آفة العلاقة الزوجية اجتراء الزيجات على قوامة الأزواج وردود أفعال هؤلاء على ذلك
آفة العلاقة الزوجية اجتراء الزيجات على قوامة الأزواج وردود أفعال هؤلاء على ذلك
محمد شركي
من المسلمات بالنسبة لأهل الإيمان أن الحق المطلق الذي لا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلفه، هو كتاب الله عز وجل الذي تعهد سبحانه بحفظه مصداقا لقوله عز من قائل : (( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )) ، وكذا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم . ومن يستقي معرفته من هذا الكتاب، ومن سنة الرسول عليه الصلاة والسلام لا يضل أبدا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : » تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه « ، وفي رواية أخرى : » إني قد خلفت فيكم اثنتين لن تضلوا بعدهما أبدا كتاب الله وسنتي « .
ومعلوم أنه من يعتمد كتاب الله عز وجل لا تدحض حجته ، ولا يرد قوله لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضمن ما قاله عن القرآن الكريم : » ….هو الذي لا تزيغ به الأهواء ، ولا تلتبس به الألسنة ، ولا تتشعب مع الآراء …. فمن قال به صدق ، ومن حكم به عدل … » .
ولقد حذر سول الله صلى الله عليه وسلم من الضلال عنه حيث قال : » ما ضل قوم بعد هدى إلا أوتوا الجدل « ثم تلا قول الله عز وجل : (( ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون )). ومعلوم أن الجدل هو شدة الخصومة بالباطل .
ولقد فشا اليوم في الناس الجدل بسبب ضلال بعد هدى كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومن الأمور التي طالها جدل المجادلين العلاقة الزوجية ، وهي نعمة امتن بها الله عز وجل على الخلق فقال : (( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة )) ، إنها علاقة جعل الله عز وجل أساسها المودة والرحمة المتبادلتان بين الأزواج ذكورا وإناثا وهما عبارة عن أخذ وعطاء حيث يأخذ كل طرف بقدر ما يعطي لتستقيم هذه العلاقة التي وصفها الله عز وجل بالميثاق الغليظ لرفعة شأنها عنده ، ولكونه طرفا فيها يشهد على من يرتبطون بها ، ولكونه ضامنا وكفيلا .
ومعلوم أن المنتسبين إلى دين الإسلام يصرحون ساعة الارتباط بالعلاقة الزوجية أنها وفق كتاب الله عز وجل ووفق سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، الشيء الذي يعني أنهم يشهدون الخالق سبحانه الذي يعلم السر وأخفى على أنهم يعرفون قدر الميثاق الغليظ بينهم وموجباته ، وأنهم ملتزمون بمودة ورحمة متبادلة بينهم ، بل أكثر من ذلك لا يترددون في التعبير عن المودة ،وهي شدة المحبة مع كامل الوئام بشتى العبارات و الطرق والأساليب ، ويرددون ذلك بشكل مبالغ فيه ،ولا يملون بل يرون في ترديد ذلك زيادة في للمودة بينهم ، ويرتاحون لذلك إذا فعلوا، بل يطلبه بعضهم من بعض ذلك ، ويسال بعضهم بعضا عنه ، ويخاطب بعضهم بعضا بأرق الكلام وأعسله ، وينعت بعضهم بعضا بألطف وأحب النعوت حتى يصير بعضهم عين بعض أو قلبه أو روحه … أو شيئا مما يكبر في عيونهم .
ومع مرور الأيام ،وقد لا تتجاوزذلك أحيانا ما يسمونه شهر عسل أو لا يتجاوز حتى ما يسميه المغاربة أسبوع « الباكور » ، والباكور هو أول ما ينضج من الثمر ، ويطلق تحديدا على أول ما ينضج من ثمر التين ،لأنه لا يطول محصوله طويلا ، ويضرب ذلك مثلا لكل ما لا يدوم طويلا ، فيقل استعمال الكلام المعسول بين الزوجين شيئا فشيئا ، وتبدأ علاقتهما في الفتور، ويبدأ كل طرف يعد ويعدد عيوب الآخر ، وينفخ الشيطان بينهما نفخاته المسمومة ،وهو الذي يعتبر أفضل ما يقوم به من فساد في الأرض هو إفساد المودة بين الأزواج كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : » إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه، فأدناه منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا ، فيقول ما صنعت شيئا قال ثم يجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته قال فيدينه منه ، ويقول نعم أنت « وهل يوجد أشنع من تقويض ميثاق وصفه الله عز وجل بالغليظ ، وهو طرف فيه وضامن ووكيل ؟
وإذا كان الأمر كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن الأزواج أكثر الفئات استهدافا من طرف سراياه إبليس، بحيث لا تفوتهم فرصة دون الكيد لتقويض العلاقات الزوجية . ومعلوم أن سرايا إبليس تتكون من جن وإنس كما أخبر بذلك الله عز وجل في قوله : (( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا )).
وأخطر سرايا إبليس الإنس منهم لأن عبرهم تمرر سرايا الجن ما يريد من كيد بأزواج يثقون ثقة عمياء في سرايا الإنس خصوصا إذا كانوا من أقاربهم ومعارفهم الذين يظهرون لهم المودة وهم ألد الخصام ، والألد هو الأعوج الذي يكذب ويزور الحقائق بغية الفساد والإفساد .
وقد يبدأ الخلاف بسيطا بين زوجين سببه اختلاف طبع أو عادة أو سوء فهم وتفاهم ، فتركبه السرايا الشيطانية جنا وإنسا يوحي بعضها إلى بعض زخرف القول غرورا مما يصيّر هذا الخلاف كبيرا وفي غاية التعقيد والخطورة ، فيكون ذلك سببا في حلول الكراهية محل المودة والقسوة محل الرحمة ، وقد ينتهي ذلك بأبغض الحلال عند الله عز وجل ، وتترتب عنه مآسي حين يكون بينهما أبناء صغار يصبحون ضحايا ولا ذنب لهم .
ومن مداخل سرايا إبليس إنسا وجنا للإفساد بين المتزوجين الدفع في اجتراء الزيجات على قوامة الأزواج، وهو فعل يترتب عنه رد فعل ، فتفسد العلاقة الزوجية بتحول المودة والرحمة إلى نقيضيهما حتى يبلغ الأمر حدا لا أمل معه في عودة المياه إلى مجاريها ، وصدق من قال وهو قول منسوب لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه :
إن القلوب إذا تنافر ودها = مثل الزجاج كسرها لا يجبر
ومعلوم أن قوامة الرجال على النساء شرع شرعه الله عز وجل ، وشرعه لا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلفه ، ولم يكن يطرح مشكلا لدى السلف الصالح الذين كانوا على يقين من نزاهة شرع الخالق ، وعلى دراية تامة به ، ولكن مع تراخي الزمن حدثت رقة في دين الأمة المسلمة ، فانصرفت عن شرع ربها إلى ما يضعه الخلق من شرائع قوامها الأهواء خصوصا أهل الكتاب الذين دخل الباطل كتبهم بسبب تحريفها، وهو ما جعلهم ينصرفون عنها انصرافا إلى ما يسمونه اللادين ، وهو عبارة عن عبادة الأهواء ،وتأليه المخلوق وإحلاله محل الخالق تعالى عما يصفون علوا كبيرا.
وبفعل التفوق المادي والتكنولوجي لأمم الغرب وهم أهل الكتاب المحرف الذي انصرفوا عنه بسبب طغيان مادي كرس لديهم فكرة تأليه الإنسان، وقع كثير من المحسوبين على دين الإسلام ضحايا تقليدهم ظانين أن التفوق المادي والتكنولوجية لهؤلاء يعني بالضرورة سداد وصواب قيمهم ، فقلدوهم في تصوراتهم وأفكارهم ونمط عيشهم ، وأسلوب العلاقات لديهم بما فيها علاقة الزواج التي لا وجود فيها عندهم لما يسمى قوامة الرجال على النساء ، وتابعهم في ذلك تبعية المغلوب للغالب على حد قول عالم العمران عبد الرحمان بن خلدون رحمه الله تعالى ، فنشأ عن ذلك خراب العلاقات الزوجية عند المسلمين حيث صارت النساء ترفض ما فضل به الله عز وجل الرجال من قوامة ، وصرن ينازعنهم فيها ، ويسعين لإبطالها حتى بلغ الأمر ببعضهن اختزالها في التبول وقوفا ـ شرف الله قدر القراء الكرام ـ كما صرحت بذلك بعض العلمانيات في أحد البلاد العربية ، وهن يطالبن بمراجعة أنصبة الميراث ، ويرفعن تحديا على حد قولهن مفاده أنهن يستطعن أيضا التبول واقفات كما يفعل الرجال وما أظنهن فاعلات ، وهو في نظرهن ما يبيح لهن الحصول على نفس الأنصبة من الميراث .
وباختزال قوامة الرجال على النساء في توافه الأمور كالتبول وقوفا وما شابه ذلك اجترأت الزيجات على الأزواج ، وبدأت عملية نقض الميثاق الغليط ، وعملية هدم المودة والرحمة ، وصارت الزيجات تعاملن الأزواج أسوأ معاملة ، وما بقي إلا أن نرى الواحدة منهن تضع في عنق زوجها خطاما أو زماما مما تزم وتقاد به البهائم أو الكلاب ، ويبدو كأنه عبد من الرقيق يأتمر بأمرها ، ولا يعصي لها أمرا مما توحيه به لها سرايا إبليس جنا وإنسا .
وتضرب كثير من الزيجات صفحا عما شرع الخالق مقابل الإقبال على سوء التشريع الوضعي المفسد للعلاقة الزوجية كما أراد لها شرع الله عز وجل ذلك، وينحدر التشريع الوضعي بها إلى الدرك الأسفل من الحضيض حيث يحكمها سوء أدب وسوء عشرة وكراهية ومقت بعدما كانت ميثاقا غليظا قوامه المودة والرحمة.
ومن شرع الله عز وجل المضروب عنه صفحا عند بعض الزيجات قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : » لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها « ولما كانت » لو » حرف امتناع لامتناع ، وأن السجود لا يكون إلا لله تعالى ،فالمقصود من الحديث هو التشديد في أمر طاعة الزوجة زوجها فيما شرع الله عز وجل بسبب قوامته عليها . ولقد صارت بعض الزيجات المحسوبات على الإسلام بسبب متابعتهن الغربيات وتقليدهن التقليد الأعمى في سلوكهن مع أزواجهن يعتبرن أوامرهم لهن فيما يعتبر من حقوقهم من مطعم أو مشرب أو مضجع … أوغير ذلك مما تقتضيه القوامة إهانة لهن يحق لهن التمرد عليها وعصيانها ، ولم يعد هجر المضاجع ، وهو علاج نشوز الزيجات من اختصاص الأزواج بل صار وسيلة من وسائل الضغط بيد الزيجات ،وهن تتجاهلن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : » إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت ، فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح » . وكيف لا تلعن الملائكة من تستحوذ عليهن سرايا إبليس جنا وإنسا ، وتنفخ فيهن الكبرياء والتمرد والعصيان ، وتزين ذلك لهن ويعتبرنه نيل حظ من التحضر الذي بلغته العلمانيات الغربيات ؟
وحين يطفح الكيل بما يصدر من تمرد وعصيان ونشوز عن مقلدات سلوك الغربيات مع أزواجهن من المحسوبات على الإسلام من اللواتي يختزلن مع شديد الأسف إسلامهن في خرق تغطى بها رؤوسهن وأجسادهن ، تتنهي العلاقات الزوجية إلى طريق مسدود ، ويحدث المحظور الذي لا ينفع حينئذ معه ندم، ولات حين مندم .
Aucun commentaire