دور الدين في تحقيق أهداف التنمية البشرية
أحمد الجبلي
لعل جل المشاريع التي تعمل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على إنجازها تروم تحسين فرص الاندماج الاجتماعي وتعزيز السلوك المدني وقيم المواطنة والتخفيف من مظاهر العنف المدرسي داخل المؤسسات التعليمية، وهي أمور يلعب الدين فيها دورا حاسما يفرض على المبادرة الأخذ بعين الاعتبار المشاريع التي تعتمد على الدين في تحقيق الأهداف المنشودة.
فما دور الدين إذن في تحقيق الإدماج الاجتماعي وتعزيز السلوك المدني وقيم المواطنة والتخفيف من مظاهر العنف المدرسي؟
إن الدين الإسلامي الذي هو الدين الرسمي للمغاربة، ظل منذ القرن الثاني وهو يقوم بدور الرابط بين جميع المواطنين حيث جعلهم ينصهرون في بوثقة واحدة وعلى نسيج اجتماعي واحد تميز بمجموعة صفات وخصال من شأنها أن تحقق التعاون على الخير ومحاصرة أي سلوك شاذ يطمح لتمزيق هذا النسيج أو خلخلته.
إن الوحدة الداخلية للمجتمع هي الكفيلة بتحقيق التنمية بجميع أبعادها عندما يتم تعبئتها بالمبادئ والقيم الإسلامية التي لا تتحول لكونها ثابتا يتأسس على أصول الدين التي لا تتغير وهي القرآن والسنة، وإذا كانت تنمية العقول هي الأصل في كل تنمية فإن أول ما نزل من القرآن الكريم قوله تعالى « اقرأ باسم ربك الذي خلق » وثاني ما نزل (نون والقلم وما يسطرون) وآخر ما نزل (يا ايها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب) والإسلام قد جعل أول العلم العلم بالله حتى يتشكل وعي الإنسان من داخل دائرة الشعور بالمراقبة الإلاهية المباشرة والتي هي وحدها من يحقق قمة الإنجاز في العمل على اعتبار أن العمل لا يقبل إلا إذا كان كاملا ينجز بصدق وعزيمة وتفان دون أدنى سمة من الغش أو التقاعس والتردي « خير الأعمال أدومه وإن قل » « من غشنا ليس منا ».
فكل المشاريع التي تم التلاعب بها وكل البنايات التي سقطت والأسقف التي انهارت فلو كان أصحابها والمشرفون عليها يعيرون للدين وزنا ويجعلونه جزءا من حياتهم لما انهارت تلكم البنايات ولما ضاعت تلكم المشاريع التي كلفت المبادرة مبالغ خيالية، ولما ضاع الشعب المغربي في مشاريع كان من الممكن أن تنقذ مريضا أو تسعد مكلوما.
إن أزيد من 360 آية في القرآن الكريم تحث على العمل، مما جعل العمل في الإسلام مقدسا لأنه سبب نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة، فجعل اليد العليا أفضل من اليد السفلى، وفضل الإنسان الذي يأكل من عمل يده وتحدث عن الأنبياء وأبرز أنهم كانوا كسابين عاملين لا يعتمدون على أحد في كسب أقواتهم فجعلهم إسوة للناس وبهم يقتدون وبنهجهم يهتدون.
وأما عن المواطنة وأهمية الوطن في حياة الإنسان، فيكفي أن القرآن الكريم قد ربط حبّ الأوطان بحبّ النفس، حيث قال الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ) وليس من السهل أن يفارق المرء وطنه الذي عاش في كنفه، ولذلك اعتُبرت هجرة الصحابة -رضي الله عنهم- من أعظم فضائلهم، فقد بذلوا وطنهم في سبيل الإسلام والدعوة، وممّا يؤكّد حب الإنسان لوطنه أنّ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- عندما هاجر إلى المدينة المنورة توجّه إلى الله -تعالى- بالدعاء أن يُحبّب المدينة المنورة إليه.كما خاطب مكة بقوله: » والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت » فهل بعد هذا الدعاء النبوي الشريف حديث أقوى في إثبات مدى أهمية الوطن، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم بُعث للناس أجمعين وكل أناس في الأرض إلا ويتمنون لو كان وطنهم هو وطن الرسول الكريم، ولكنه الوطن الذي ولد فيه المصطفى ونشأ فيه، فهو لا مثيل له في قلبه وأفضل من كل وطن في هذا الوجود.
وأما على مستوى الاندماج الاجتماعي فيكفي أن أول مشروع وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة بعد وصوله إلى المدينة مهاجرا هو بناء المسجد، لأن المسجد هو المكان الذي يجمع الناس ليقولوا معا (اهدنا الصراط المستقيم) ولو قال أحدهم » اهدني الصراط المستقيم » لكان حرف القرآن ولما صحت صلاته. فالصلاة تمثل الأنموذج الاجتماعي الذي يربي الناس على أن ما يكونوه في مجتمعهم ودولتهم. إذ الناس يطيعون قائدهم الإمام، ويصطفون صفا واحدا وراءه، لا يختلفون عنه، وإن فعل أحد ما ورفع رأسه قبله يشك في إنسانيته، فهي تعلم النظام، ابتداء من احترام الوقت والمواعيد (إن الصلاة كانت على المومنين كتابا موقوتا) تعلمهم القيام بالواجبات والانضباط حتى ولو كان العمل ليلا أو نهارا، تجعل الناس يتعارفون على بعضهم لا فرق بين فقيرهم وغنيهم…فأي برنامج قد يحقق كل هذه المزايا وهذا الاندماج غير المسجد؟
أما العنف المدرسي، فإن علماء الإسلام قد كتبوا الشيء الكثير في أدب طلب العلم من ذلك نذكر: أخلاق العلماء للآجوري –الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي – أدب الإملاء والاستملاء للسمعاني – أدب المجالسة وحمد اللسان لابن عبد البر- تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم- زغل العلم للإمام الذهبي-
وغيرها من الكتب التي قد ملأت المكتبة الإسلامية والتي كان محتواها من الأدب والسلوك في طلب العلم ما يجعل الطلاب لا يجدون وقتا للعبث بله أن يجدوه في ممارسة العنف والطغيان لأن سمة العنف والطغيان لا وجود لهما على الإطلاق في التاريخ الإسلامي، بل الطلاب كانوا يقدرون شيوخهم ومعلميهم ويتنافسون حتى في جلب أحذيتهم وإن كان هؤلاء الطلاب أمراء ومشاريع خلفاء هم من سيحكم مستقبل الدولة.
فإذا كانت كل الدول التي تريد الخير لنفسها وأبنائها تبحث في النماذج والتجارب الإيجابية الناجحة وذلك حتى يتم نقلها واعتمادها، أو على الأقل الاستفادة منها، فإن لنا في ديننا وتاريخنا الإسلامي ما يجعلنا نصنع تنمية بشرية لا مثيل لها في كل هذا الوجود وعلى جميع المستويات.
Aucun commentaire