / غنّ ) و أسلوب نهي قي المقطع الأخير ( فلا تبتئس) ، وبين أساليب النداء والأمر التي اقتضتها مناجاة الشاعرة صديقها الشاعر السجين تتوالى أساليب خبرية مرتبطة بالأساليب الإنشائية كقول الشاعرة على سبيل المثال :
(غنّ ، فقضبان الحديد التي
تشد في وجهك رحب الفضاء
لن تحجب الغناء عن سمعنا ).
وبهذا التوظيف الأسلوبي استطاعت الشاعرة أن تؤثر في من يتلقى قصيدتها بحيث تنقله إلى تمثل وضع الشاعر الفاقد لحرية في سجون الاحتلال نقلا فنيا جماليا.
خامسا : مرحلة التركيب والتقويم :
باعتبار نتائج مرحلة التحليل على المستويات الدالي ،والدلالي ، والتداولي تعتبر تجربة الشاعرة فدوى طوقان تجربة ناجحة في الكشف عن دور الشعر في خدمة قضية الحرية ، والتعريف بها، والتأريخ لها فنيا وإبداعيا ، ذلك أنها من خلال طرق قضية حرية صديقها الشاعر السجين قد أثارت قضية حرية الشعب الفلسطيني المحتلة أرضه ، وفي نفس الوقت بعثت الأمل في نفوس أبناء شعبها التواقين إلى الانعتاق والحرية .
Aucun commentaire