وجدة عاصمة للثقافة العربية لسنة 2018 تشريف أم تكليف؟
بسم الله الرحمن الرحيم
وجدة عاصمة للثقافة العربية لسنة 2018 تشريف أم تكليف؟
بمجرد علمي بخبر اختيار مدينة وجدة عاصمة للثقافة العربية لسنة 2018 من قبل اللجنة الدائمة للثقافة العربية، اعتبرت ذلك تشريفا وغمرني تبعا لذلك إحساس بالغبطة والفخر كبير، إلا أنه سرعان ما بَهِتَ هذا الإحساس مباشرة بعدما تبادر إلى ذهني تساؤل عن المعايير والمؤشرات التي اعتمدتها اللجنة في إقرار هذا الاختيار، ذلك أنه لا يمكن حسب تقدري أن ينبثق عن لجنة في حجم اللجنة الدائمة للثقافة العربية قرار بهذه الأهمية بشكل اعتباطي ودون اعتماد معايير ومؤشرات دقيقة. لذلك وانطلاقا من معرفتي النسبية بالمجال الثقافي بهذه المدينة، تساءلت عن طبيعة هذه المعايير والمؤشرات، وهل يتعلق الأمر بمعايير ومؤشرات متوفرة في الوضع الثقافي الراهن للمدينة، أم أنها معايير ومؤشرات مفترضة سيتم العمل على توفيرها مستقبلا؟
أيا كانت الإجابة فإني أقر بتوفر مجموعة من البنيات التحتية المهمة، حيث بالإضافة إلى الجامعة والمرافق التابعة لها، استفادت المدينة في السنوات الأخيرة من مرافق مهمة من مثل مركز الدراسات والبحوث الإنسانية، ومسرح محمد السادس ومجموع من المركبات السوسيوثقافية على سبيل المثال لا الحصر، إلا أن هذه البنيات والمرافق شرط لازم لكنه غير كاف كما يقول أهل الرياضيات، وبما أن هذه البنيات متوفرة في جل الحواضر المغربية، فإني أتصور أن الأمر يتعلق بمعايير مستقبلية، ومن ثم فإن الاختيار يصبح تكليفا لا محالة.
وإلا كيف يمكن لمثقف عربي يزور المدينة لأول مرة أن يحس بتواجده في عاصمة الثقافة العربية وجل اللوحات الإشهارية ولوحات المحلات التجارية والمقاهي مكتوبة بالحرف اللاتيني، وتحمل أسماء أجنبية وحتى وإن كُتبت بالحرف العربي فإن مضمونها لا يمت للغة العربية بصلة، وكيف يمكن لزائر للمدينة كان من كان أن يستوعب النقص المهول في المكتبات ومن ثم عدم توفر الكتاب الجاد بصفة عامة والكتاب العربي بصفة خاصة، وكيف لزائر المدينة أن يطلع على البحوث المنجزة في إطار الجامعة، خاصة وأنها تتوفر على عدد غير قليل من المختبرات كما يُعلم من عرض السيد رئيس جامعة محمد الأول حول الإنجازات والآفاق أمام كاتب الدولة المكلف بالتعليم العالي بتاريخ 8 دجنبر 2017…
تساؤلات كثيرة سيطرحها كل مثقف سيزور المدينة بهذه المناسبة سواء وفد من داخل المغرب أو من خارجه.
وحتى تكون وجدة في الموعد، وحتى لا يَخيب أمل زوارها، وحتى تترسخ الثقافة العربية بالمدينة بما يجعلها نموذجا يقتدى به من قبل مسؤولي مختلف المدن المغربية والعربية على السواء، فإني أود أن أتقدم للمسؤولين إن على المستوى المحلي أو المستوى المركزي ببعض الاقتراحات التي أرجو أن يتم إدراجها ضمن المعايير التي يتعين العمل على تجسيدها على أرض الواقع في المستقبل القريب، حتى إذا ودعنا سنة 2018 بقيت مدينتنا فعلا عاصمة للثقافة العربية بمعنى الكلمة.
أوجز أهم هذه المقترحات في الآتي:
العمل على إزالة كل مظاهر التلوث اللغوي الذي تعج به المدينة من سيطرة الحرف اللاتيني على جل واجهات المحلات التجارية والمقاهي من جهة، ومن تشويه الحرف العربي باستعماله في كتابة عدد من اللوحات الإشهارية « بلغة » لا يفهمها إلا الذين في أنفسهم حاجة في ذلك من جهة ثانية، مع الإشارة إلى أني كنت قد توجهت إلى السيد رئيس الجماعة الحضرية باستعدادي للمساهمة في تخليص المدينة من هذه الآفة، مؤكدا مرة أخرى أني لا زلت أُبدي هذا الاستعداد إذا كان يرغب في ذلك.
تنظيم معارض دورية للكتاب تكون في مستوى حمولة مصطلح عاصمة الثقافة العربية، وعدم الاقتصار على المعارض المحلية، وذلك لإرواء عطش مختلف شرائح القراء إن على المستوى المحلي أو الجهوي أو الوطني أو العربي.
العمل على إحداث مكتبات بالمعنى الحقيقي للكلمة، سواء تعلق الأمر بمكتبات عمومية أو تشجيع الخواص على الاستثمار في هذا المجال.
العمل على الاستثمار في الكتاب الجاد عامة والكتاب العربي خاصة من خلال دعمه وجعله في متناول الشباب على مختلف شرائحهم، وإلا فإن الوضع الحالي يصعب معه اقتناء الكتاب الجاد إن وُجد حتى بالنسبة للموظفين.
تشجيع أنشطة القراءة والإبداع في جميع أوجهه من خلال إحداث جوائز تهم مختلف المستويات مع التركيز على المؤسسات التعليمية من الابتدائي إلى الجامعي.
في الأخير أرجو أن أكون بهذه الاقتراحات قد فتحت أعين الساهرين على تأهيل المدينة على جوانب قد تكون غائبة عنهم بسبب كثرة المهام والأوراش التي يتعين معالجتها.
الحسن جرودي
1 Comment
ازكي ما يذهب اليه صاحب المقال واضيف الي اقتراحاته الاهتمام بالتنشيط المسرحي وبكافة مظاهر الثقافة السمعية البصرية( السينما ،التصوير،التشكيل .. )اضافة الي لفت الانتباه الي الحوامل التكنولوجية للثقافة ، لان الثقافة لم تعد حبيسة الورق والحبر كما يعلم الجميع.