المهم هو المشاركة ـ دلالات وأبعاد
"المهم هو المشاركة": دلالات وأبعاد
بقلم: نهاري امبارك، مفتش في التوجيه التربوي، مكناس.
تتردد منذ سنوات ليست باليسيرة عبارة " المهم هو المشاركة" من أعلى منابر متعددة، وفي محافل رسمية في إطار تظاهرات رياضية أو فنية أو مهرجانات ومسابقات متنوعة وعلى شاشة التلفزة وأمواج الإذاعة، ضمن برامج ثقافية وفنية وتربوية واجتماعية. ترد هذه العبارة في مناسبات متعددة، وتتكرر على مسامع المواطنين من مختلف المشارب والانتماءات السياسية والاجتماعية والثقافية، من تلاميذ وطلاب وعمال ورياضيين وفنانين وغيرهم. ترد هذه العبارة على لسان أشخاص كثيرين، من مواطنين عاديين أو مسئولين محليا وجهويا ووطنيا، مدربين ورؤساء نوادي وجمعيات رياضية ومنشطي برامج وحفلات وغيرهم، حتى شاعت بين صفوف لاعبين ورياضيين وأبطال عالميين، وانتقلت إلى فنانين، هواة ومحترفين، وغزت صفوف الطلاب والتلاميذ "ينشدونها" بعد الامتحانات والمباريات بنبرة طريفة.
إ
نها فعلا عبارة جميلة ذات رنة ناعمة، تنساب بشكل سلس، فتخترق الآذان بهدوء وتنزل بردا وسلاما على المستمع والمشاهد وحتى المشارك في تظاهرة أو مسابقة معينة، لتريحه عناء التفكير واسترجاع مختلف المشاهد والموافق التي أوصلته وضعيته، كما تعفيه من مناقشة وتحليل وضعيات مر منها وقادته إلى ما حل به في نهاية المطاف. إنها عبارة تختزل مسارا أو تاريخا في لحظات وجيزة، تخفف مشاق كثيرة على المتبارين والمشاركين والمتسابقين الذين يعيشون لحظة انهزام وإحباط عوض نشوة وانشراح. إلا أن وقعها التربوي والنفسي، وفي غفلة من الفرد، تنعكس سلبا على شخصه وتكوينه وتنشئته الاجتماعية بشكل عام.
إ
ان تكرار هذه العبارة بشكل مفرء وفي مواقف متعددة، جعلها تنتشر في الأوساط التربوية والاجتماعية، مما أدى إلى إشاعة ثقافة الرضوخ للأمر الواقع، للفشل، دون إبداء أي مقاومة. فينصاع الفرد بسهولة إلى الهزيمة ويتقبلها خائبا مستسلما دون حتى مجرد التفكير في عواقبها، ليصبح الإحباط أمرا مألوفا وملازما، ينساق إليه الشخص ويصبح جزء من حياته، ومن ثمة الاستسلام والوقوع بين مخالب الهزيمة التي تصبح قدرا لا محيد عنه أمام أحداث مختلفة، شخصية كانت أو اجتماعية، كما تصبح شبحا يطارد الفرد ويسيطر على مواقفه ويشل مبادراته الشخصية.
إن ترسيخ عبارة " المهم هو المشاركة" في ذات الفرد، تصبح جزء من إيمانه بحتمية الهزيمة فينساق وراء الأوهام ليرجع جميع أسباب الفشل إليه شخصيا، فيشعر بالذنب، ويحتقر قدراته الجسمية والفكرية، ليكتفي في مختلف المباريات والمسابقات والتظاهرات بمجهودات متواضعة ويرتمي بين أحضان الحظ والصدفة والثقافة الغيبية، إلى أن يسير الأمر به إلى الاعتقاد بالخرافة والشعوذة.
ومن كثرة تكرار هذه العبارة، أصبحت المشاركة لدى الفرد هدفا في حد ذاته، فأضحى دون شعور منه يسجل حضوره، دون تعميق التفكير في ما هو مطلوب منه وما ينتظره. وهكذا أصبح المشاركون في مختلف التظاهرات والمباريات يتباهون بالمشاركة غير عابئين بمرارة الفشل والهزيمة، لتبدو العبارة في شكل عزاء وتأبين لموت ضمير وروح قتالية واضمحلال المقاومة والتنافس نحو تحقيق النجاح والنصر والتغلب على الشدائد.
فعند سماع الفرد عبارة " المهم هو المشاركة" يتبادر إلى مخيلته أن الهزيمة والانتصار في تظاهرة معينة سيان، وأن الفشل والنجاح في مباراة معينة سيان، وأن الإحباط والإقدام في مواقف معينة سيان، فيستسلم للصدفة والحظ.
فإذا لم يحقق المرء حتى مقابل مجهود المشاركة، ناهيك عن مجهودات الاستعداد والتداريب، فلم المشاركة أصلا، إذا كان لا فرق بين ما هو سلبي وما هو إيجابي، بين النجاح والفشل، بين العمل والخمول؟
ومن شدة وطأة الإحباط والاستسلام للهزيمة والفشل، الاعتقاد باستحالة الانتصار والنجاح في مختلف الميادين، حيث يفتقد الفرد الروح القتالية ومواجهة الصعوبات والمشاكل في الحياة، فيبدو له تحمل المسؤولية من سابع المستحيلات، جراء فقدان الثقة في النفس والانتقاص من القدرات الشخصية وتلاشي الرغبة في العمل والانتاج.
فكيف يحقق الفرد النجاح؟ وكيف يسير نحو الفشل؟
إن الطموح والعزيمة والإرادة من أهم الدوافع للنجاح، حيث من خلالها يسطر الفرد أهدافا في حياته يعمل على تحقيقها مستندا لذلك على خطة وإستراتيجية واضحتي المعالم، معتمدا على ثقته بنفسه ومنكبا على العمل والبذل والعطاء والتحلي بالصبر والاستمرارية لتحقيق المبتغى.
لقد أثبتت البحوث العلمية في مجالي الصحة الجسمية والنفسية أن الفرد يتوفر على طاقة جسمية ونفسية كامنة على شكل استعدادات تدفعه نحو سلوك معين من أجل تحقيق الأهداف التي يرسمها لنفسه.
وعكس ذلك فإن الفرد يسير لا محالة نحو الفشل. ولو أنه من الصعب تحديد مواصفات الفرد الناجح والفرد الفاشل، حيث إن عناصر المقارنة متعددة ومتشابكة وتختلف باختلاف المجالات الحياتية والتركيبة النفسية للأشخاص وبيئة الانتماء والثقافة السائدة وغير ذلك من العوامل المادية والمعنوية: إن الشخص الناجح عند البعض قد يعد فاشلا عند البعض الآخر، والعكس بالعكس.
وبالعودة إلى العمود الفقري لموضوعنا " المهم هو المشاركة" فإن الشخص الفاشل عند سماعه هذه العبارة، أي تصور يمنح ذاته؟ كيف يقيم مجهوداته؟ وكيف ينظر إلى واقعه؟ إذ يثبت الواقع والدراسات أن تكلفة الفشل أكبر بكثير من تكلفة النجاح من حيث الجوانب التربوية والنفسية والاجتماعية.
فلننبذ ثقافة النجاح الخيالي، ولننشر ثقافة النجاح الواقعي، ونرسخها فعلا بين صفوف تلامذتنا وطلابنا وبين سائر شرائح مجتمعنا.
1 Comment
المهم هو المشاركة عندما تنافس على المداليات. عندما يضيع منك الصعود إلى منصة التتويج باجزاء من المائة. عندما يعود الوفد وفي سلته شيء من المداليات.
وأنا أضيف إلى مقالك عبارة أخرى باتت تستعمل على نطاق واسع من طرف رياضيينا والمسئولين الرياضيين وهي (( ما يكون غا الخير إنشاء الله )). ما هكدا يتوجه الأبطال إلى التظاهرات الرياضية الكبرى. اعقلها وتوكل على الله. أما أن نسافر برياضيين تنقصهم الروح التنافسية ( أحد الملاكمين المغاربة مع الملاكم الصيني سجل 0 نقطة ) فهذا لا يشرف المملكة التي أصبح لها وزن بفضل المرحوم الراضي والأسطورة سعيد عويطة والغزالة نوال المتوكلو بوطيب و السكاح وحيسو واسماعيل الصغير وبولامي واللعبي واللائحة طويلة. وبالأمس القريب العداءة الفدة زهة بدوان والفهد هشام الكروج.
إذا كنا نريد 10 ملايين سائح فالرياضة أحلى وأجمل وأشرف إشهار لوطننا العزيز. اهتموا بالأبطال ولا نريد أن نسمع أو نقرأ مهازل في التسيير والإشراف الرياضي وريلضيين ينوهون بما قدمته أوطان أخرى لهم وأصبحوا يلعبون بألوانها في خليط غير متجانس ويحصلون على ميداليات ولا يفرحون بها لأنهم غير راضين. الأرحام التي أنجبت سعيد ونوال ونزهة وهشام ورمزي وغيرهم قادرة ‘لى إنجاب غيرهم فقط ينقصانا الإرادة في التسيير والإشراف والموت من أجل القميص الأحمر والأخضر.