الجري و منافعه
سئل، ذات يوم، أحد أطباء القلب و الشرايين، خلال البرنامج الطبي الذي كان يذاع على أمواج إذاعة وجدة الجهوية، أيام المرحوم يحي الكوراري و برامجه الرائعة: » علاش جدودنا و الناس ديال بكري ما كانوش يعانيو من أمراض القلب و الشرايين؟ » فكان جواب الطبيب: » ﻷنهم كانو كيخدمو بيديهم و برجليهم. »جواب تلقائي و مختصر و لكنه يحمل بين طياته حقائق علمية لا يدركها إلا الراسخون في العلوم الطبية و الطب الرياضي.
أما اليوم فقد أصبح اﻹنسان المعاصر، مع التقدم التقني و التطور التكنولوجي، يعيش في خمول تام و قلة الحركة البدنية؛ إذ أصبحت تنقلاته من البيت إلى مكان العمل، أو لقضاء مآربه اليومية، تتم بواسطة السيارة أو الحافلة أو tram أو metro، عوض الدراجة الهوائية أو المشي على اﻷقدام، ما يزيد كذلك من حدة التلوث و الضوضاء و حوادث السير. كما أنه أصبح يقضي ساعات طوال، دون احتساب ساعات النوم، إما جالسا في مكتبه، أمام الحاسوب، بين الملفات و الوثائق اﻹدارية، يتناول الوجبات السريعة أو اﻷكلات المعلبة الجاهزة و المشروبات الغازية، الغنية بالسكريات و المواد الحافظة، و إما في بيته مستلقيا على اﻷريكة، أمام التلفاز، يتنقل بين القنوات الفضائية، أو ممدودا على السرير، منشغلا بحاسوبه الشخصي تارة و هاتفه الذكي تارة أخرى، يبحث عن الخبر و المعلومة عبر محرك » كوكل « ، أو الفرجة و المتعة على شبكة » يوتيوب « ، أو يتصفح » فيسبوك » و » تويتر « ، دون أن يغادر مكانه، ما دامت اﻵلات و الأجهزة الكهرومنزلية تقوم بأشعال البيت. و في أوقات الفراغ، و أيام السبت و اﻷحد، عندما يتحرر من إكراهات العمل اليومية، يذهب إلى المقهى أو الحانة، حيث الشيشة و السجائر و مختلف المشروبات الغازية و الروحية.
هكذا انتشرت، بشكل مخيف، أمراض القلب و الشرايين و السكري و البدانة و السمنة المفرطة و التوتر العصبي و الاكتآب المؤدي إلى اﻹنتحار و اﻹدمان على المخذرات … إلى أن تبنى و طور أطباء القلب اﻷمريكيين، خلال الستينات، رياضة دجوكينغ » jogging » أو فوتينغ » footing « ، أو » الجري الخفيف للقلب الضعيف « ، وجعلوا من الجري دعامة للصحة و الطب الوقائي ابتداء من السبعينات، بعد أن ظهر لأول مرة في نيوزيلاندا اواخر الخمسينات من القرن الماضي. و تغيرت بذلك عادات و تصرفات اﻷمريكيين، إذ أصبح الفرد، عوض أن يتجه، نهاية اﻷسبوع، إلى المقهى أو الحانة أو الملهى، لاحتساء البيرة و تدخين السجائر اﻷمريكية القاتلة و التعاطي لمخذر المارخوانا و الحشيش و الكوكايين … القادمة من دول أمريكا الجنوبية، يرتدي » شورطا » و قميصا و حذاء رياضيا و يبدأ في الجري و الركض، عبر شوارع نيويورك الطويلة العريضة و في المنتزهات و الغابات و على ضفاف اﻷنهار، دون توقف و كيفما كانت أحوال الجو، سرعان ما انتشرت رياضة » jogging » في كل الولايات اﻷمريكية، قبل أن تنتقل إلى أوروبا و باقي دول العالم و تصبح ثقافة كل من يريد أن يعمر طويلا و يعيش و يموت في صحة جيدة.
إن الجري الخفيف لمدة ساعة أو نصف ساعة يوميا – صحيح أنه التزام صعب ولكن من أجل صحتكم و سعادتكم – يقوي عضلة القلب و الجهاز التنفسي و ينشط الدورة الدموية و يقوي جهاز المناعة و يحمي من أمراض الزكام و يقي من اﻹصابة ببعض أنواع السكري، و الزهايمر و » le mauvais cholestérol » و الجلطات الدموية، و يؤخر الشيخوخة، و يزيد من نسبة الخصوبة عند المرأة و يحميها من عسر الولادة، و هشاشة العظام، و يساعد الجسم على فرز السموم و التخلص منها و التي تشكل عبء على الكليتين و الرأتين …، كما ينشط عمل الغدد و يزيد من إفراز هرمون السعادة كالأندورفين و الدوبامين و السيروتونين … ما يجعل كل من يمارس رياضة الركض بانتضام إنسانا سعيدا طوال حياته.
صحيح أن الطب الحديث اكتشف و درس و شخص جميع اﻷمراض و تصدى لها بكل الوسائل و اﻹمكانيات، و عالجها، إلا أنه لم يعالجها كلها، بالرغم من أنه عالج معظمها بل تمكن من القضاء على بعضها نهائيا كمرض الجذري و شلل اﻷطفال، حسب منظمة الصحة العالمية، بينما أثبتت الدراسات العلمية أن رياضة الجري تعالج سرطان المعدة، كما أن هناك في أمريكا معاهد متخصصة في تخغيف الوزن و علاج البدانة، تساعد الذين يعانون من السمنة من التخلص من 8 كلغ من الوزن الزائد في اﻷسبوع، بفضل التمارين الرياضة المكثفة و اﻹكثار من شرب الماء.
إذا كانت رياضة الفروسية و الكولف و التينس و سباق السيارات و الزوارق الشراعية و التزحلق على الثلج و الجليد، مثلا، مخصصة لعلية القوم و أبناء اﻷعيان والطبقة البورجوازية، فإن رياضة الجري ليست فقط عماد كل الرياضات و رياضة من لا رياضة له من أبناء الطبقة الفقيرة، بل أهدت للعالم أبطالا من ذهب من دول فقيرة كإثيوبيا و المغرب و الجزائر و السود اﻷمريكيين.
كيفما كانت أمراضكم: عضوية أو نفسية أو حتى عقلية أو روحية أو اجتماعية، عليكم بالجري ﻷن الجري بانتظام يعالج كل اﻷمراض، و يقيكم شر بعض المتاجرين في حالاتكم و ظروفكم الصحية من المشعوذين و السحرة و أصحاب الرقية الشرعية… كما أن الجري يجعلكم سعداء إلى أن تموتون دون أن تنامون على فراش المرض. و بما أن الطبيب على علم بقيمة و مزايا الرياضة و دورها في ضمان الصحة الجيدة، وبما أن دور الطبيب تقديم النصح و اﻹرشاد، و بما أن المريض لا يثق إلا في طبيبه، فعلى الطبيب أن » يفرض » على مرضاه ممارسة رياضة الجري بانتظام طوال حياتهم و يشجعهم على اﻹستمرار على ذلك لعلاج أمراضهم نهائيا، ﻷن الوصفات الطبية و عبارة » الله يشافي » لا تكفي لعلاج اﻷمراض في العمق، و بالتالي فإن بعض اﻷدوية الصيدلانية قد تضر أكثر مما تنفع.
و من هنا، نطالب بدورنا، المسؤولين في مدينة وجدة، بإحداث منتزهات رياضية، تحتوي على حلبات و ممرات مجهزة خاصة برياضة الجري، و تنظيم ماراطون وجدة الوطني و لم لا الدولي، على غرار ماراطون بسطن و شيكاكو و طوكيو و لندن. كل هذا لتجشيع ساكنة وجدة و النواحي على ممارسة الرياضات الجماعية، من أجل عقول سليمة في أجسام سليمة، عوض اﻹنصياع لجشع المستثمرين و المقاولين و المنعشين العقاريبن؛ و الترخيص للمقاهي و عمارات اﻹسمنت المسلح التي تقضي يوميا على المساحات الخضراء و اﻷراضي الفلاحية و المآثر التاريخية، بشكل يثير القلق و الخوف من و على مستقبل مدينة اﻷلف عام.
يحي طربي
1 Comment
ذكرتني هذه المقالة الهادفة بالأيام الجميلة التي كانت تنعم بها إذاعة وجدة الجهوية في ظل المرحومين قاسم اجداين ويحي الكوراري ، هذا الأخير الذي كان رحمه الله يقدم لنا عبر الأثير الإذاعي برامج شيقة يستضيف من خلال ثلاث من المثقفين من أبناء وجدة والجهة كهذا البرنامج الطبي الذي يتعلق بالرياضة المفيدة لجسم الإنسان وعلى ذكر الرياضة استغلها البعض في الآونة الأخيرة لإخراج المراءة الوجدية من دارها صباحا لتمارس رياضة المشي حاملة معها قنينة من الماء ببذلة رياضية وهي تجوب الطرقات تشتم روائح عوادم السيارات والحافلات باستثناء الحديقة الوحيدة بوسط المدينة والتي أعطيت لها عناية فائقة في السنوات الأخيرة بعدما عانت من الإهمال في السابق وهذه شهادة لله أو فضاء سيدي امعافة …
أخرجت المراءة الوجدية من عقر دارها بدعوى ممارسة الرياضة حفاظا على رشقتها ، أما المراءة العاملة والمستخدمة والموظفة التي لم يتاح لها الخروج في الصباح الباكر للمشي في الطرقات قصدت قاعة الرقص التي يطلقون عليها صبغة الرياضة بموسيقاها الصاخبة التي تسمع من الخارج والتي أصبحت متداخلة مع السكان لتنظاف للتلوث الصوتي الذي تحدته محلات النجارة والتلحيم التي أصبحت متداخلة مع السكان بدون حسيب ولا رقيب محتلة الأرصفة أين يمرا لمارة وأطفال المدارس…
أعود للرياضة والتي يقال عنها أنها مفيدة لجسم الإنسان تحت شعار – العقل السليم في الجسم السليم – وأسال لماذا يساعد بعض الأطباء التلاميذ والتلميذات في حصول على شهادة الإعفاء من حصة التربية البدنية إذا كانت الرياضة البدنية في هذا القدر من الأهمية ، مع العلم أن التلميذ المعفى في الإمتحان الاشهادي يمكن أن يضرب عصفورين بحجارة واحدة تنمية الجسم والحصول على نقط إضافية لتعزيز المعدل وتحسين الرتبة مع العلم أن المتصفح لملف التلميذ المتقدم للترشح لاجتياز أي مبارة ترتكز على اللياقة البدنية يمكن أن تعتقد أن التلميذ الحاصل على الإعفاء من الرياضة إما مريض شفاه الله فعلا ، أو يكون – معاقا – مع احترامي الشديد لهذه الفيئة التي تعتبر جزءا منا ، أو يكون متحايلا من اجل عدم ممارسة الرياضة كحصة تعليمية لها استاذها الخاص . أعطيكم مثل إن ممارسة الرياضة بحصة التربية البدنية يمكن للتلميذ أن يحصل على معدل 16 مضروبة في معامل 4 يمكنه أن يحصل الى 24 تضاف إلى معدله وهذا ليس بالهين وهذا ما لا ينتبه إليه السادة الأطباء وبعض ولاة الأمور الذين يستجبون لأطفالهم بتقديم شهادة الإعفاء من الرياضة هذه الأخيرة التي كانت محور هذه المقالة التي تطرق فيها الكاتب الى أهمية الرياضة وخلق فضائيات خاصة بها تكون محمية ويمكن للجميع ممارسة الرياضة بها دون خوف يذكر بعيدا كل البعد على استنشاق العوادم والتلوثات .
أنا دائما أسأل نفسي هل المسؤولين على خلق هذه الفضاءات لا يسافرون إلى أوروبا ؟؟؟ . ألا يلاحظون حجم المساحات الخضراء وفضاءات لعب الأطفال لينقلوا لنا نماذج منها ؟ وتعميها على جميع الأحياء كما هو الشأن عن ملاعب القرب المشيدة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية …
أقف هنا وأشكر وجدة سيتي التي تحملتني والأستاذ يحي طربي المحترم ودائما أتمنى المزيد من المقالات الهادفة .
والسلام عليكم ورحمة الله .
أبو حفصــ*عكاشة*ـــــــــــة