تغيير اسم جريمة الزنا إلى اسم خيانة زوجية اجتراء على الخالق وتهيّب المخلوق
تغيير اسم جريمة الزنا إلى اسم خيانة زوجية اجتراء على الخالق وتهيّب المخلوق
محمد شركي
إن الالتزام بشريعة من الشرائع يفرض على الملتزمين بها أفرادا وأمما التقيّد بها وبقاموسها وبمصطلحاتها لأن الخروج عن ذلك ينتهي إلى نكثها وإبطالها . وعندما يدعي أحد الانتماء إلى دائرة شريعة الإسلام السماوية يتعين عليه ويلزمه ألا يستبدل قوانينها ومصطلحاتها بمصطلحات غيرها من الشرائع الوضعية .
ومعلوم أن مصطلحات شريعة الإسلام قد حددها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة سواء تعلق الأمر بما أحل الله عز وجل أو بما حرم ، لهذا لا يجوز أن يغير اسم حلال أحل في هذه الشريعة أو اسم حرام حرم فيها .
ولقد بدأت عندنا منذ مدة ظاهرة انتشار تغيير مصطلحات الشريعة الإسلامية بسبب تأثير الشرائع الوضعية في مجتمعنا ، وقد صادف ذلك وجود جهات تقف وراء ذلك سعيا وراء نقل هذا المجتمع وغيره من المجتمعات الإسلامية من شريعته إلى شرائع أخرى تحت شعارات مختلفة منها الحداثة، واللحاق بالركب الحضاري ، واحترام المعايير الدولية … وهلم جرا .
ولا تكاد المجتمعات الغربية تتبنى تشريعا إلا وتهافت جهات عندنا على تسوقيه والدعاية له كأشد ما تكون الدعاية ، وكل من عبّر عن مجرد تحفظ عليه اتهم بمختلف التهم أقلها أنه لا يحترم المعايير الدولية .
ومن الأمور التي تم تغيير اسمها جريمة الزنا التي صارت تحمل اسمين بالنظر إلى ظروف وقوعها ، فإن هي وقعت برضا الزاني والزانية سميت علاقة جنسية رضائية ، ولم تعتبر جرما يعاقب عليه القانون ، بل قد يعاقب من يعترض عليها أو يمنع المتراضين فيما تراضوا عليه ، وإن هي وقعت دون علم زوج أو زوجة سميت خيانة زوجية، واعتبرت جرما يعاقب عليه القانون ، وقد يتنازل الزوج أو الزوجة عن حقهما في متابعة أحدهما الآخر ، ولا تحصل حينئذ العقوبة ، وقد يدفع تعويض للطرف المتضرر يكون سببا في إلغاء العقوبة .
هذا نموذج من نماذج تغيير مصطلحات الشريعة الإسلامية حيث صارت جريمة الزنا التي حرمها الله عز وجل بنصوص محكمة، وجعل لها حدا للمحصن ولغير المحصن أمرا مباحا ، ولا تحد بحد ، ولا تعتبر جناية إلا إذا وقعت من زوج أو زوجة دون علم الآخر أو دون رضاه . وهذا التعامل بهذا الشكل مع الشريعة الإسلامية يعتبر جرأة على الخالق سبحانه وتعالى وخوفا من المخلوق .
ولقد ذكر الله عز وجل في معرض الحديث عن صفات عباده المؤمنين الذين نسبهم لذاته وسماهم عباد الرحمان أنهم لا يزنون ، وعقب على جريمة الزنا بقوله تعالى : (( والذين لا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما )). لا يوجد في هذه الآية الكريمة ما يدل على ما يسمى بالخيانة الزوجية أو أن الأمر يتعلق بها أو باعتداء أحدهما على الآخر بل يتعلق بمعصية نهى الخالق عنها المخلوق بغض الطرف عن جنسه أو وضعيته أو حالته المدنية كما يقال متزوجا أو غير متزوج . وهذا الجرم هو عبارة عن خيانة يخون فيها من يقترفه نفسه كما جاء في تفسير قوله تعالى : (( الذين يختانون أنفسهم )) قال المفسرون الذين يظلمونها فالزوج أو الزوجة إذا زنى أحدهما إنما يختان نفسه ، ولا يخون زوجته كما يقال اليوم عملا بشرائع غير شريعتنا الإسلامية . وما ثبت يوم كان الزناة يحدّون أن استدعي زوج أو زوجة زنى أحدهما ليستشار في أمر الحد باعتبار القضية متعلقة بخيانة وليس بمعصية نهى الله تعالى عن مجرد الاقتراب منها في قوله جل وعلا : (( ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا )) والتحذير من الاقتراب من الشيء دليل على شناعته ، لهذا توعد الله تعالى من وقع في الزنى بالخلد في العذاب المضاعف والمصحوب بالهوان . وهذا الجزاء لا علاقة له بما يقضى به اليوم من أقضية بتهمة ما يسمى الخيانة الزوجية . ولو أن زوجا أو زوجة زنى أحدهما فعفا أحدهما عن الآخر لم ينجه ذلك من عذاب الله عز وجل إلا بتوبة يتوب فيها إلى خالقه لا إلى زوج أو زوجة لأن الظلم يقع ممن يزني على نفسه أي يظلمها ولا يظلم أحدا سواها . ولو كان الأمر يتعلق بما يسمى خيانة زوجية لما كان لوعيد الله عز وجل من مبرر لأن من يخان من الأزواج قد يصفح ويعفو ولكن ذلك لا ينفع من زنى لأن الأمر يتعلق بمعصية الخالق لا بحق من حقوق الخلق ، ولهذا قال الله تعالى : (( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهم مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله )) .وقد تحول رأفة أحد الزوجين في حالة ما يسمى بالخيانة الزوجية حتى دون العقوبة التي تنص عليها القوانين الوضعية وهي لا شيء أمام حد الله عز وجل الذي خص به المحصنين وهو الرجم حتى الموت أو الإعدام رميا بالحجر لأن الجلد هو حد غير المحصنين، لأن الأمر يتعلق باعتداء حدود الله عز وجل وظلم النفس ، ولا يتعلق بحق زوجة أو زوج .
ومن المثير للسخرية أن يخشى الزوج أو الزوجة حين يزني أحدهما بعضهما البعض ، ويكون ذلك الخوف أشد من مخافة الله عز وجل ، وينحصر تفكيرهما في النجاة من عقوبة دنيوية لا تساوي شيئا أمام العقوبة التي توعد بها الله عز وجل من يقترف هذه الجريمة في الآخرة حيث يكون العذاب مضاعفا وأبديا ومصحوبا بالإهانة ، ومهما تكن درجة الإهانة التي يشعر بها من يزني أمام شريك حياته، فلن تبلغ درجة الإهانة أمام خالقه جل وعلا .
وإنه ليجدر بنا كأمة مسلمة ملتزمة بشرع الله عز وجل أن نتشبث بما سمى به سبحانه وتعالى الأشياء في محكم التنزيل كتابا وسنة ،لأن في ذلك صيانة لنا من الانجرار وراء كل وافد من الشرائع الوضعية والذي يمس هويتنا الإسلامية في صميمها ، ويجعلنا نغامر بمصيرنا الأخروي مقابل الخوف مما تقرره تلك الشرائع الوضعية التي يصدر واضعوها في قراراتهم وقوانينهم عن اعتقاد لا يضع في الاعتبار الدار الآخرة وما سيكون فيها من عدالة إلهية قال عنها الله عز وجل : (( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين )) . ولا يمكن أن يخشى أحد ظلما مع وجود هذه الموازين البالغة الدقة والتي يكون معها العدل المطلق ، خلافا لما تكون عليه الموازين البشرية في الحياة الدنيا وما يعتريها من عيوب مفضية إلى ظلم وواقعة فيه لا محالة .
Aucun commentaire