الأنظمة الغربية تسوق في واجهاتها الزجاجية ديمقراطيتها بينما تسوق في السوق السوداء دعم الديكتاتورية
الأنظمة الغربية تسوق في واجهاتها الزجاجية ديمقراطيتها بينما تسوق في السوق السوداء دعم الديكتاتورية
محمد شركي
لقد كانت ثورات الربيع العربي منذ تسع سنوات مضت امتحانا محرجا للأنظمة الغربية التي تعتبر نفسها منظرة ،وراعية ،ومصدرة للديمقراطية في العالم عموما وفي العالم الثالث خصوصا ، ذلك أنها لا تفوتها فرصة من فرص الإجهاز على حقوق شعوب هذا العالم البائس من قبل الأنظمة الشمولية دون إظهار الأسف ، والتعبير عن الشجب ظاهريا مع المحافظة في الخفاء على جميع أنواع العلاقات معها بدءا بالدبلوماسية ، وانتهاء بالاقتصادية التي عليها المدار .
ومعلوم أن الشعوب العربية كانت منذ رحيل المحتل الغربي عن بلادها في القرن الماضي تواقة إلى العيش في فردوس الديمقراطية كما تسوّقها الأنظمة الغربية ذات الماضي الاستعماري البغيض ، وكما تبدو من خلال المظاهر الخادع لدى شعوبها . وما كانت تلك الأنظمة التي مارست الاستبداد في مستعمراتها العربية لتقبل بدخول الشعوب العربية فردوس الديمقراطية ،لأن ذلك يتعارض مع مصالحها التي لم تنته برحيلها العسكري عن تلك المستعمرات بل استمرت في شكل وصاية مكرسة للتبعية لها على عدة أصعدة .
ونهجت الأنظمة الغربية في الوطن العربي ما يعرف بسياسة فرّق تسد ، حيث نقلت صراعها الإيديولوجي إلى الساحة العربية التي أعاد فيها التاريخ نفسه كما يقال حين كان العرب ممزعين في جاهليتهم بعضهم يدين بالولاء للفرس ، والبعض الآخر للروم ، فصار حال الأنظمة التي أعقبت رحيل المحتل الغربي بعضها تابعا للمعسكر الرأسمالي، والبعض الآخر تابعا للمعسكر الشيوعي ، وكانت بين المعسكرين حرب باردة في ساحتهما ولكنها ساخنة في الساحة العربية حيث تمّ توطين الكيان الصهيوني السرطاني ليكون ولاعة الحروب في المنطقة .
وبعد انهيار المعسكر الشيوعي، استبد المعسكر الرأسمالي بالمنطقة العربية التي استأسد فيها الكيان الصهيوني المحتل وعمّق الخلافات السياسية بين أنظمتها حتى صارت القطيعة بينها هي الطابع الذي يميّزها . ولم تطق الشعوب العربية الوضع الذي فرض عليها بسبب نكبة 48 وما تلاها من نكسات وهزائم ،ومعاناة ، وازداد تطلعها إلى حياة أفضل ، فكانت على موعد مع ثورات ربيعها. وما كادت تتنسّم أريج الانعتاق من ذلك الوضع المأساوي حتى خذلتها الأنظمة الغربية التي كانت تسوق بضاعتها الديمقراطية حيث سكت عن الإجهاز على أول تجربة ديمقراطية فتية في مصر عن طريق انقلاب عسكري دموي لم يكن بين فريقين عسكريين مسلحين كما جرت العادة في الانقلابات العسكرية بل كان بين جيش مسلح وشعب أعزل . ولم تكتف الأنظمة الغربية بالسكوت على ذلك فقط بل كان الإجهاز على تلك التجربة الديمقراطية من تخطيطها وبتمويل عائدات النفط العربي مخافة نجاح تلك التجربة التي علّقت عليها الشعوب العربية الآمال العريضة . ولقد كان الانقلاب العسكري في مصر، وهي بمثابة قاطرة البلاد العربية تهديدا لكل الشعوب العربية التي ثارت في ربيعها . و بعد ذلك تم الإجهاز على باقي التجارب الديمقراطية الأخرى التي كانت محدودة وفي بدايتها بأسلوب أو بآخر ، ولم تتمكن شعوب عربية أخرى من بلوغ مرحلة التجربة الديمقراطية حيث وجدت نفسها في دوامة عنف تسعره حروب أهلية وطائفية ، وكان ذلك أيضا من تخطيط الأنظمة الغربية التي طالما ادعت كاذبة أنها تريد نقل تجربتها الديمقراطية إلى الوطن العربي ، وكانت وسيلة ذلك التخطيط تمويل من عائدات النفط العربي أيضا .
ومن أجل التشكيك في التجربة الديمقراطية التي أفرزتها ثورات الربيع العربي دسّت الأنظمة الغربية وعلى رأسها التجربة المصرية ذريعة لتمديد ما كان عليه الوضع قبل تلك الثورات وهي ذريعة » محاربة الإسلام السياسي » الشيء الذي أضفى الشرعية على الانقلاب العسكري الدموي في مصر ، وعلى حروب طاحنة ودموية في أقطار عربية لا زالت نيرانها ملتهبة . ومن أجل التمويه على ذلك سخرت الأنظمة الغربية عصابات إجرامية تمارس العنف الأعمى باسم الإسلام .
ولقد افتضح أمر الأنظمة الغربية التي تشترط في الظاهراعتماد نهجها الديمقراطي ، ولكنها في الخفاء تبذل كل ما في وسعها لدعم الديكتاتورية ، وإنقاذها من السقوط . ولعل ما يحدث الآن في القطر الليبي خير دليل على ذلك حيث حرم الشعب العربي الليبي من تحقيق حلمه في دخول فردوس الديمقراطية الموعود ، ووجد نفسه وسط أتون حرب مدمرة من تخطيط الأنظمة الغربية وبتمويل من عائدات النفط العربي ، وذلك من أجل ترجيح كفة اللواء المتقاعد لإعادة هذا الشعب إلى فترة الديكتاتورية المنهارة أمام ثورة الربيع الليبي ، والتي يعتبر هذا اللواء من صناعها ومن مجرميها والذي كان من المفروض أن يحاكم بجريرة المشاركة في نظام حكم مستبد . ولقد أبانت الأيام القليلة الماضية عن اندحار عصابات هذا اللواء المتقاعد الإجرامية التي هي خليط من مرتزقة روس وأفارقة ، عرب وغيرهم ، كما كشفت عن مصادر تسليحها وتمويلها وتورط أنظمة غربية وعربية في ذلك .
وخلاصة القول أن الأنظمة الغربية تبرز وجها ديمقراطيا للعالم ، وتخفي الوجه الآخر الذي يكرس الديكتاتورية في الوطن العربي لأن مصالحها تهددها سيادة الديمقراطية فيه ، بينما ترعاها حق الرعاية سيادة الديكتاتورية. ومما شجع الديكتاتورية على التمادي في تعسفها صمت تلك الأنظمة الغربية ، ودعمها لها والذي لم بعد خفيا حتى صار الإنسان العربي ينشر بالمنشار ، ويختفي كسراب دون أن يحاسب الناشرون ومن يقف وراءهم ، وصار أيضا يسجن ، ويقضي نحبه في الاعتقال دون أن تكترث الأنظمة الغربية بذلك لأن ما يعنيها هو الحرص على مصالحها وليس على ما تدعيه من وصاية على الديمقراطية وحقوق الإنسان .
ولقد بحت أصوات منظمات حقوقية مطالبة بحماية الحريات وحقوق الإنسان في الوطن العربي ، دون أن تبالي بها الأنظمة المستبدة المهدرة لتلك الحقوق والحريات وهي التي تشتري صمت الأنظمة الغربية الشيطاني برشاوى فاحشة ، وهكذا تعرض الأنظمة الغربية المرتشية في واجهاتها الزجاجية المزينة ديمقراطيتها، ولكنها تسوق في السوق السوداء دعمها للديكتاتورية والاستبداد .
Aucun commentaire