مواهب خفية برزت في زمن كورونا
انتشار فيروس كورونا أملى اتخاذ إجراءات وقائية صارمة على جميع المستويات والأصعدة منها فرض الحجر الصحي وإغلاق أماكن التجمعات من أسواق شعبية ومؤسسات تعليمية ومقاهي ومطاعم وحمامات وغيرها , كما شمل بعض المهن الحرة كالخياطة والحلاقة وأنشطة أخرى تدخل في إطار الاقتصاد غير المهيكل , ونتيجة لذلك وجد الناس أنفسهم في حاجة ملحة لتدبير حاجياتهم اليومية بالاعتماد على النفس في أمور شتى وبطرق تثير الدهشة , وما كان لها إن تبز لولا الظرف الطارئ والحاجة التي هي أم الاختراع , فكيف ذلك ؟
مواهب خفية
أبان بعض المعارف عن مهارات في فن الحلاقة ,فأمام استحالة الذهاب عند الحلاق واصطحاب الأطفال الصغار كما جرت العادة , تحول الأستاذ إلى حلاق منزلي بعد اقتناء المعدات الخاصة بذلك , فما حك جلدك مثل ظفرك , ووثق ذلك قي فيديو تبودل مع أفراد العائلة , مساهمة في التخفيف من روتين العزلة وتبديد القلق , ونال إعجابا واستحسانا فما كان لينتبه إليه في الظروف العادية , واتخذ كقدوة لكل من اعتاد التردد على صالونات تقدم هذه الخدمة , فالوقت وقت حذر من العدوى التي استشرت وفي الأقطار و عمرت واستعصت ولا من مغيث إلا الله سبحانه وتعالى .
موهبة ثانية ظهرت نتيجة فرض الكمامة على كل مرخص له بالخروج لأغراض ما , ونظرا لعدم تناسب العرض مع الطلب , استعصى – في بعض الأماكن – الظفر بها , وحتى لا يتعرض للسؤال في حالة لا يقتنع فيها السائل بالجواب , فالحيلة أحسن من العار , كيف لا والابتكار فن المكن واللاممكن, فصناعتها بوسائل لا تعوز كل مبدع متعدد الحرف
يسر التوفيق بين النظرية والتطبيق , و الاستعانة بقنوات اليوتوب مباح .
وعلاقة باليوتوب فقد أصبح معلما لمن لا يعرف فن الطبخ , و هكذا تحول احدهم إلى طباخ يعد الأكلات الشهية التي ما أحوجنا إليها لتقوية جهاز المناعة كما ينصح بذلك , وهو الذي لم تطأ قدماه المطبخ إلا آكلا, فأبان عن مهارة لا تجارى ,وان – بالتأكيد – هذا الفن ليس مرتبطا بنون النسوة بل للمذكر (السالم) باع طويل.
هناك من تحول إلى صباغ فاشترى العدة وارتدى بذلة خاصة بمهمة كهاته , وامتطى السلم وجال عبر البيوت والجدران , يحمل ريشة فنان يرسم لوحة تشكيلية , بطعم العزلة ووحي التنفيس عن مكنونات تخالج الروح وتملا الوجدان , وان كانت عابرة في الزمان كقصيدة شعر , والشعر هنا لنزار قباني ..
يا من صورت لي الدنيا كقصيده شعر
وزرعت جراحك في صدري وأخذت الصبر
و الشيء بالشيء يذكر, فقد برزت مواهب كثيرة في قرض الشعر بكل أنواعه وأوزانه.مقفى وحرا , وقصائد نثرية من شعر منثور ونثر شعري , وغيرها من بحور الشعر وتفعيلاته هي من وحي اللحظات التي تمور بها النفوس , وتحلق في العلياء هربا من واقع الحال , وصدمة الأرقام التي تبث على مدار الساعة والأيام, حول الوباء وما خلفه من ماس يشيب لها الولدان .
كما أجادت بعض الأقلام بخواطر ومقالات ما كان للزمان أن يجود بمثلها لولا هذه الظروف العصيبة , فالمنح تولد من رحم المحن, قيل للإمام الشافعي رحمه الله: أَيّهما أَفضل: الصَّبر أو المِحنة أو التَّمكين ؟ فقال: التَّمكين درجة الأنبياء، ولا يكون التَّمكين إلا بعد المحنة، فإذا امتحن صبر، وإذا صبر مكن.
خلاصة
رب ضارة نافعة , فرغم أن الخطب جلل فان ما فرض علينا من حجر وقائي كانت له ايجابيات منها ما ذكرته ومنها أشياء أخرى قد تكون غابت عني أو سهوت عنها , وتصب كلها في قدرة الإنسان على التأقلم مع الظروف وعدم الاستسلام لليأس لأنه قاتل أكثر من المرض , فإذا كانت الطبيعة لا تقبل الفراغ فان البشر أولى بذلك , فليشغل نفسه بما يفيد.
والشائع أن كبار الفنانين والمخترعين والأدباء ذوو شخصية تميل للعزلة والانطواء , يفضلون الأجواء الهادئة وسط مكتباتهم أو مراسمهم أو بالبادية حيث اتخذوا مساكن وسط الحقول والجبال والوديان والغابات , ويستمدون الإلهام مما يحيطهم من جمال وسكون وضياء القمر , وقد أبدعوا في مختلف الفنون الأدبية والموسيقية , وفي اعترافات جان جاك روسو ما يؤكد ذلك , كما أن حياة موزرت فيها الكثير من الماسي ,و بيتهوفن كان خجولا ومعتل الصحة و به صمم فقد أوشك على الانتحار في لحظات عصيبة , وهو صاحب السيمفونيات التي ولدت في ظروف غير ميسرة وقدر لها إلى اليوم الخلود , والأمثلة لا تعد ولا تحصى .
وأخيرا وليس آخرا يبقى الأمل في غد أفضل بدون أمراض ولا أوبئة قائم , بفضل العلم والعلماء الجادون , وفي ذلك فليتنافس المتنافسون .
Aucun commentaire