رد الأمور إلى أولى الأمر وهم أهل العلم لعلمهم بها أمر إلهي يلزم كل مسلم
رد الأمور إلى أولى الأمر وهم أهل العلم لعلمهم بها أمر إلهي يلزم كل مسلم
محمد شركي
لا يخلو المجتمع المسلم في كل عصر ومصر إلى قيام الساعة ممن يسدون مسد المنافقين الذين وجدوا زمن البعثة النبوية ، والذين كانوا يكيدون لدين الإسلام شر كيد ، وكانت خطورتهم عليه أشد من خطورة غيرهم من الكفار، والمشركين ،وأهل الكتاب ، لهذا حذر الله عز وجل منهم أشد التحذير في محكم التنزيل فقال مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن خلاله مخاطبا كل المسلمين إلى قيام الساعة : (( وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يوفكون )) . وقد بيّن الله عز وجل في هذه الآية الكريمة صفات المنافقين وهي ملازمة لهم على الدوام ،فهم ممن يعجب بأجسامهم ، وتسمع أقوالهم ، كما أنهم يتوجسون من المسلمين لما يضمرون لهؤلاء من شر وسوء ، وهم بذلك يتوقعون افتضاح نفاقهم ، وهم بذلك أعداء الإسلام الحقيقيون . ومما جاء في بعض كتب التفسير أن ابن عباس رضي الله عنه قال : » كان عبد الله بن أبيّ جسيما صحيحا صبيحا ذلق اللسان » وهذا نموذج كل منافق في كل زمان ومكان، ذلك أن الناس يعجبون بهيئته ، وبقوله إذا قال ،لأنه يظهر ما لا يبطن بهيئته وبحديثه ليخدع الناس، وهو في حقيقة أمره صاحب جسم بغل وحلم عصفور، وكلامه لا قيمة له ، ولا طائل من ورائه ينمقه ليثير الإعجاب به ، ويلازمه على الدوام الخوف والتوجس من افتضاح أمر عداوته للإسلام والمسلمين ،لهذا يحسب كل صيحة عليه . ولقد ذمه الله عز وجل شر مذمة بقوله تعالى : (( قاتلهم الله أنى يوفكون )) ،وهي المذمة تتردد على لسان كل مسلم حين يفتضح أمر كل منافق .
وتكمن خطورة المنافقين التي حذر منها الله عز وجل المسلمين في تظاهرهم بالولاء للإسلام، وهم في قرارة أنفسهم ألد أعدائه ، ويقال أعدى الأعداء المتظاهر بالولاء وهو متملق ومداح وتحت ضلوعه الداء الدوي ، ومن كان هذا حاله وجب الحذر الشديد منه .
ومما ورد في وصف المنافقين في الذكر الحكيم أيضا أنهم مرجفون يروجون من الأخبار الكاذبة بين المسلمين للتأثير عليهم ، والنيل منهم، ومن ثقتهم بدينهم ، ومن ذلك قوله تعالى : (( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونهم منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا )) . ففي هذا النص القرآني تعريض بالمنافقين الذين يروجون الأخبار الكاذبة الخاصة بتدابير أحوال الأمن والخوف، أي في السلم والحرب لمخادعة المسلمين إما للتغرير بهم أو لتثبيطهم . وقد ينخدع بأراجيفهم السذج من المسلمين ،فيساهمون في تسويقها وترويجها دون تثبت، ودون الرجوع إلى أولي الأمر منهم وهم أهل العلم والمعرفة والاستنباط ، وهو ما عاتبهم الله تعالى عليه . والأستنباط لغة هو طلب النبط وهو أول الماء عند حفر البئر، ويستعمل مجازا للدلالة على العلم بحقائق الأمور وعواقبها ، ويطلق اصطلاحا على التفسير والتبيين . ولقد جاء الأمر الإلهي واضحا في هذا النص القرآني بأنه إذا راج في الأمة المسلمة من أراجيف المنافقين لخلق الاضطراب في أمورهم، فتختل بذلك أحوالهم ،وجب عليهم أن يردوها إلى أولى الأمر منهم وهم أهل العلم والمعرفة والخبرة الذين يكشفون كذب وتهافت تلك الأراجيف ،وتلك المغالطات المغرضة ،وألا يساهموا بشكل أو بآخر في إذاعتها ونشرها بينهم.
وما أكثر المغالطات الرائجة عن الإسلام اليوم بين المسلمين، والتي تجد مع الأسف الشديد رواجا بينهم، بل يشاركون في انتشارها على أوسع نطاق خصوصا مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي . ونذكر على سبيل المثال لا الحصر ما روّج له منافقو هذا الزمان عن الإمام البخاري رحمه الله و عن مصنفه في الحديث من أنه عار عن الصحة ، وصار الناس يتداولون ذلك فيما بينهم ولم يلتزموا أمر الله عز وجل برد ذلك إلى أهل العلم والمعرفة ، وهم الأعلم والأدرى بالإمام البخاري وبمصنفه ، وعنهم يؤخذ العلم به لا عن غيرهم من الجهلة والمتطفلين والمرجفين . وما قيل عن قضية الإمام البخاري، يقال عن غير ذلك من قضايا الإسلام التي صارت تثار اليوم من طرف جهات تسد مسد المنافقين للنيل منه ومن أهله . ومن تلك القضايا أيضا قضية الإرث حيث يروج كذبا وافتراء على الله عز وجل أن قسمة الأنثى في الإرث غير منصفة ، وأنها يجب أن تراجع ، وقد راج مؤخرا أن ما سمي بأصحاب أسماء وازنة في المجتمع تتضافر جهودهم لتمرير هذه المراجعة وإحلالها محل ما شرع الله عز وجل ، وقد قدّموا للرأي العام كذبا على أنهم أهل علم ومعرفة وخبرة ، وأنهم ممن إذا قالوا استمع لكلامهم ، والحقيقة أنهم غير ذلك في ميزان أهل العلم والمعرفة . والمؤسف أن تروج أهواء هؤلاء في قضية نصيب الأنثى من الإرث على أوسع نطاق ، وكان الأولى والأجدر بألا تروّج ، وأن ينبري لها أهل العلم والمعرفة لتسفيهها بالأدلة الدامغة التي لا تثبت أمامها أهواء يراد لها أن تحل محل شرع الله عز وجل المنزه عن كل طعن أو تشكيك .
فهل ستلتزم الأمة المسلمة بأمر ربها فيما يخص رد أمورها إلى أولي الأمر، وأهل العلم والمعرفة أم أنهم ستنطلي عليهم حيل المرجفين ،فيسمعون أقوالهم إذا قالوا وينخدعون بها ؟ ذلك ما ستثبته مواقفها مما يراد بدينها من كيد لم يعد خافيا على أحد ، وقد سقطت أقنعة المقنعين الذين يظهرون ما لا يبطنون ، والذين يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ، وسيعلم الماكرون أي منقلب ينقلبون .
Aucun commentaire