بخصوص جديد مدونة السير.
في الوقت الذي ينتظر فيه مستعملوا الطريق و أسرهم، خاصة المواطنون البسطاء، إلغاء أو وقف العمل بقانون مدومة السير التي عانوا منها ﻷزيد من 10 سنوات » عجاف « ، و التي زادت من تفقيرهم و معاناتهم بسبب اﻹجراءات و العقوبات الزجرية التي تفرضها عليهم، تلجأ الحكومة كعادتها إلى ذر الرماد في العيون من جهة، و البحث عن طرق جديدة لاستنزاف جيوب المغاربة أبناء الشعب، و التضييق على حرياتهم من جهة أخری، خاصة و أن القوانين الزجرية، حسب تصريحات ضحایاها، ما زالت تطبق على هذه الفئة من المواطنين، دون غيرهم. فعوض إلغاء الضريبة السنوية على السيارات و غرامات مخالفات السير الجائرة، أو على اﻷقل حصرها في 10 دراهم، رأفة و رحمة بجيوب المواطنين، خاصة الذين يربحون “ 20 درهما “ في اليوم، تم مؤخرا، بعد أن خيرت مرتكب المخالفة بين أداء الغرامة في الحين و بعين المكان او ب « دار الضريبة » في غضون أسبوعين، تم إعتماد منظومة إليكترونية لاستخلاص و جمع وتخزين هذه الغرامات، كما تم تزويد أعوان مراقبة السير و المرور و الجولان برادارات حديثة و متطورة لمراقبة السرعة، باﻹضافة إلى أجهزة قياس نسبة الكحول في دم مستعملي الطريق.
ولﻹشارة و التنبيه – قبل انطلاق الحملة الشرسة لمدونة السير في صيغتها الجديدة التي قد تنطلق في أية لحظة – فإن هذه اﻹجراءات و القوانين الجديدة، مثل سابقاتها، لا توفر للمواطن اﻷمان و السلامة الطرقیة، كما أنها لا تحمي مستعملي الطريق من الابتزاز و الشطط في استعمال قانون السير.
فحسب اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير لا زال أزيد من 90% من السائقين لا يكلفون أنفسهم عناء الوقوف عند علامة قف، و لو لمدة 3 ثوان، كما أن نسبة كبيرة منهم لا يحترمون حق اﻷسبقية و إشارات تحديد السرعة، ناهيك عن سلوك الراجلين الذين يقطعون الطريق بطرق عشوائية، دون استعمال الممرات الخاصة بهم.
ففی الوقت الذي مازالت فیه راداراتنا الثابتة منها و المحمولة، المتنقلة تتربص بالسائقين، تبني ألمانيا طرقا سريعة لا مجال فيها للحد من السرعة.
ليست ال 500 رادار اﻷمريكية المتطورة التي تم اقتناؤها مؤخرا، او مراقبة نسبة الكحول لدى السائقين هي التي ستضع حدا لحوادث السير الخطيرة و المميتة في المغرب، حيث أن الفرنسيبن، مثلا، من بين الشعوب اﻷكثر استهلاكا للمشروبات الكحولية في العالم، كما أن هناك مناطق في ألمانيا لا تحد من سرعة السائقين، و مع ذلك تبقى نسبة حوادث السير عند هؤلاء و أولائك ضئيلة مقارنة مع حرب الطرق التي تعرفها بلادنا » السعيدة « . هذا بالرغم من الترسانة القانونية التي وضعها » خبراؤنا » لضبط وتنظيم عملية السير و الجولان.
المقاربة إذن ليست بالضرورة زجرية أو لوجيسيكية، بل تربوية بيداغوجية بالدرجة اﻷولى، إذ على الدولة و مختلف وزاراتها تربية المواطن على احترام قانون السير، من داخل المؤسسات التعليمية، عن طريق إدراج التربية الطرقية و تعلم السياقة و قانون السير و التربية على احترام حقوق و حیاة الإنسان بالمقررات المدرسية، يُمتحن فيها التلميذ بانتظام و شفافية، و تخول له النجاح أو الرسوب، و تحميه من ابتزاز بعض ارباب و مدربي و ممتحني مراكز تعليم و امتحان السياقة.
.
من جهة ثانية، و حفاظا على الأرواح و البيئة معا، لا بد من التفكير بجد و واقعية في صناعة سيارات صغیرة، نظيفة و صديقة للإنسان و البيئة، من “ البلاستیک “ المقوی، الغیر قابل للکسر، تسیر بمحرکات کهربائية أو بالطاقة الشمسیة، وبسرعة لا تتعدی 80 کلم/س، بالإضافة إلی إحداث شبکة طرقیة خاصة بالدراجات الهوائية داخل المدن الکبیر، لتشجیع المواطنین علی استعمال و ركوب هذا النوع من التنقل. إذ يعتبر مثل هذا اﻹجراء و ذاك من بين الحلول العلمية و العملية التي ستساعد لا محالة على تفادی حوادث السیر القاتلة و الجروح الخطیرة و الازدحام و الضجیج و تلوث الجو و بالتالي على ضمان و استمرار حياة سليمة. کما أن الجهات الوصیة على قطاع التجهیر و النقل مطالبة بمراقبة و تتبع حالة البنیة التحتیة الطرقیة باستمرار، وبناء طرق جیدة، بمواصفات و معايير علمية حديثة، تقاوم اﻷمطار والتعرية و تدوم طویلا، عوض “ التوفنة و الما و الزغاریت “، بالإضافة إلی إصلاح و ترمیم و توسیع الطرق القدیمة و سد الحفر المنتشرة في مدينة وجدة و فی کل مکان من الوطن و التی تعیق حرکة السیر.
و لردع المخالفين و توثيق المخالفات، ومراقبة و تحسين عملية المرور و مساعدة أعوان المراقبة على تحرير المحاضر، يصر المواطنون على وضع كاميرات على طول الطرقات و بملتقيات الطرق و اﻷماكن المزدحمة و النقط السوداء …، ﻷن كاميرات المراقبة، كملك الحبشة، لا يظلم عندها أحد.
قد تنجح مدونة السير هاته بكل قوانينها و بنودها المثالية السوريالية في أوربا، حيث المساواة أمام القانون و الوعي الجماعي بقيمة الحياة البشرية، و حيث الشبكات الطرقية الرفيعة و السيارات الفخمة و الدخل الفردي الذي يتراوح بين 1000 و 1500 أورو شهريا، … أما عندنا حيث الجهل و الفقر و اﻷمية و الرشوة و أصحاب السلطة و النفوذ و » باك صاحبي » و » أولاد « لفشوش » و تهور السائقين و الراجلين و كثرة الحفر و الشوارع و اﻷزقة الضيقة و احتلال الملك العمومي، و » لافيراي » و » المقاتلات » … سيبقى قانون السير معطلا إلى أن تقوم الدولة بإصلاحات تعليمية و ثقافية و اجتماعية جذرية حقيقية، تتمحور حول حقوق و كرامة اﻹنسان و المساواة وتكافؤ الفرص و سيادة القانون؛ لتصحيح اﻷفكار و المعتقدات و تغيير السلوك و العقليات. ﻷن بدون ذلك ستتفاقم سكيزوفرينية المجتمع المغربي، و يستمر نفاقه و تتاقضاته إلى ما لا نهاية.
و بما أن مدونة السير لم تنجح في وضع حد للخسائر البشرية و المادية، وبما أن غرامات المخالفات لا تفرض إلا على أبناء الشعب من السائقين و بما أن دولة القانون لا تبنى على حساب فئة دون أخرى، و في انتظار حلول و مقاربة فعالة لوقف أفة حوادث السير، يستحسن أن يتوقف العمل بقانون المدونة بصفة مؤقتة، مع أرجاع الغرامات إلى أصحابها. ﻷن السؤال الذي يطرحه الجميع هو : » هل جيئ بمدونة السير لوقف نزيف الطرق أم لاستنزاف جيوب مستعملي الطريق؟ « .
والليسمح فجبر الضرر!
1 Comment
جميل جدا أن نعوض مادة التربية الإسلامية بمدونة السير الطرقية. غفر الله لكاتب هذا المقال.