كورونا و ما بعد كورونا.. !!
محمد المهدي
يجب بداية أن نُذَكر الاخوة القُرّاء بأن المغرب قد مرت عليه أوبئة وآفات و كوارث عديدة عبر تاريخه الطويل، خلفت ما لا يُعد ولا يحصى من الضحايا في زمن عَـزَّ فيه العلم و انعدمت فيه الوسائل و شَحَّ فيه الغذاء والدواء .. أزمنة عانى فيها المغاربة أضعاف أضعاف ما نعاني اليوم ، فقد أخبرتنا كتب التاريخ أن الطاعون قضى حينها على نصف سكان المغرب، وكذلك فعلت المجاعة و الطاعون و الجذري والسل، و كان آخرها وليس أخيرها الكوليرا الذي ضرب المغرب أواخر الأربعينيات من القرن الماضي. و على الرغم من كل ذلك، فقد استطاع المغاربة أن يستمروا في الحياة كما استمرت البشرية أن تستمر على هذا الكوكب و تُعمره و تُحَسن من ظروف الحياة عليه، و تُحصن نفسها مما كان الى عهد قريب يُهدد وجودها، فأصبحت كل تلك الأوبئة من الماضي، بفضل التطور العلمي و التقني الكبير الذي بلغته البشرية ، و الذي لايزال في تطور مستمر كل يوم، علـم لن يعوزه اليوم الحل من دون شك أمام مخلوق ضعيف مثل كورونا أو غيره، إنها مسألة وقت فقط، لن يكون طويلا أبدا، و سيضع الانسان حدا لهذا الزائر العابر كما وضع حدا لما سبقه من آفات و جوائح..
طبعا لن يستمر هذا الحال الى ما لا نهاية ، ولن يستطيع هذا الوباء أن يُوقِف تقدم الإنسان نحو الغد، أو أن ينهي تواجد البشرية من على هذا الكوكب الذي فَوّض الله للإنسان مسؤولية خلافته فيه و إعماره .. وها هي بوادر الحل بدأت تلوح من هنا وهناك، في سباق محموم بين أكبر مختبرات العالم ، و أكبر علماء الأوبئة و الفيروسات على أعلى المستويات و بأرقى التقنيات التي توصل إليها العقل البشري .
نعم .. ستزول هذه المحنة التي تعد اختبارا مفيدا للبشرية جمعاء ، و لأنظمة الحكم في كل بقاع العالم، و على الخصوص في البلاد المتخلفة عن ركب الحضارة و التقنية، حيث أصبح عليها وجوبا و ليس اختيارا أن تُولي كل اهتمامها إلى المجالات الحيوية التي تُوفر للإنسان فرصة حقيقية للعيش ككائن يستحق الحياة على هذه الأرض في كرامة و رفاهية، و تؤمن له مَأمنا حقيقيا من الآفات و الكوارث التي تهدد وجوده آنيا أو مستقبـلا.
نعم .. ستزول هذه المحنة التي أظهرت أن ما كان يُرفع من شعارات التعاون و التضامن الدولي لم تكن سوى يافطات فارغة للتسويق الخارجي و الداخلي لا غير. وبالتالي ينبغي على البشرية أن تعيد النظر في قيمها العليا لتجعلها أكثر إنسانية و أكثر كونية و أكثر مصداقية، كما ستجعل البشرية تَعي أن أساس قوتها ليس فيما تُكدِّس من أموال أو ما تُشَيّـدُ من صُروح و أبراج و عمارات، بل ويجعل بعض الدول المسماة كبرى،تُؤْمِنُ أن ضمان وجودها ليس بما تمتلكه من رؤوس نووية أو ترسانة عسكرية أو بيولوجية، ولكن بما تُشَيِـدُهُ من قيم إنسانية كونية، و ما تُوَفرُه من مدرجات للتحصيل و البحث و العلم النافع، الذي يُحصن البشرية مما قد يهددها في المستقبل.
و إذا كان هذا واجبا على الدول المتقدمة، فإنه على الدول النامية و المتخلفة أَوِجَـب و لَهـا ألْـزَم، فقد كشفت جائحة كورونا أنها لم تفعل طيلة مراحل استقلالها ما يمكن أن تُؤَمن به نفسها و شعوبها. بل إنها لم تهتم في الإنسان سوى بما يقوي غرائزه و يثمن شهوته و يُزكي جشعه و لهفته اتجاه مكاسب مادية زائلة، فيما أهملت ما يُنمي فيه إنسانيته و يُذْكي فيه روح المواطنة الحقيقية، و حُب المعرفة من أجل الوعي بمسئوليته اتجاه نفسه و اتجاه غيره ، لكي لا نرى مثل هذه الكوارث البشرية الغريبة التي تخرج علينا من حين إلى حين ، ناشرة الظلام و الجهل بين الناس، مُلقية بهم إلى ساحة الموت و الخراب، و واضعة سلامة الوطن و المواطن في كَف عفريت كما حدث مؤخرا ببعض المدن المغربية مع الأسف الشديد.. يحركها الجهل المبين تارة و الحقد الدفين تارة أخرى.
فنرجو أن نَعي جميعا الدرس، و نتشرب مَغازيه الظّاهرة و الباطنة، ونترك لأصحاب الشأن و الاختصاص دَفّـة القيادة و إمكانية التصرف بما يرونه صالحا للبلاد و العباد.. و بالله التوفيق
و في انتظار انسحاب هذه الغَمامة التي نحسبها عابرة بحول الله، فإننا نسأل الله العلي القدير أن يحمي بلدنا من كل سوء، ويجنبه الكوارث ما ظهر منها وما بطن . إنه سميع مجيب
محمد المهدي
تاوريرت 23/03/2020
2 Comments
تحية للأخ المهدي.. المناضل الهادئ و الكاتب المتبصر .
فعلا لن يكون العالم كما كان قبل كورونا ، لأن هذه الجائحة غير مسبوقة في تاريخ البشرية ليس في عدد ضحياها ولكن في نوعية مسباتها و آثارها الوخيمة على العالم الذي أصبح قرية واحدة ، إذا أصيب جزء بسيط مهما بعد يصاب الجميع بفعل العلاقات التي اصبحت في عالم اليوم اكثر تشبيكا و تعقيدا.
برافووووو
مقال ممتاز