صُلح الحُلَيْبية
رمضان مصباح الادريسي
أنتم الطلقاء:
في السيرة النبوية العطرة ،يشكل صلح الحديبية ،بكل ارهاصاته وتفاصيله وعثراته،مدخلا للفتح المبين؛فتح مكة في 20رمضان من السنة الثامنة للهجرة النبوية.
في يوم الفتح المبين عَظُم أمران ،لن ينساهما المسلمون أبدا:
* تحطيم أصنام الكعبة بيدي الرسول صلى الله عليه وسلم،حاملا رمحا يلكز به الحجر الذي حمَّلته قريش أكثر مما تحتمل حجريته،فيخر على وجهه ،لا حول له ولا قوة؛أو كما قال الشاعر العربي،اذ رأى ما رأى ذات يوم:
أربٌّ يبول الثعلبان برأسه ** لقد ذُل من بالت عليه الثعالبُ
لكن رغم هذا نالت الأصنام مكرمة تحطيم النبي لها بيديه؛وحق لها أن تفخر بهذا،حتى في آخر رمق لها.
* الأمر الثاني قوله صلى الله عليه وسلم لكفار قريش ،وقد تمسك كبراؤهم بأستار الكعبة،ينتظرون حكم الرسول،وهم موقنون بغدرهم ونكثهم السابق لبنود الصلح:
سيروا فأنتم الطلقاء.
وفي هذا قلت شعرا،في بردتي:
ويا قُرَيشٌ وانْ آذيتِه عَسَفًا ** أسْلمْتِه للِنَّوى قَطْعًا لِذي رَحِمِ
فيومَ فتحٍ عفا حَقْنًا لكلِّ دَم ٍ ** لَوْ كانَ يومًا لكمْ فَلَيَجْرِ كلُّ دَمٍ
كيف يتحقق اليوم صلح الحَلِيبية:
رغم الهفوات الصارخة لوزراء « متدربين » ،وهم يتعاملون مع نضال المقاطعة ،المشروع والمبرر،فان الأخطاء الحكومية لا تزال متواصلة ،بل تزداد استفحالا؛الى درجة « الكنغرينا »
السياسية التي قد تعصف بحكومة السيد العثماني كلية؛لتتهاوى تماما كما تهاوت أصنام مكة.
ففي الوقت الذي كان المفروض فيه التعامل مع المقاطعة – ولها مستوى عميق سبق أن بسطت فيه الكلام – كنتيجة لممارسات اقتصادية ريعية ،انكشفت أخيرا؛فضلت الحكومة أن تتحدث عنها –بعد تجاهل طبعا – كسبب لوضعية مزريه يعيشها ،اليوم، الرأسمال الحليبي؛الذي يستفيد منه ليس السيد أخنوش ،فقط، بل كل مالكي الأبقار ،حتى العِجاف منها.
هكذا اذن تقطع يدنا اليمنى يدنا اليسرى.
وأكاد أقسم أنه لولا تنطع بعض الوزراء ،وغرورهم،وأحيانا بلاهتهم لما وصلت الأمور الى هذه الدرجة؛لأن الشعب المغربي شعب كريم وعَفُو وصبور.
ولكن حينما يستمع الى وزير يُعيِّره،وآخر يتملص من مواطنته وكأنها جُذام ،وليست اكليلا؛وهو الذي سبق أن عرفته رجل تعليم بسيطا.
وفي الوقت الذي يصر فيه نفس الوزير ألا شيء يقع تحت شمس الفراولة لتَبَّاناتِ عاملاتنا المقهورات؛ في تكذيب سافر حتى للحرس الاسباني.
وزد وزد من سفاهات هذا الزمن الحكومي الرديء ،الذي لم ينل من مؤسسات الدولة فقط،بل حتى من قيم دينية راهن عليها المواطنون حمالة مكارم لهم ،وأبواب فرج؛وهم ينحاشون ،عن حسن نية، صوب حزب العدالة والتنمية في الانتخابات.
والله اني لأتقطع أحيانا كمدا وأنا أستمع الى « وِزاريات » من قبيل الشعر الرديء، يدعي فيها أصحابها أنهم رجال دولة. تنقطع صلتهم بكلامهم بمجرد التلفظ به؛دون تتبع مواقعه ،حيث ينفذ الى أعماق الناس ،ويجرح وما هو مجروح أصلا.
أخْجِل به من وزير يرى نفسه فوق المواطنة والمواطن ؛ومثل هؤلاء كان المخزن القديم يدخلهم الاصطبلات ويربطهم بأذناب الخيل وسط الروث ؛الى أن يعفو عنهم السلطان.
لا أعتقد أن مثل هؤلاء يمكن أن يعالجوا « الغنغرينا » الحالية،لأنهم جزء منها ،بل حمارتها المؤلمة.
ورقتي الصلحية:
لم أستشر فيها غير ضميري ،ولا أخدم بها أجندة أحد، غير هذا الوطن الذي كدت أقول أننا لا نستحقة؛تاريخا وجغرافية.
1.اعفاء الوزراء الذين أصبحوا في حالة تنافي كبير ،بين سمو مهامهم الرسمية ،وتدني أدائهم وألسنتهم.
هذا مع تمسكي دائما بمقترح حكومة تيكنوقراطية لمرحلة انتقالية.
2. جبر خواطر كل المواطنين – والمناسبة شرط- في ما يخص معتقلي المطالب الاجتماعية والاقتصادية؛في الريف،زاكورة،وجرادة.
ما أعظمها من عبارة من منتصر فاتح : سيروا فأنتم الطلقاء..
أقول هذا وأنا أدري أن القضاء قائم ،وما بين يديه من أدلة لا أعرفه.
لست سياسيا ولا رجل قانون وإنما أنا رجل جاء من أقصى القرية يسعى لصلح .
وما يشجعني هو وثوقي من كون مقدمة اعفاء وزراء « منارة » المتوسط،والعديد من الخطب الملكية الصريحة،لا يمكن إلا أن تُفضي لنتائجها المنطقية؛ومنها صدق معاناة المواطنين الاقتصادية،مما يجعل خروجهم مطالبين بحقوقهم أمرا مشروعا ،وضرورة ملحة.
3.الانكباب على تفكيك كل مكونات « غول الغلاء »؛خصوصا غير المبرر ؛اذ منه من صنعه الريع صنعا ،وركبه على مقاسه.
4. دفع أثرياء الوطن الى نوع من التضامن الاقتصادي ،بتقليص هوامش الأرباح ؛وفي هذا استعادة لبعض اشتغالات الحركة الوطنية ،وهي تقوي الجبهة الداخلية لمواجهة المستعمر .
5.مراجعة المعاشات و الأجور ،في اتجاه رفع القدرة الشرائية للمواطنين .
هل يمكن أن يتحقق » صلح الحليبية » ، ويفضي الى فتح وطني يتفكك فيه التوتر،ويُزال الغَبَش؟
أيتها الوجوه التي يزهو بك الوطن تحركي ..اليوم يومك.
و عسى أن تسعد كل من خدوج ويامنة وحادة ،وجلول والتهامي وقدور بعودة البسمة الصباحية ،وهم يمارسون مع أبقارهم طقسهم الحليبي الأزلي.
وحتى لا تقطع يُمنانا يسرانا.
وعيدكم مبارك
Aucun commentaire