اختر جليسا ينجيك واحذر جليسا يرديك إن كنت كيّسا
اختر جليسا ينجيك واحذر جليسا يرديك إن كنت كيّسا
محمد شركي
حالتان لا ثالثة لهما يكون عليهما الإنسان المؤمن وهو يخوض غمار الحياة خاضعا لامتحانها ليقلى جزاءه بعد الرحيل عنها ، حالة يجالس فيها جليسا صالحا ، وحالة يجالس فيها جليس سوء، فالأولى تنجيه ، والثانية ترديه . وبيان ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : » إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء ، كحامل المسك ، ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يحذيك ، وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد منه ريحا طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك ، وإما تجد منه ريحا منتنة » . فبموجب هذا الحديث يكون الجليسان اثنين لا ثالث لهما جليس صالح ، وجليس سوء ، الأول تنفع مجالسته في العاجل والآجل، والثاني تضر مجالسته في الدارين.
قد تتعدد أنواع الجلساء بعدد ما يوجد في الحياة من أعمال ومهام ولكنهم لا يخرجون عن كون أحدهما في يسد مسد حامل المسك ، والثاني يسد مسد نافخ الكير . والإنسان في حياته إما أن يظفر بمجالسة حامل مسك أو يبتلى ب مجالسة نافخ كير. وكل مجالسة ضارة هي نفخ في الكير مهما كانت مهمة الجليس، كما أن كل مجالسة نافعة هي حمل مسك مهما كانت مهمة الجليس أيضا .وقد تكون مهمة الجليس محترمة ومع ذلك يكون جليس سوء ،كما أنه قد تكون مهمة الجليس متواضعة ومع ذلك يكون جليس صلاح .وعلى كل مؤمن أن يحسن اختيار جليسه بغض الطرف عن مهمته أو عمله ويحرص على أن يكون كحامل المسك لا كنافخ الكير .
وقد يشكل عليه التمييز بينهما ، فلا يوفق في الاختيار إلا إذا عاد إلى هدي الكتاب وهدي السنة . ففي القرآن الكريم توجيه له ليحسن اختيار الجليس الصالح ويتنكب جليس السوء ، وذلك في قول الله عز وجل : (( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والغشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا )) .
إن الله عز وجل يأمر العبد المؤمن بحبس نفسه مع من يدعو ربه بالغداة والعشي وصاحب هذه الحال لا محالة صاحب استقامة على صراط الله المستقيم لا يحيد عنها ليل نهار ،وهي ملازمة له خلال ذلك ، وهو جدير بأن تحبس النفس معه بالمجالسة والمصاحبة . وفي المقابل ينهى المولى جل وعلا عن طاعة الغافل القلب عن ذكر الله ومتّبع الهوى ، وطاعته إنما تحصل عن طريق مجالسته ومصاحبته .
وغالبا ما يشكل على الإنسان التمييز بين داعي ربه بالغداة والعشي ، وبين غافل القلب عن ذكر ربه ومتّبع هواه لأن المظاهر خدّاعة ،وقد حذر منها الله عز وجل بقوله وهو يحث على صبر النفس مع من يدعونه بالغداة والعشي : (( ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا )) ،وبيان هذا الإشكال أن زينة الحياة الدنيا وهي المظهر والملبس والمركب ،وكل المكاسب المادية التي تنصرف الأنظار إلى أصحابها من الغافلة قلوبهم عن ذكر الله ، وتعدو العيون عمن لا يملكون منها شيئا من دعاة ربهم بالغداة والعشي. وقد يطيع الإنسان من أوتوا زينة الحياة ويرغب في مجالستهم ومصاحبتهم ، على ما يكونون عليه من غفلة القلوب عن ذكر الله ، واتّباع الأهواء ، ولا يحبس نفسه مصاحبة ومجالسة مع من لا زينة لهم على ما يكونون عليه من دعاء ربهم بالغداة والغشي .
والملاحظ أن معظم الناس في زماننا ينبهرون بالمظاهر أو بلغة القرآن الكريم بزينة الحياة الدنيا ، فيتوددون إلى أصحابها من ذوي المال والجاه والسلطان والشهرة ، ويجعلون غاية ما يحلمون به في حياتهم التقاط صور تذكارية معهم أو الظفر بتوقيعاتهم على قصاصة ورق أو خرقة ثوب ، أو الحصول منهم على تذكار ولو كان شيئا تافها لا قيمة له ، فيجعلونها ذا قيمة لا تقدر بثمن وواقع الحال أن هؤلاء الذين يتوددون إليهم قد يكونون من الغافلة قلوبهم عن ذكر الله، ومن متّبعي أهوائهم الذين نهى الله عز وجل عن طاعتهم ، وفي مجالستهم ومصاحبتهم خسارة الدارين. وفي المقابل يزدري معظم الناس من لا مظاهر لهم أو لا زينة حياة لهم ،لا مال ولا جاه ولا سلطان ولا شهرة ، وتعدو عنهم أعينهم، بل قد لا يطيقون مجرد النظر إليهم ، وتشمئز منهم نفوسهم وقد يكونون من الذين يدعون ربهم بالغداة العشي ، وفي مصاحبتهم ومجالستهم خير العاجلة والآجلة .
ولا يبالي كثير من المؤمنين بدعاء يرددونه يوميا خمس مرات في صلواتهم وهم يقرءون فاتحة الكتاب التي لا تصح الصلوات إلا بها ،وهو دعاء علمه الله عز وجل لعباده المؤمنين (( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين )) وما المنعم عليهم سوى أولئك الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي وإن لم تكن لهم زينة الحياة الدنيا ، وما المغضوب عليهم والضالون سوى الغافلة قلوبهم عن ذكر الله ومتّبعو الأهواء الذين يغري ما عندهم من زينة الحياة الدنيا الناس بالرغبة في مصاحبتهم ومجالستهم .
ولقد صار أهل الغفلة عن ذكر الله في هذا الزمان محل اهتمام معظم الناس حتى وصل الأمر حد إكبارهم وتقديرهم وتفضيلهم على أهل الصلاح من العلماء والدعاة ، وصارت أفكارهم الصادرة عن أهوائهم تفضل على الكتاب والسنة ، وفيهم من بلغ به غروره درجة الجهر بتغيير وتبديل كلام الله عز وجل وكلام رسوله تعويضهما بأهوائهم ضاربين عرض الحائط قوله عز وجل (( واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته )). ولقد صار هؤلاء يسدون مسد أولئك الذين كانوا يطلبون من رسول الله صلى الله عليه وسلم تبديل كلام الله عز وجل ليوافق أهواءهم .
وأخيرا نقول لكل مؤمن موحد كيّس اختر جليسا ينجيك ، واحذر جليسا يرديك .
Aucun commentaire