محطة أولاد زيان والغزو الإفريقي !
يستغرب كثير من البيضاويين مما تعرضت إليه « محطة أولاد زيان » بعمالة مرس السلطان- الفداء، من « غزو » إفريقي في غفلة من السلطات أو بإيعاز منها، حيث استوطن مهاجرون أفارقة أحد الملاعب السوسيو رياضية للقرب، المحدثة قبل سنوات قليلة بالجهة المقابلة للباب الرئيسي على بعد بضعة أمتار، والتي تندرج ضمن المشروع التنموي الهام والهادف إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية للفئات الفقيرة، الذي أطلق مبادرته ملك البلاد محمد السادس سنة 2005.
ففي إطار تفعيل التوجيهات الملكية السامية، قامت وزارة الشباب والرياضة بشراكة مع الجماعات المحلية، واتفاق مع عدة جهات وطنية أخرى ساهمت باستثمارات مالية ضخمة، بإطلاق مشروع المراكز السوسيو رياضية، لتحفيز الساكنة على الانخراط الكثيف في الأنشطة الاجتماعية والثقافية والرياضية، وتخطي النقص الحاصل في البنيات التحتية الرياضية، لتقريب ممارسة الألعاب الجماعية من الأطفال والشباب في الأحياء الشعبية، تنمية ملكاتهم وتطوير مهاراتهم الرياضية، وفي ذات الوقت محاربة مختلف مظاهر الانحراف المتجلية أساسا في إهمال الدراسة وتعاطي التدخين والمخدرات، والإدماج السوسيو رياضي للسكان عبر بناء ملاعب للقرب مجهزة بفضاءات عمومية… فإلى أي حد استطاعت هذه الملاعب الحديثة تلبية حاجيات الساكنة والانعكاس الإيجابي على الفئات المستهدفة؟
صحيح أن إنشاء ملاعب القرب لقي استحسانا كبيرا لدى المغاربة، وخلق دينامية جديدة بمجموعة من الأحياء الشعبية بولاية الدار البيضاء الكبرى، حيث انتظم الأطفال والشبان في فرق رياضية محلية تحت إشراف فعاليات جمعوية، ساهمت في تنظيم مسابقات وبطولات رياضية، أفرزت مواهب كروية واعدة لم تلبث أن التقفت بعضها أندية رياضية كبيرة. لكن سرعان ما طفت على السطح اختلالات، كشفت عن عقليات هجينة، لا يتورع أصحابها عن إخضاع أي أنشطة للابتزاز، سواء كانت رياضية أو ثقافية أو اجتماعية أو تجارية. وبدا واضحا أننا مازلنا أبعد ما نكون من الديمقراطية والحكامة الجيدة في تسيير أمورنا وحسن تدبير شؤوننا، إذ لوحظ انزياح كبير للمشروع عن أبعاده البيداغوجية والرياضية وتم إفراغ مبادرة التنمية البشرية من روحها الوطنية، التي جاءت لتكريسها في أوساط الطبقات الشعبية، بعد أن حول منعدمو الضمائر هذه الملاعب إلى نماذج صارخة للنهب وسوء التدبير، وأبوا إلا أن يستغلوها في تنمية أرصدتهم البنكية، عوض تنمية ملكات أبناء الفقراء الرياضية.
وبعيدا عما بات يشوب تسيير هذه المراكز السوسيو رياضية من خروقات فادحة، وأساليب دنيئة للاستقطاب الانتخابي والاسترزاق المالي والإداري، فإن ما زاد المواطنين تذمرا هو حرمان أبنائهم من ملعب كانوا يفجرون فيه طاقاتهم عبر ممارسة كرة القدم، حيث أمسى بمثابة زنزانة كبيرة بدون سقف، بعدما قام مهاجرون أفارقة بالاستيلاء على كل مساحته وتقسيمها فيما بينهم، مؤثتينها بأفرشة وأغطية رثة وأدوات طبخ من طناجر وصحون وقنينات كبيرة، واضعين ستائر من قماش وبلاستيك، لحجب الرؤية على المارة دون جدوى، ناهيكم عما قد يترتب من أمراض بسبب تراكم الأزبال وانبعاث الروائح الكريهة. وما يحز في النفس أنهم يبيتون في العراء تحت حرارة الشمس وقساوة البرد وتساقط الأمطار، وأن من بينهم شبابا ببنيات قوية، نخشى تمردهم يوما على الساكنة أو اختراقهم واستغلالهم في أشياء أخرى، بدل الاكتفاء بالتسول وبيع السجائر وأشياء أخرى في المدارات والأسواق، لتدبير قوتهم اليومي.
نحن نقدر ظروفهم الصعبة التي قادتهم إلى هجر أهلهم وأوطانهم، وركوب المخاطر والأهوال مضحين بأرواحهم، جراء ما يعانونه من فقر وبطالة ومجاعة وحروب أهلية وغيرها من الآفات الاجتماعية والمآسي الإنسانية، ونعلم أن المغرب أضحى يشكل لهم نقطة انطلاق نحو الفردوس المفقود، باعتباره البلد المضياف والأقرب إلى أوربا. وأنهم أمام استحالة تحقيق آمالهم وأحلامهم وتشديد الخناق على عمليات الهجرة السرية، وفي ظل ما تقوم به السلطات الجزائرية من سوء معاملة وترحيل أسوأ، آثر الكثيرون منهم تمديد إقامتهم غير النظامية بالمغرب، الذي يتعذر عليه ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية لعدة اعتبارات، لكننا لا نريدهم أن يصبحوا عالة على المجتمع المغربي واستفزاز أفراده.
وبالنظر إلى ما يميز الملك محمد السادس من حس إنساني رفيع، وانطلاقا من سياسته التضامنية مع المهاجرين الأفارقة وغيرهم، أصدر أوامره في عام 2014 إلى المصالح والقطاعات المعنية، بالشروع الفوري في تسوية أوضاع اللاجئين والمهاجرين تدريجيا، ليكون بذلك أحد أبرز قادة العالم القلائل الذي تعامل مع معضلة الهجرة بشجاعة وحكمة، حيث أشرف على وضع استراتيجية وطنية وفق مقاربة إنسانية مندمجة، تحفظ كرامتهم وتصون حقوقهم كاملة، فأصبح المغرب بلد استقرار بالنسبة لآلاف المهاجرين الأفارقة بدل محطة عبور، ومن ثم صارت لهم نفس الحقوق التي يتمتع بها إخوانهم المغاربة على عدة مستويات بما فيها التعليم والتكوين المهني والعلاج… فأي ترجمة حقيقية لحقوقهم على أرض الواقع، ونحن نراهم يحتلون الملاعب الرياضية والحدائق العمومية؟ وأين تذهب المساعدات الأوربية؟
نحن لا نشكك في ما تبذله السلطات من جهود لتسوية أوضاع المهاجرين الأفارقة، وما تقدمه من خدمات للاتحاد الأوربي في الحد من استمرار تسللهم إلى بلدانه، غير أننا نرفض التغاضي عن أحوالهم المزرية، وتركهم للمجهول دون أن تتوفر لهم أبسط الشروط الإنسانية والإمكانات المادية لمواجهة تكاليف الحياة. ولا نقبل بإغلاق ملاعب القرب أو تحويلها إلى فضاءات للابتزاز أو لإيواء المهاجرين والمشردين، عوض جعلها مشاتل لاستنبات البراعم الواعدة من أطفالنا وشبابنا. فعلى الجهات المسؤولة أن تسارع إلى تقويم الاختلالات القائمة، وتفعيل مهام لجن المراقبة والتتبع وإرساء أسس الحكامة الجيدة…
اسماعيل الحلوتي
Aucun commentaire