محاربة القيم: أهي الصدفة أم توزيع للأدوار؟
بسم الله الرحمن الرحيم
محاربة القيم: أهي الصدفة أم توزيع للأدوار؟
يعتبر التدافع بين قيم الخير وقيم الشر من الثوابت التي طبعت وستطبع تاريخ البشرية منذ نشأتها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وإذا كان مفهوما الخير والشر يختلفان باختلاف ثقافات الشعوب ومعتقداتها، فإن ذلك مرده إلى المرجعية التي تتبناها كل ثقافة وتُقرها المعتقدات التي تُؤطرها والتي تصاغ ضمن بنود دساتير يُفترض في الجميع، بسبب قيمتها الاعتبارية، احترامها والالتزام بها، بل والدفاع عنها بكل ما أوتي من قوة، كما يُفترض الاحتكام إليها في التمييز بين الخير والشر وكلما حصل سوء فهم بصددهما بين شرائح المجتمع.
إذا كانت هذه هي القاعدة العامة لدى شعوب وأُمَمُ المعمور، فما مدى سيادة هذه القاعدة في بلدنا الحبيب؟
سوف لن أتطرق في هذا المقال إلى مدى سريان هذه القاعدة على عموم أفراد المجتمع المغربي، لأنني لا أملك ما يكفي من المعطيات لمقاربة الموضوع مقاربة موضوعية من جهة، ولأني أُقَدِّر أن النخبة أَقْدَر على التأثير في المجتمع وتوجيهه إيجابا وسلبا، مقارنة بالتأثير الذي يمكن يحدثه عموم المواطنين. لذلك سأقتصر على ممارسات بعض نُخبنا ومسؤولينا والنظر في مدى التزامها بالدفاع عن القيم التي ينص عليها دستورنا وإلى أي مدى يمكن أن تنطبق عليها القاعدة العامة المشار إليها أعلاه. وحتى لا أثقل على القارء الكريم، سأكتفي بثلاث حالات لفتت انتباهي في الآونة الأخيرة وهي على التوالي:
الحالة الأولى تتمثل في مطالبة مدير الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، برفع دعم الدولة للقناة الثانية الذي بِدُونِه » تتهدد سلامة واستمرارية الاستغلال وتأمين الخدمة العمومية » حسب ما ورد في التقرير الذي عرضه أمام النواب البرلمانيين. وإذا كان هذا التقرير يوحي بأن صاحبه يحرص على تأمين « الخدمة العمومية » التي لا يمكن إلا أن تكون « خيرا للوطن والمواطن »، فإن استعراضنا لمسار هذه القناة منذ نشأتها كقناة خاصة ومرورا بإدراجها ضمن المجال السمعي البصري العمومي واستفادتها من الدعم والمُكوس على حساب مؤسسات حيوية، ووصولا إلى الحالة المادية المزرية التي تمر منها، يفصح بالإضافة إلى الإفلاس المادي، على حصيلة كارثية من زاوية القيم والثوابت التي يفترض أن تعمل على غرسها في المجتمع، ذلك أنها لم تَدَّخر جهدا في خدمة التوجه التغريبي الفرنكفوني والمحاربة العلنية والصريحة لكل ما يمت لقيم العروبة والإسلام المنصوص عليها بصريح العبارة في الدستور .
الحالة الثانية تتمثل في استماتة وزير الثقافة في الدفاع عن سياسة الميوعة التي تنشرها المهرجانات التي تروج لكل أنواع الفحش من خلال التطبيع مع ثقافة العري، واستهلاك كل ما تجود به زبالة المسمى فنا زورا وبهتانا، ولعل مثالي مهرجان الرباط والجهة الشرقية كافيان للاستدلال على ما أقول.
أما الحالة الثالثة فمسرحها قبة البرلمان، أين قامت إحدى البرلمانيات، ودون اعتبار لهذه المؤسسة التي ما أعتقد أنها كانت سَتلِج إليها لو أنها أفصحت عن نيتها اتجاه هذا الموضوع قبل أن يتم انتخابها، بالتطبيع مع العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج على اعتبار أن ذلك واقعا لا يرتفع، ومن ثم الترويج لمصطلح العلاقات الجنسية الرضائية وإحلاله محل مصطلح الزنا الشرعي لتصل إلى نتيجة غريبة مفادها أن الحل يكْمن في حرية الإجهاض دون قيد أو شرط.
لا أريد أن أدخل في مناقشة تفاصيل هذه الحالات وغيرها كثير، إلا أني أريد أن ألفت انتباه القارء الكريم إلى أن نهج سياسة التحلل من الدفاع عن القيم والثوابت الوطنية من قِبل أُناس ومؤسسات يفترض فيهم أن يَعُضُّوا عليها بالنواجد، أصبح أمرا يبعث على القلق خاصة عندما يخرج من إطار الصدفة الضعيف الاحتمال، إلى إطار قوي الاحتمال يتمثل في العمل ضمن شبكة يتم فيها توزيع الأدوار بين ألائك الذين سخَّروا أنفسهم عن قصد أو غير قصد لمحاربة كل القيم التي تجعل من الإنسان إنسانا يستحق التكريم، واستبدالها بممارسات تأباها حتى بعض الحيوانات، وذلك في تحد سافر للدستور ولكل فطرة سليمة. لذا فالمُعَوَّلُ على ما تبقى من أفراد النخبة، علماء ومسؤولين وممثلي الأمة، الذين لا زالوا يؤمنون بأن دورهم الأساسي يتمثل في تحصين المجتمع ضد تيارات الهدم الخارجية والداخلية على السواء من خلال نبذ الخلافات الهامشية والعمل على سن توزيع واعٍ للأدوار مُوازٍ لتوزيع الأدوار في الطرف المقابل، هدفه الوقوف بالمرصاد، في وجه ألائك المندسين في مختلف مرافق الحياة والذين يستغلون وضعهم الاعتباري لخدمة أجندات لا يمكن إلا أن تكون وبَالًا على البلاد والعباد. »إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ » صدق الله العظيم
الحسن جرودي
Aucun commentaire