مشاهد من زمن كورونا…المشهد (4) كيف يريدون لنا أن لا نلتقي، أن لا نجتمع، أن لا نتعانق؟
محمد امباركي
كيف يريدون لنا أن لا نلتقي، أن لا نجتمع، أن لا نتعانق؟
هكذا تحدثت امرأة عجوز الى جارتها والواقفة عند باب منزلها الكائن بدرب ضيق مر منه « عوتو » متفاديا الحشود البشرية، مهرولا بخطى سريعة لقضاء حاجة ضرورية أخرجته من عزلته « الصحية » التي أصبح مجبرا على التكيف معها قطرة قطرة (goute à goute ) وهو الذي كان لا يعود الى المنزل إلا في أوقات متأخرة من الليل، ولما تسأله منانة عن أسباب تأخره فكان يجيب مزهوا ومنتشيا :
– يا منانة ، يا حبيبتي، أنا لست ملكا لنفسي، أنت تعرفين جيدا أني ملك للجماهير…
فكانت تجيبه ساخرة :
– أعتقد أنه من قيم الممانعة والثورة يا عوتو أن تقول لرفاقك في يوم من الايام أنك لست جاهزا…أنك مشغول…لديك التزامات أسرية.. »… ثم استطرت بسخريتها اللاذعة العذبة :
– وأين تلك الجماهير التي حملت لها رسالة الخلاص من ويلات الحكرة والقهر وأنت تجوب البلدة دربا دربا، دوارا دوارا، سوقا سوقا، تعدها بحلم المدينة الفاضلة وأنت الذي كنت تعشق الخطابة وسط الحشود وتردد على مسامعها تلك العبارة العزيزة عليك والمملة بالنسبة لها » جميعا من أجل حياة أخرى ممكنة « …ولما تفقدت الصندوق وجدته خاليا من بصمات تلك الجماهير التي تسهر من أجلها الليالي الملاح »؟.
لم ينبس » عوتو » ببنت شفة،…اكتفى بنظرات حزينة ومأمأة كأنه يريد أن يقول » أن لحظة التسجيل في صندوق تدبير شؤون الجماعة، كانت جماهيره تتسابق وراء موزعي الخبز وجماعة الوعد بالجنة…وهو ليس من طينة أي أحد من هؤلاء المرضى، تجار الأوبئة الاجتماعية…لو بلغ القبة سيجعل من تلك الجماهير تنتج خبزها بنفسها وتصنع نعيمها من عرق جبينها. »، ..ثم استمر في مونولوجه الداخلي قائلا :
– آه لو تتزامن السوق الانتخابية مع زمن الكورونا !..لن يكون بمقدور جماعة المتاجرين بالدين والذمم والبطون الوصول الى الخلايا الانتخابية النائمة في الدروب والأزقة، لن يجدي لا المال ولا الوعد بالجنة في علاج الناس من الفقر والوباء….لا شك أني سأحسم معركتي بيسر شديد طالما أني سأطل على أنصاري من نافذة التكنولوجيا الجديدة ومنصات التواصل الاجتماعي حماية لهم من شرور الكورونا…سأقدم لهم برنامجا انتخابيا طارئا لمغرب ما بعد كورونا تحت شعارات » ديمقراطية الصحة والمدرسة والغذاء أولا وأخيرا « ، » المستشفى ليس مقاولة، المدرسة ليست معبدا « ..يا سلام !..
في هذه اللحظة بالذات وهو يفكر في عتاب زوجته الرائعة ويتلذذ بآلام غزواته البطولية ظنا منه أنه نبي زمانه، تمنى لو يستفيق من سكرة هذه العودة المؤلمة لماضي قريب ويرجع الى جحره، الى عزلته الصحية، وفي نفس الوقت تمنى لو يناديه أحد الرفاق، لن يتردد في تلبية النداء…كيف يمكن مقاومة الانفلات من الفضاءات الصغرى والضيقة نحو المواقع الرحبة للبوح والمرح والنبيذ الرخيص وتقريب المسافات الأيدولوجية المتباعدة جغرافيا والتخلص من ثقل الماضي؟…
أسرع الخطوات قاطعا الدروب الضيقة والفارغة وأذنيه يتقاسمهما أنين ماضي غير قابل للدفن، وصوت العجوز وهي تصرخ أمام عتبة منزلها القديم:
-كيف يريدون لنا أن لا نلتقي، أن لا نجتمع، أن لا نتعانق؟
وجدة 5 أبريل 2020
Aucun commentaire