النظر خارج العلبة
إن المقياس الذي نميز
من خلاله بين الرجال ومن هم دونهم هو النضج : كي يكون بإمكان المرء الرقي إلى درجة
الرجولة فلابد أن تستجيب مواصفاته « لدفتر تحملات » شرطه الأساسي امتلاك
نظرة للواقع بعيدة عن العبث واللغو. نفس الشيء ينطبق على الأمم فالفرق بين البدايات
وما يليها هو الفرق بين الصبي والرجل. ليس للأمر علاقة هنا بدغمائية فارغة إنما هي
حقائق التاريخ يسجل الرجال صانعيه. على هذا الأساس يحق لنا نحن من ننتمي إلى هذا
الوطن أن نفخر بإرث أمتنا الحضاري الذي لا يؤرخ لبضع عشرات السنين. إن هذا الحصن
العتيد المتجسد في هوية المغاربة أكسب المناعة لكل شرايين الأمة.
يعتقد الكثيرون أن الملكة إليزابيث الثانية تشكل
رمز العهد الفكتوري وتمر في عربتها ويذهب الناس لتحيتها في قصر باكنهام ثم ينثرون
الورود على خيولها ثم يأتي الآلاف من الذين يكتبون في صحف هذه الأيام قائلين »
أنظر إلى رمزية الملكية، نعم لقد سبقونا…!! » ثم يسمم المساكين وييئسهم. لا
يدركون أن الخطوط الجوية البريطانية ثم ناقلات النفط المستحوذة على راسميل البرصات
و المخابرات الخارجية والداخلية « م- أي- 6″ و »م -أي – 5 » وملفات
الدفاع القومي وو… كلها في يد الأسرة
الملكية، وحينما يصيح قائل » أنظر إلى إسبانيا…! » « أنظر إلى
النظم والحكامة.. » وماتليها من ترانين تغفل أسئلة لن يفطنوا إليها: من يحكم
الأركان الحربية؟ لماذا تأخر البث في إرسال الجنود
الإسبانيين للعراق في عهد « أسنار »؟ وكيف تنظر النخب السياسية
الإستشرافية والمثقفة للمغرب؟ ماهي حسابات أجنحة سياسي الظل اتجاه المغرب؟… ثم خاطب أو جادل صينيا أويبانيا أو فييتناميا
وقل له لماذا تنحني أمام الأمبراطورأو الزعيم، قد يجيبك لكن إن تهكمت عليه قد يسفك
دمك لأنك مسست هويته…
في
علم القيادة وفنون الإدارة يمنح لأول مبتدئ تمرين يفرض عليه أن يربط بين النقاط التسعة
بأربع مستقيمات دون توقف، ثم يعجز عن إنجاز المسألة لأنه ينظر فقط داخل الشكل
المجسم ويتأكدون خلالها أن الطالب لا يعلم شيئا عن الفكر التحليلي النقدي، ثم
يلقنونه درسه الأول » النظر خارج العلبة » حينها يحل التمرين ببساطة بل ويسخر من نفسه لأنه طيلة
حياته كان حبيس بيئته التي عتّمت عليه رؤية الواضح الذي هو دوما أمامه. صدق ابن
خلدون حين قال – الوجود الإجتماعي هو الذي يحدد نمط التفكير-
مكنتني تجربتي ولسنوات ثمان أن أجوب في المنطقة
العربية واشتغلت مع نخبة متعلمة أمريكية تضع أمام أسرتها صور » بوش أو كينيدي »
وأوشام العلم في أدرعهم، والرايات الكبيرة
الحجم أمام كل بيت بكل فخر واعتزاز، كنت أحادثهم أحيانا فتأتي إجابتهم « نعم
نحن ندرك أن هناك أخطاء وممارسات سلبية وشاذة، لكن لن نسمح لأحد تشويه
قائدنا » صححت معجمي بل وندمت لأنني نظرت خارج العلبة متأخرا، وسمعت نفس
التشخيصات من سائق عربي لسيارات الأجرة في ال »ماركة بالأردن »
« ومهندسا في دبي » و »إماما في الكويت » « ودبلوماسي
بالطائرة » عن الحالة العربية، فكان نفس الترتيب والرتابة في هوس التشخيص و
اللغو.
جالست المقيمين العرب ولم أجد أحدا ينتقد حاكمه
بالطريقة التي ينتقدون بها المغاربة وطنهم وملكهم على أي الحمد لله على هذا المكسب لأنه غير متواجد في أي قطر ونحن في بلدنا
لن نتراجع عن هذا المبدأ. ما يزيد من خيبة أملي مثلا أنهم ينتقدون رجال الشرطة،
لكن عندما تكون هناك قضية فيها شبه رائحة انتماء للأسرة الملكية إذ يصبح ذلك
الشرطي النبيل الذي كان يؤدي واجبه بكل أمانة، حيث أكد جيران جيران عم والدته أنه
روح في المواطنة، بل كان دائما يحلم رفع راية بلاده عالية ووو………وحين يلقون
لُبّ نعوتاتهم ضد أي شخص منتم لأي حقل ديني ، لكن حينما يستشفُّون أن للأمر علاقة
بالنظام فبين عشية وضحاها ينقلب ذلك الشخص إلى مسألة قومية بالنسبة لتلك المؤسسة
الإعلامية، فتجد عبارات: نعم نحن نعيش في كنف دولة إسلامية وهذا لايعقل لأن
المغاربة مسلمين وووو….
في سميائيات »
رولن بارث » حين تفكيك هذه اللغة سوف يجد أن أصحابها يعانون انفصاما حقيقيا.
« بوب وود
وورد » حين كشف ملابسات فضيحة « واتر كيت » تعامل مع الموضوع بعلمية
إعلامية مركزا على المنهج التجريبي في التحري، وكشف خروقات شركات التبغ
بأمريكا »بال مال » خطط إليه إعلاميون مهنيين، الحجة بالحجة. ليس كمن يجلس
حبيس كرسيه ويرى السواد في أركانه فيصب عرق غضبه في الركوب على مآسي المستضعفين،
قصة مدرس لم يحصل على ترقية نظرا لسلوكيات غضّ مديره الطرف عنها حتى لا يدمر
عائلته، أصبح صديقنا المدرس ينقم على شيء إسمه النظام، بل الغريب في الأمر أنه
أصبح يؤثر في طلبته، وقصة من مسكه شرطي أصبح ضد شيء إسمه الأمن بل ينسج قصصا سلبية
عن الأمن في البلد.
أمامنا أوراش كبرى، الإرادة
السياسية حاضرة ناظرة والمعرفة المجتمعية غائبة وهذا ما يغفله من يخطون في أوراق
اليوم ويستغلون مآسي المساكين . فلما لا يجعل إعلاميونا من مؤسساتهم انطلاقة
المعرفة والتنوير. قد يأتي فيه يوم نطالب بهيئة إنصاف ومصالحة مع الإعلام على
الضرر النفسي السوداوي الكئيب الذين يرسمونه بتفنن. جميل جدا أن أفضح المفسدين،
جميل جدا أن أنوّر بسطاء الناس حقهم وجلاذهم، لكن ليس جميلا أن تصيبني العدوى ولا أرى غير السلبية فأصبح
سلبيا حتى على أسرتي. لو كانت الأمم تسير بالعاطفة والخيال لما كانت هناك حضارات.
القافلة
ماضية في مسيرها لا تأبى النباح والفحيح : وقع الصدمة عال حينما تنتقد أحدا بل
وتعتقد أنك أغضبته إذ به في النهاية لايأبه إليك بل يبتسم في وجهك ويصافحك لا لشيء
بل ببساطة كونه »خلوقا » وإنه لعلى خلق حميد.
المغاربة فطنون جدا ويعرفون كل
المعرفة أين هو الصلاح ومن يعمل ومن هو الإنتهازي، قال لي صديقي الأمريكي حينما
حضر بيتي وشاهدنا أخبار الظهيرة « هذا
هو الملك الإبن » قلت « نعم وإسمه صاحب الجلالة محمد السادس » فسكت،
فسألني عن ماذا يتحدثون قلت » لقد أدى صلاة الجمعة في طنجة أقصى شمال المغرب،
ثم انتقل إلى مدينة وجدة عاصمة الشرق ومباشرة من المطار قطع 82 كيلومترا بسيارته
إلى عين بني مطهر لتدشين الطاقة الشمسية، يعود بعدها لمدينة وجدة ثم ينتقل إلى مدينة
الرباط من أجل استقبال ملكي وبعدها مباشرة توجه إلى بني ملال… » فسأل
والحيرة تكتنفه » أيقوم بهذا سنويا، فأجبته « إنه أمير على المؤمنين
المغاربة والمسؤول عنهم فقصصت له قصة الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قال
والله لو عثرت ناقة في الحجاز فعمر مسؤول عنها » واسترسلت في قولي أنه من
الأيام العادية للملك.
عبدالقادر فلالي-
كندا-
1 Comment
الرمز رمز فجلالة الملك رمز للمملكة المغربية والراية المغربية رمز للوطن و الدين الاسلامي واللغة العربية رمز للدولة الاسلامية المغربية وو ..ونفتخر بهم لكون هما الضامنيتن الاساسيين الاستقرار والتطور ..ولكن هناك من يريد التشويش على هذه الرموز ،