التوجهات العلمانية في الوطن العربي تروج لفكرة إلحاق جميع الإسلاميين نكاية فيهم بما يسميه الغرب الإسلام السياسي الممارس للإرهاب
التوجهات العلمانية في الوطن العربي تروج لفكرة إلحاق جميع الإسلاميين نكاية فيهم بما يسميه الغرب الإسلام السياسي الممارس للإرهاب
محمد شركي
استوقفني مقال لموقع إعلامي معروف بنشر المقالات ذات التوجه العلماني بشكل دائم يتضمن اتهاما لدولة تركيا ودولة قطر بوقوفهما مع جماعات إسلامية مصنفة ضمن ما يسميه الغرب الإسلام السياسي ويحمله مسؤولية ممارسة الإرهاب . ومعلوم أن هذا المقال يدخل في دائرة الصراع المندلع بين دول مجلس التعاون الخليجي وتحديدا بين قطر من جهة والسعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة أخرى . ويتهم محور السعودية دولة تركيا بالوقوف إلى جانب دولة قطر . وفي إطار تصفية الحساب بين دول هذا المحور ودولة قطر، تستخدم ورقة ما يسميه الغرب الإسلام السياسي الذي أعلن الحرب عليه بذريعة محاربة الإرهاب . ولم يعد خافيا على الرأي العام العالمي عموما والعربي خصوصا أن المخابرات الغربية وفي ذروة الحراك العربي أو ثورات الربيع العربي صنعت تنظيمات إجرامية تمارس العنف والإجرام باسم الإسلام ، وعلى رأسها ما يسمى بتنظيم داعش من أجل توظيفه لشرعنة محاربة كل جهة تتبنى التوجه الإسلامي في الوطن العربي بما فيها الأحزاب ذات هذا التوجه، والتي قبلت باللعبة الديمقراطية وقد راهنت عليها الشعوب العربية التي خرجت من المحيط إلى الخليج في ربيعها مطالبة بإنهاء عهد الأنظمة الفاسدة المستبدة التي كرّست وضع ما بعد النكبة والنكسات المتتالية .
ومعلوم أن فكرة الإرهاب الإسلامي انطلقت من الكيان الصهيوني الذي وجد مقاومة عنيفة من تنظيمات المقاومة الفلسطينية التي ترفع شعار الإسلام لتحرير أرض فلسطين المحتلة . وعن الكيان الصهيوني تلقف الغرب تلفيق تهمة الإرهاب أو تهمة الإسلام السياسي لكل جهة تتعاطف مع المقاومة الفلسطينية خصوصا الإسلامية. وبذريعة محاربة الإسلامي السياسي تم الإجهاز على التجربة الديمقراطية في مصر عن طريق انقلاب عسكري دموي مكشوف تم التخطيط له في الغرب ، ومولته أنظمة خليجية كانت تخشى من مصير كمصير الأنظمة التي أطاحت بها ثورات الربيع العربي ، فسارعت إلى إفشال كل تجربة ديمقراطية في الوطن العربي من شأنها أن توصل أحزابا ذات توجهات إسلامية إلى مراكز صنع القرار ، وكانت البداية من مصر التي تعتبر قاطرة البلاد العربية . وعلى غرار الانقلاب العسكري في مصر وقعت انقلابات أخرى ولكن بأشكال مختلفة تم بموجبها التضييق على كل الأحزاب الإسلامية حتى لا تنفرد بصنع القرار حيث فرض عليها إشراك أحزاب ذات توجهات علمانية أو ليبرالية معها وإن كانت نتائج تلك الأحزاب لا تؤهلها لتلك المشاركة .
وبالنسبة للبلدان العربية التي لم تخرج من أجواء الحراك أو أجواء ثورات الربيع العربي المستهدفة للأنظمة الفاسدة كسوريا وليبيا واليمن لجأ الغرب إلى حيلة استخدام العصابات الإجرامية لتشويه صورة الجهات ذات التوجه الإسلامي ومن ضمنها جماعة الإخوان المسلمين أو القريبة من توجهها في سوريا وفي ليبيا على وجه الخصوص لمنعها من الوصول إلى مراكز صنع القرار لأنها تنهج نفس نهج المقاومة الفلسطينية الإسلامية أو لأنها تؤيد هذا النهج. واستطاع الغرب بحيلته الماكرة أن يقنع رعاياه والعالم بأن تلك الجهات توجد في خانة واحدة مع العصابات الإجرامية التي صنعتها مخابراته والتي شوهت الإسلام بجرائمها الفظيعة ، وأعطت بذلك ذريعة لشن حرب ضارية ومدمرة في بؤر التوتر أتت على الأخضر واليابس وخلفت دمارا شاملا سيستغله الغرب ومن يدور في فلكه لانطلاق مشاريع إعمار عملاقة ومدرة للأرباح الطائلة.
وتحت ذريعة محاربة الإرهاب أو الإسلام السياسي غض الغرب بزعامة الولايات المتحدة الطرف عن تدخل دولة إيران الشيعية هي والفصائل التابعة لها في العراق وسوريا وفي اليمن ، وذلك نكاية في أهل السنة الذين يصنفهم ضمن ما يسميه الإسلام السياسي، ووقعت أكبر عملية تصفية عرقية لأهل السنة في هذه البلدان على أيدي الطوائف الشيعية تحت نفس الذريعة وهي محاربة العصابات الإجرامية الممارسة للعنف باسم الإسلام . وهكذا التقت مصالح الغرب ومن يدورون في فلكه من الأنظمة العربية ومصالح الصهيونية مع مصالح دولة إيران الشيعية في بؤر التوتر وإن أبدى الغرب ومن معه من أنظمة عربية والصهاينة في الظاهر عداءهم لدولة إيران أما في الخفاء ،فالأمر مختلف والمصالح مشتركة ومتبادلة بين الجميع والضحية بينهم واحدة .
وفي ظل هذه الأجواء سقط قناع تورط دول خليجية في الصراعات الدامية في بؤر التوتر في الوطن العربي بأمر من الغرب و تنسيقا معه ، ونيابة عنه حيث وقفت إلى جانب الجنرال المتقاعد حفتر في ليبيا وهو رمز من رموز النظام الذي أسقطته ثورة الشعب الليبي، وذلك لمنع وصول أي جهة ذات توجه إسلامي إلى الإمساك بزمام الأمور في ليبيا . وتدخلت مع متزعم الانقلاب في مصر بشكل مباشر في الصراع الدائر في ليبيا ،وصار سلاحها الجوي يقصف خصوم حفتر من الإسلاميين بذريعة الحرب على الإرهاب وعلى التنظيم الإجرامي المصنوع من طرف المخابرات الغربية .
ومن هذا المنطلق تتهم هذه الدول دولة قطر ودولة تركيا التي تستضيف شخصيات إسلامية بإيواء الإرهاب وتمويله . والحقيقة أن هذه التهمة ذات صلة بما بات يعرف بصفقة القرن التي تعارضها تركيا وقطر ، وهي عبارة عن مؤامرة بدأ تنفيذها بوصول الرئيس الأمريكي الحالي إلى البيت الأبيض والذي أعلن مدينة القدس عاصمة للكيان الصهيوني كأول خطوة لتنفيذ هذه الصفقة . ومعلوم أن الذي يقف حجر عثرة في وجه هذه الصفقة هو المقاومة الفلسطينية عموما وجناحها الإسلامي على وجه الخصوص ، وهو جناح يتهم بأنه تابع لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين التي تعتبر المنظرة لكفاحه ومقاومته والمساندة له .
وتغتنم التيارات العلمانية في الوطن العربي الفرصة لتكريس فكرة اتهام كل جهة ذات توجه إسلامي بأنها تنظر أو تمارس الإرهاب، وتحشر ضمن ما يعتبره الغرب إسلاما سياسيا يهدد الأمن والسلم العالميين ، وهو في نظره خطر مباشر على وجود الكيان الصهيوني المحتل . ولهذا نجد الأقلام العلمانية في الوطن العربي تعزف لحن الغرب نكاية في الإسلام الذي يعتبر في نظرها عقبة في وجه تحقيق ما يسمى بالمجتمعات المدنية المتحرر من الإسلام في الوطن العربي . وموازاة مع استهداف كل من له صلة بالإسلام تدور حرب فكرية بين أصحاب التوجهات العلمانية وأصحاب التوجهات الإسلامية، وتتجلى من خلال السجال الإعلامي اليومي بخصوص قضايا اجتماعية حيث يريد العلمانيون على سبيل المثال لا الحصر تعطيل الشريعة الإسلامية في أمور شتى لتحل محلها تشريعات وضعية علمانية من قبيل المطالبة بتعطيل بعض إجراءات الإرث في الإسلام على سبيل المثال ، فضلا عن المطالبة برفع التحريم والتجريم عن بعض الممارسات المحرمة في الشريعة الإسلامية كالزنا وعمل قوم لوط تحت شعار المطالبة بالحريات الجسدية للأفراد وذريعة الدفاع عن حقوقهم . وغير خاف الصلة الوثيقة بين التوجهات العلمانية في الوطن العربي والتوجه العلماني السائد في البلاد الغربية التي تغزو هذه البلاد عن طريق وكلائها أو لنقل طوابيرها العلمانية الخامسة .
ولا ندري ماذا ستكون نتيجة هذا الصراع الدائر في الوطن العربي بين التوجه العلماني والتوجه الإسلامي الذي يمضي الغرب قدما هو ومن يدور في فلكه في شن حرب لا هوادة فيها ضده . وتشهد دول خليجية حملة اعتقالات وملاحقات ضد مواطينها من ذوي التوجهات الإسلامية خصوصا الدعاة منهم ، وقد كانوا بالأمس القريب موضوع ثقة تلك الأنظمة إلى أن صدرت الأوامر الغربية بتصفيتهم من أجل خلق الأجواء المناسبة لتمرير صفقة القرن دون مشاكل يثيرها من يعارضونها من الإسلاميين . وأمام فشل الانقلاب العسكري في تركيا دبر الغرب بزعامة الولايات المتحدة حاليا مؤامرة انقلابية مالية من أجل تسريع وتيرة انهيار النظام التركي الحالي الذي يعارض صفقة القرن ، وهي نفس المؤامرة التي ينهجها الغرب ومن يدور في فلكه من الأنظمة العربية في الوطن العربي ضد كل من يعارض تلك الصفقة من أصحاب التوجه الإسلامي . وكما يريد الغرب عودة الجنرال المتقاعد إلى حكم ليبيا كما عاد متزعم الانقلاب في مصر إلى حكمها ، كما أنه يريد إعادة الانقلابيين إلى حكم تركيا لتكتمل فصول مسرحية صفقة القرن التي نجزم بأنها هي بداية نهاية الكيان الصهيوني إلى الأبد، وانطلاق نهضة عربية حقيقية بنهاية الأنظمة التي تلهث وراء إنجاح الصفقة المشؤومة لأن القضية الفلسطينية قضية دينية وليست مجرد قضية سياسية ، ومعلوم أن الدين نور الله عز وجل الذي تعهد سبحانه بإتمامه رغم أنوف من يريدون إطفاءه بأفواههم.
Aucun commentaire