ما الدافع وراء مطالبة المجلس العلمي الأعلى بالإفتاء لصالح الإجهاض؟
بسم الله الرحمن الرحيم
ما الدافع وراء مطالبة المجلس العلمي الأعلى بالإفتاء لصالح الإجهاض؟
ورد على صفحات جريدة هسبريس الإلكترونية بتاريخ 4 دجنبر 2019 مقالا لأحد المداومين على الكتابة في هذه الجريدة، تحت عنوان: رسالة إلى أعضاء المجلس العلمي الأعلى، وهو عبارة عن مطالبة المجلس بالإفتاء لصالح الإجهاض، مستعملا أسلوبي التبرير والتهديد في نفس الوقت، مع نبرة استعلائية واضحة تتمظهر من خلال تعمده إعطاء دروس لأعضاء المجلس، بتذكيرهم بمقاصد الشريعة الإسلامية، وبأن الفتاوى التي تعالج الإجهاض هي اجتهادات بشرية وليست نصوصا قطعية إلى غير ذلك مما يعج به المقال من مواقف شبيهة بتلك التي يتبناها المعلم أمام تلامذته.
إن اللافت للانتباه في هذا المقال هو استشهاد صاحبه بالقرآن والسنة ليطالب بأمر غريب عنهما. وتوخيا لوضع المقال في إطاره الصحيح، ورفعا لكل لبس قد يقع فيه قارئه، نقول له بأن المنطق يقتضي منه توضيح الدائرة العقدية التي ينطلق منها قبل أن يطالب المجلس الأعلى بفتوى من هذا القبيل، وبما أنه لم يفعل فإنه من حقنا أن نتعامل مع مطالبته هذه وفق احتمالين اثنين لا ثالث لهما احتراما لقانون عدم التناقض العقلي:
الاحتمال الأول هو أنه يتكلم من خارج دائرة الإسلام، وفي هذه الحالة نقول له إذا كنت فعلا كذلك، لكونك علمانيا تَعتبِر أن الدين خرافة، وأن نصوصه أصبحت متجاوزة وغير صالحة لهذا الزمان ولا تساير الواقع، أو أنك تنكر وجود الله أصلا، وهذا من حقك ولا أحد يمكن أن يرغمك على تغيير معتقدك، إذا كنت ضمن هذه الدائرة نقول لك اترك هؤلاء الرجعيون الماضويون لحال سبيلهم ليعيشوا تخلفهم كما شاءوا انطلاقا من مبدأ الحرية الذي تنادون به قبل غيركم، واترك المجلس العلمي وشأنه لأن أمره لا يعني أصحاب هذه الدائرة ما داموا يطالبون أصلا بفصل الدين عن الدولة، وهو ما لا يستقيم مع طلب الشرعية من المجلس العلمي الأعلى المعبر عنه في المراسلة، مع العلم أنكم تعيبون على المحسوبين على المرجعية الإسلامية استغلالهم للدين؟
أما الاحتمال الثاني هو أنه يتكلم من داخل دائرة الإسلام، وفي هذه الحالة نقول له، إن الانتماء إلى الإسلام تُقَيِّده ضوابط وشروط لا يتعين القفز عليها أو الاستخفاف بها مصداقا لقوله تعالى: « وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا(الآية 36 من سورة الأحزاب)، ومن هنا فإن مراسلتك للمجلس العلمي الأعلى يمكن أن تَرِدَ إما على أساس أنك شخص عادي استشكل عليك الأمر في قضية الإجهاض وتريد أن تعرف حكم الشرع فيها لتعمل بمقتضى هذا الحكم. وفي هذه الحالة يتعين عليك أن تسأل مع كل ما يتطلبه سؤال أهل العلم من تأدب وتوقير، لا أن تأمرهم كما فعلت، حتى إذا أفتوك فما عليك إلا أن تُنَفِّذ فحوى الفتوى مع العلم أنهم أصبحوا هم المسؤولون عن نتائج تنفيذها. كما يمكن لمراسلتك أن تَرِدَ على أساس أنك من أهل العلم والمعرفة وتتوخى في نفسك النّدّية لأعضاء المجلس لمجادلتهم في المسألة انطلاقا من مركزك العلمي التخصصي، وهو الأمر الذي حاولتَ إبرازه في مقالك، وفي هذه الحالة أنصحك بالترشح لعضوية المجلس الأعلى حتى إذا حصلت عليها كان ذلك إيذانا بقيام الساعة، ذلك أن ولوج منصب الاجتهاد والإفتاء يتطلب شروطا قلما توفرت في جهابذة العلماء، أما أن تتطفل على اختصاص ليس من شأنك، بمحاولة لَيِّ أيدي أعضاء المجلس بتأويل مضمون الدستور بخصوص خطب جلالة الملك من جهة وحقوق الإنسان المسماة كونية وما هي بكونية من جهة أخرى، فهذا لا يفيدك في شيء، وحتى التلويح برقم 800 حالة إجهاض يوميا يطرح إشكالا من حيث صحته ومن حيث المسؤول عنه، أما من حيث الصحة نَودُّ معرفة الآليات المعتمدة في الإقرار به وأين وقع إجهاضهن، هل في البيوت أم في العيادات والمستشفيات؟ فإذا وقع ذلك في البيوت فلا بد أن هذا يقع للمُعوِزات اللواتي لا يستطعن دفع المقابل، أو لأنهن لا يُردن أن يُعرف فِعلهن، ومن ثم فما هي وسائلك لضبط العدد؟ وأما إذا وقع في المستشفيات والعيادات فالسؤال المطروح هو كم هو عدد هؤلاء النسوة اللواتي تم حبسهن أو سجنهن بسبب هذا الفعل المخالف للقانون؟ ثم بعد هذا كله فإن كنت تعرف تفاصيل هذا العدد الكبير من المجهضات فإنك مخالف للقانون ويجب محاسبتك على عدم التبليغ. أما فيما يتعلق بالمسؤولية فلا شك أنها تكمن من جهة في التطبيع مع هذا النوع من الممارسات الذي تعمل مجموعة من الجمعيات المُدَعَّمة من الخارج على إشاعته في المجتمع، ومن جهة ثانية في عدم تطبيق القانون الذي يُجرِّم هذا الفعل، ذلك أنه إذا اعترفنا جدلا بوجود 800 حالة إجهاض يوميا فإن ذلك يعني أن حالات الزنا التي لم يترتب عليها إجهاض هي أكبر من ذلك بكثير. وإذا كان الأمر على ما هو عليه مع وجود القانون، فكيف سيكون في حالة صياغة قانون يرفع عنه التجريم.
هذا من جهة، من جهة ثانية، من يَضْمن لنا أن هؤلاء النسوة سيعُدن إلى رشدهن ويرغبن عن فاحشة الزنا بعد عملية الإجهاض؟ ثم إن توفر وسائل منع الحمل إما مجانا وإما بثمن بخس يجعل من عملية الإجهاض أمرا غير ذي معنى. ويبقى التفسير الوحيد للمطالبة برفع التجريم عن الإجهاض هو المرور من خلاله إلى رفع التجريم عن الزنا ومن ثم إلى رفع التجريم على كل الممارسات المحرمة شرعا ليخلو الجو إلى دعاة الإباحية والحرية الفردية والتضييق على كل ما له علاقة بالدين الإسلامي الحنيف.
إن المتأمل في هذه المراسلة يتبين له أنها ليست تجاسرا على المجلس العلمي الأعلى فحسب، وإنما هي تجاسر على الأمة المغربية بكاملها ودستورها الذي ينص على أن الإسلام دين الدولة، والأخطر من ذلك هو التجاسر على الله سبحانه وتعالى من خلال العمل على تجاوز مقتضيات النص الصريح الذي لا يقبل التأويل الوارد في الآية32 من سورة الإسراء حيث يقول جل جلاله « وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ». ومن المعلوم أن هذا التجاسر يتم على جبهات متعددة في تقسيم شيطاني للأدوار لمختلف مكونات هذه الشريحة المدعومة خارجيا، فهذا يراسل المجلس العلمي الأعلى و »ائتلاف 490″ يوجه عريضة إلى البرلمان يلتمس فيها إلغاء التجريم عن كل الأفعال التي تندرج في إطار الحريات الشخصية، وفئة تتوسل ترسيم الدارجة في العملية التعليمية لضرب اللغة العربية في العمق، وفئة تستهدف الثقافة من خلال العمل على إحلال الأمازيغية محل العربية، وهكذا تتنوع الأدوار لكنها تتكامل وتلتقي عند هدف واحد ألا وهو ضرب مقومات الأمة وعلى رأسها اللغة العربية والدين الإسلامي.
ختاما أقول لكل من يحارب مقومات هذه الأمة وهو يعتقد أنه بذلك يعمل على إصلاح شأنها، بأنه واهم وأن النتائج المدمرة التي ستنتج لا قدر الله عن نجاح مخططهم سوف تأتي على الأخضر واليابس، وأن لا أحد ينجو منها. ولنا أن نعتبر بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المعروف بحديث السفينة: عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا؛ كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا، وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِن الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا» (رواه البخاري).
الحسن جروديِ
Aucun commentaire