انتحار الطفل فعل عبثي للتخلص من معاناة نفسية أو لعب وتقمص أدوار مشاهد كرتونية
لا شك أن المرء، كلما وصله نبأ انتحار شخص ما، يتساءل عن البواعث أو الدوافع التي جعلت صاحبه يقدم على فعله الذي يستنكره البعض ويدينه ويُكفره فيما يتألم له البعض الآخر ويبحث له عن مبرر يشفع له. وإذا كان من السهل على الأطباء الاختصاصيين في الأمراض العقلية والنفسية تبرير الفعل وتحديد دوافعه وأسبابه عند الراشد، فالمثير للاستغراب والصدمة هو إقدام طفل أو طفلة على الانتحار…
انتحار الطفل فعل عبثي للتخلص من معاناة نفسية أو لعب وتقمص أدوار مشاهد كرتونية
عبدالقادر كتــرة
لا يدري المرء إن كان الإقدام على فعل الانتحار شجاعة أم جبن بحكم أن الإنسان كيفما كان وضعه الاجتماعي أو حالته النفسية والعقلية لا يمكن له في حالته الطبيعية والسوية أن يؤذي نفسه ويتخذ قرار نزع الحياة من جسده بطريقة أو بأخرى وينتقل إلى تنفيذ فعله بوسيلة عنيفة. لا شك أن حالة الشخص المنتحر التي أملت على صاحبها الانسحاب من عالم الأحياء، أقوى بكثير من قدراته العقلية الواعية للتخلص من عبء ثقيل مؤلم عجزت طاقاته عن تحمُّلها وتدبيرها…لا شك أن المنتحر وجد في فعله الراحة والطمأنينة والأمن والخلاص على العيش بذاته وسط ذويه، مفضلا بذلك الموت على الحياة، وبإعدامه لنفسه يكون قد أعدم معاناته…
» الانتحار هو فعل يقوم بها الإنسان ضد نفسه هو عنف ضد الذات أو فعل عنيف ضد النفس » يقول الدكتور عبد المجيد كمي ، اختصاصي في الأمراض النفسية والعصبية، ثم يستطرد قائلا حول حالة المنتحر » الانتحار هو ظاهرة بالمعنى الحضاري في وقتنا الراهن حيث يقدم الإنسان على فعله في حالة غضب شديد أو في حالة خيبة أمل قوية جدا أو صدمة وفي كثير من الأحيان في حالة انهيار عصبي أو الاكتئاب القوي الحاد « الميلانخوليا » يمتزج فيها الحزن العميق واليأس، أو كذلك انفصام الشخصية. ».
وإذا كان هذا الأمر يتعلق بشخص بالغ راشد، قرر وضع حدّ لحياته، لمعاناة نفسية ثقيلة التحمل تكمن في ظروف عيش عصيبة أو نتيجة تجارب قاسية أو صدمات قوية أو فشل قاتل في الحياة.. أو حالة اكتئاب ناتج عن انهيار عصبي، هذا الواقع لا ينطبق على طفل بريء قرر التخلص من نفسه ومن الحياة حيث تكون الصدمة أقوى داخل محيطه الذي لا يصدق الحادث بحكم أن الطفل لا يمكن له أن يفكر في الانتحار لأي سبب من الأسباب.
الأطفال ينتحرون شنقا
جلّ الأطفال الذين اختاروا الانتحار في ظروف استثنائية يختارون طريقة الشنق بحبل أو وسيلة مماثلة ولأسباب تبقى مجهولة وإن تم تحديد بعضها في صدمة قوية أو إحساس بالخوف والعقاب أو لعب ولهو نتيجة تأثر بمشهد من المشاهد الكارتونية من مسلسلات الأفلام والرسوم المتحركة . ليس هناك مفهوم لفكرة الموت ولا تمثلات للموت، عند الأطفال الصغار ومفهوم الموت تطابق الفراق والغياب، وفكرة الموت، لديهم، تصور سحري ومجرد، تتعلق بالآخرين، ولا تضاد الموت، حسب الأخصائيين في الأمراض النفسية.
وضع طفل حدا لحياته شنقا بمنزل أسرته، بحي ابن خلدون بوجدة، الخميس 5 دجنبر 2019، باستعمال غطاء رأس « فولار ».
وحسب مصادر مقربة فإن التلميذ البالغ من عمر 16 سنة قيد حياته، كان يتابع دراسته بالثانوية التأهيلية مولاي اسماعيل بمدينة وجدة، أقدم على فعلته بسبب لعبة تدعى » الحوت الأزرق ».
وأثارت لعبة الحوت الأزرق الجدل لاستهدافها الأطفال والمراهقين، حيث تطلب منهم تجاوز مجموعة من التحديات الغريبة والغير معقولة، تنتهي بعد 50 يوما بطلب المسؤول عن اللعبة أو curator من اللاعب قتل نفسه .
وشهد حي « كولوش » بمدينة وجدة، زوال يوم 19 يونيو 2019، حدثا مأساويا ومحزنا ، حيث أقدم طفل يبلغ من العم 11 سنة، على اﻹنتحار داخل مرآب ،
وحسب مصادر إعلامية، دخل الطفل الذي كان يدرس قيد حياته بالمستوى السادس ابتدائي، نقاش وجدال حاد مع والدته بسبب اصراره على أحد طلباته، انتهى بغلق الباب على نفسه بمرآب المنزل ، قبل أن يعمد الى اﻹنتحار.
ووفق ذات المصادر، فإن سبب إقدامه على الانتحار هو مطالبته لعائلته بشراء دراجة هوائية، في حين عارضت الأسرة ذلك، بسبب تخوفها من تحريكها في الطرقات العامة.
وأقدم طفل صغير على الانتحار في واقعة مؤثرة، الأربعاء 6 فبراير 2019، بمدينة فاس تاركا رسالة مؤثرة جاء فيها أنه كان يعاني كثيرا من المعاملة القاسية لزوجة والده (تقهرت تقهرت تقهرت وعييت وسببي هي مرات أبي). .
وأشارت ذات المصادر، أن الطفل المتوفى طلب في وصيته أن يدفن قرب قبر والدته المتوفاة قبل بضع سنوات، موضحة أن الضحية كان يتعرض لممارسات قاسية من طرف زوجة أبيه وهو ما أكده شهود من الجيران.
وأمرت النيابة العامة باعتقال الأب وزوجته على اثر انتحار الطفل الصغير بشنق نفسه بواسطة حزام سرواله، وذلك بمجرد اطلاعها على فحوى الرسالة المؤثرة.
ووضع تلميذ يدرس بالسنة الثالثة ابتدائي يبلغ من العمر 9 سنوات من دوار الغنايمية من معتمدية السوق الجديد بتونس، مساء الأربعاء 22 يناير 2020، حدا لحياته شنقا بخرطوم مياه في شجرة زيتون خلف الاقسام داخل أسوار المدرسة الإبتدائية بالزفزاف ولاية سيدي بوزيد بتونس .
التلميذ يعاني من الفقر والتهميش ولا يتوفر حتى على حداء، مع العلم أن هذا الحادث المؤلم يعد الثاني من نوعه بنفس المدرسة الابتدائية في ظرف شهرين .
وعاشت مدينة صفرو على وقع أغرب عملية انتحار في المدينة، ليلة الجمعة/السبت22 فبراير 2014 حين وجد طفل في منزل عائلته، بحي « بنصفار »، مشنوقا، خاصة وأن الطفل لا يتجاوز عمره تسع سنوات. وطبقا للمصادر، فإن الطفل، وهو وحيد العائلة، عمد إلى شنق نفسه، في وقت كان فيه والداه خارج المنزل. وعثر الوالدان بعد عودتهما إلى المنزل، على ابنهما جثة هامدة، قبل أن يطلقا صرخات استغاثة أدت إلى إعلان حالة من الهلع في صفوف الجيران الذين صدموا بهول الحادث.
ووضع تلميذ في ربيعه الخامس عشر، يتحدر من قبيلة الزوا، حد لحياته شنقا بمقر سكناه بحي لمحاريك الهامشي بمدينة تاوريرت، مساء الإثنين 02 يوليوز 2012، بعد أن تأثر كثيرا من عملية رسوبه في امتحان نيل شهادة السنة الثالثة إعدادي، خاصة أنه كان حسن السلوك ومواظبا على دراسته، مما خلف حرقة في قلوب أفراد أسرته وزملائه ومعارفه.
وأقدم تلميذ من مواليد 1997، على وضع حد لحياته شنقا بواسطة حبل علقه إلى شجرة بغابة فدان الخيل بمحيط دوار بني معلا التابع لجماعة سيدي لحسن القروية بإقليم تاوريرت. وانتحرت طفلة تبلغ من العمر حوالي 12 سنة، شنقا بواسطة حبل، زوال السبت 17 شتنبر 2011، بسطح منزل أسرتها بوجدة، حيث استغلت الطفلة الصغيرة تواجد أسرتها بالطابق السفلي للمنزل. الطفلة تعرضت لصدمة قوية خلال صيف 2011، حينما كانت منهمكة في اللعب واللهو رفقة صديقتها التي هوت على الأرض واعتقدت في البداية أن الأمر يتعلق بسقوط عادي يندرج ضمن طقوس اللعب قبل أن تكتشف أن رفيقتها فارقت الحياة بين ذراعيها وأمام عينيها على إثر إصابتها بأزمة قلبية.
وأقدم طفل لا يتجاوز عمره 15 سنة، مساء السبت 7 يناير 2012، على الانتحار شنقا بمنزل والديه بمدينة بركان، بعد أن استغفل الطفل الهالك الذي كان يعاني من اضطرابات نفسية أفراد أسرته ودخل الحمام، مساء نفس اليوم، وربط خيط حذائه بإحدى أنابيب شبكة الماء وعلق نفسه بعد أن صعد على كرسي.
وفارق تلميذ داخلي بإعدادية علال بن عبدالله بتاوريرت، خلال فبراير 2006، الحياة بعد تناوله لمادة سامة تستعمل في قتل الفئران، دون معرفة الأسباب الذي جعلت هذا الطفل يقدم على فعله بمنزل أسرته الكائن بمنطقة لقطيطير بسيدي شافي بإقليم تاوريرت.
وأقدم أحد التلاميذ الصغار بالمدرسة الابتدائية المختار السوسي بتاوريرت على محاولة الانتحار، الخميس 8 دجنبر 2005، بإلقاء بنفسه من الطابق الأول. وتم نقل التلميذ إلى المستشفى الإقليمي بتاوريرت ولم يصب الطفل الصغير بأي رضوض أو كسور أو جروح جراء السقطة بعدما أجريت الفحوصات الطبية الضرورية. وبعد تفتيش جيوب الطفل عادل تم العثور على ورقة بمثابة رسالة كتبها بخط يده موجهة إلى والديه يقول فيها « آسف أبي، آسف أمي لم أنجز تماريني المنزلية فطلبت مني أستاذتي إحضار أبي ».
مرضى التوحد من الأطفال هم الأكثر إقداما للانتحار
أكد الطبيب النفساني أن الطفل لا يفكر في الانتحار إذ لا يدرك معناه ولا يعيش أحاسيس البالغ المصدوم الفاقد لطعم الحياة، والحالات التي يتم تسجيلها في هذا الموضوع تتعلق بحوادث تتعلق بحالة اكتئاب حادة أو تأثر بمشهد من المشاهد لكن هي معروفة لدى الأطفال التوحديين، لذا وجب التنبيه.
بالفعل، دقت دراسة طبية ناقوس الخطر من أن مرضى التوحد من الاطفال هم الاكثر عرضة للإقدام على الانتحار بالمقارنة بأقرانهم من الاصحاء. وكان فريق من الباحثين قد قام بتحليل بيانات طبية تم جمعها لأكثر من 791 طفلا يعانون من مرض التوحد بالإضافة إلى 35 آخرين يعانون من اضطرابات عقلية ونوبات اكتئاب مع الاخذ في الاعتبار العرقيات المختلفة وعامل السن والبيئة الاجتماعية التي نشأ فيه هؤلاء الاطفال.
وأشارت المتابعة إلى أن ما يقرب من 71% من مرضى التوحد من الأطفال أقدموا على الانتحار أكثر من مرة مقابل مرة واحدة للفئات الاخرى أو من الاصحاء. كما أسهمت نوبات الاكتئاب بنسبة 23% في زيادة مخاطر الاقدام على الانتحار بين الاطفال الذين يعانون منها.
انتحار أطفال بعد مشاهدة مسلسلات كارتونية
ثلاثة أخبار نزلت، خلال شهر مارس 2012، كالصاعقة على سكان قرى نائية، في ولاية محافظة تيزي وزو بمنطقة القبائل الكبرى وسط الجزائر ثلاثة أطفال لا يتجاوز سنهم الـ 12 سنة انتحروا بطريقة متشابهة وفي توقيت متزامن بعد عرض المسلسل الكرتوني « المحقق كونان ».
واهتزت قرية آخرين التابعة لبلدة تيزي راشد على خبر انتحار التلميذ كريم أمقران المدعو زيدان وهو من مواليد 1999 في الصف التاسع وكان من المفترض أن يجتاز شهادة التعليم الابتدائي وكان من بين الأطفال المتلهفين لتنفيذ ما يشاهده في المسلسل الكرتوني « المحقق كونان ».
وصرح زميله في المدرسة محمد أمين أن زيدان كان يردد دائماً أنه سيفعل مثلما فعل كونان، وهو مسلسل يبرز كيف يمكن شخصاً أن ينتحر أو يقتل نفسه بطريقة يمكنه بعدها العودة إلى الحياة.
والد الضحية أشار إلى أن ابنه الصغير خرج الى حديقة قرب منزل العائلة وربط حبلاً بجذع شجرة وانتحر على طريقة « كونان ».
وغير بعيد من هذه القرية فجعت قرية ابهال التابعة للولاية ذاتها بخبر مقتل « هني محند آكلي » من مواليد 2000 الذي انتحر على طريقة « كونان »، بحزام لباس الكاراتيه الذي يتدرب به، وذلك عقب مشاهدته إحدى حلقات المسلسل ذاته حسب والده. وأكدت الوالدة أن ابنها كان يتابع السلسلة الكارتونية التي تعرضها قناة « سبايستون » بشغف بعد عودته من المدرسة.
وتوضح أنه في إحدى الحلقات عرض مشهد مثير ومروع، انتحرت فيه إحدى الشخصيات شنقاً لأنها سئمت الحياة لتعود بعدها إلى الحياة ملؤها السعادة والهناء. وتقول الوالدة بحسرة: « يبدو ان محند آكلي تأثر بالحلقة وحاول تقليدها ولكنه فارق الحياة دون رجعة ».
15حالة انتحار أطفال لا يتجاوز أكبرهم 14 سنة، سجلتها الجزائر، خلال ثلاثة أسابيع فقط، وهزت المجتمع كله، بسبب تأثر الهالكين الصغار بأفلام كرتونية أصبحت تشكل خطورة كبيرة على الأطفال ما ترك المختصين في علم الاجتماع التربوي وعلم النفس يحذرون من عواقبها.
لشرح هذه الظاهرة عند الأطفال تقول المختصة النفسانية الجزائري سعيدة لعجالي: « مثل هذه المسلسلات أصبحت مشكلة حقيقية على الأطفال والأسر، وأهمها فقدانهم التركيز في الدروس وهوسهم الكبير بمتابعتها وإن كانت لا تتناسب مع أعمارهم »، مشيرة إلى أن « تلك الأفلام، وإن كرتونية، ليست معدة للأولاد وهو ما يجعل الأهل لا يميزون خطورتها » .
وتضيف الطبيبة أن هذه الحلقات تحرض على العنف في عمر لا يفرق بين الحقيقة والخيال، وتحض المختصة الأسر على متابعة أبنائها عند مشاهدتهم التلفزيون ما يعرض فيه من مسلسلات ورسوم متحركة، مشددة على أن « هناك العديد من البرامج التي تدفع الأطفال إلى ارتكاب جرائم مثل الانتحار والقتل وتعاطي المخدرات وتشجع أيضاً على الانحراف ».
ويؤكد زميلها المختص في علوم الإعلام والاتصال عمار بن عائشة من جانبه أن « المسلسلات الكرتونية أصبحت تشكل خطراً بشتى أنواعها، خصوصاً أنها لا تتناسب في بعض الأحيان مع تركيبة المجتمع ». محملا الأسـرة المــسـؤولية الكـبرى عن هذه الأحداث، مشيراً إلى أن « الـعديد من الآباء لا يتابعون أبنـاءهم عند مشاهـدتـهم التلـفزيون، خصوصاً أن مخاطر مشاهدة بعض البرامج المسلسلات أصبحت أكبر من فوائدها ».
المراهقة والتصرفات الخطيرة كقتل النفس
المراهقة فترة صعبة جدا ويقع انقلاب في شخصية المراهق ويجب أن نعرف أن المراهق يعيش هو كذلك نوعا من السكيزوفرينيا، نوع من انفصام الشخصية مؤقت بحيث يطرأ تغيري فيزيولوجي عليه وهو يحس بذلك وتصاحبه نفسيا ثورة هرمونية على مستويات عدة. يتغير المراهق بتغير صوته وعضلات جسمه وإحساساته كما تتغير الفتاة على مستوى بعض أعضاء الجسم.
طفل البارحة أصبح شابا اليوم ، لكن ما زالت تمارس عليه ضغوطات من مكونات المجتمع يرفضها بأفعال يترجمها في بعض الأحيان إلى سلوكات مرضية عند البعض الذين تكون لهم قابلية للوقوع في بعض الاضطرابات والتصرفات الخطيرة كقتل النفس أو قتل أحد الأقارب.
إذن هذه الثورة وقعت في فترة معينة لشخص معين في ظروف معينة، يؤكد أطباء النفس، بالإضافة إلى هذا، يمر المراهق بفترة من الاكتئاب الشديد لخصوصيات معينة كعدم رضاه بوضعيته الاجتماعية أو علاقاته مع أفراد أسرته أو أصدقائه وزملائه أو عجزه عن تلبية رغباته.
ومن جهة أخرى، يمكن أن تقع له صدمة كأن يكتشف حقيقة مرة في حق والديه أو في حق أحدهما مع العلم انه يعتبرهما مثالين في حياته وإذا انهارت هذه الصورة أو أشير إليها بسوء فيمكن أن يقع اختلال في توازن الطفل أو المراهق ويقدم على أخطر الأفعال.
Aucun commentaire