على هامش واقعة ورززات التعليمية ، العنف المادي والرمزي
وجه جديد من الأزمات التي تعرفها المؤسسة التعليمية أطل علينا هذه المرة تمثل في عنف على رجل تعليم شكل هذا صدمة مجتمعية ، ولعله الواقع الذي كان يختفي في العتمة ، بينما كانت المؤسسة التعليمية تتعرض لعنف تنوعت اشكاله … وداخل هذا الفضاء كان الاستاذ يتعرض لأشكال من العنف سواء من طرف المجتمع عندما تحول الاستاذ الى مجال للنكتة والفرجة يتداخل فيها ما هو سياسي وما هو ثقافي مفتعل كان يراد من خلاله اضعاف هذا الكائن الاجتماعي الذي كان في مقدمة المطالب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية التي كان يرفعها المجتمع او من طرف الادارة عندما اصبحت اعطاب المنظومة التربوية تلصق بالأستاذ ، …. الى التلميذ الذي لم يعد يقدم الاحترام والتقدير، … حيث الأساتذة والاستاذات يقضون احيانا ساعات من الضغوط داخل القسم من خلال سلوكات دخيلة لم تعد تراعي حرمة المؤسسة التعليمية وحرمة القسم والاحترام للأستاذ ، وانحدر هذا الانحطاط السلوكي واللفظي الى التشرميل ضد المدير وضد الحارس العام والاستاذ وهو التشرميل الذي اجتاح المجتمع واصبح يتمثل في صور مختلفة منها المادي والمعنوي ، الاضراب او بالأحرى الوقفة الاحتجاجية التي نفذها رجال ونساء التعليم هي فعل واعي بان ما يقع داخل المؤسسة التعليمية لم يعد يطاق ، فالحق في الكرامة اكبر من الاقتطاع الذي يمكن ان تأخذه الدولة من اجر الاستاذ ، وهي الوقفة التي على المسؤولين على مستوى اعلى حسن قراءتها…
لقد اصبحت المؤسسة التربوية غريبة تائهة بلا معنى ما دامت المنظومة التربوية تخرج من خيبة الى اخرى وداخلها الاستاذ كما لو انه داخل قوقعة يؤدي ادوارا عبثية بلا نتيجة عندما تتموضع البلاد في ادنى المراتب على سلم التحصيل التعليمي ، رغم كل المخططات الفاشلة التي كلفت الدولة الملايير …
وبالتالي المؤسسة التعليمية التي كانت تعمل على تصريف العديد من القيم وجدت نفسها مخترقة بقيم جديدة ، ومن داخلها نبتت قيم أخرى في غفلة من المسؤولين ، ولولا هذا الكائن المعلوماتي التي اخترق اسوار المؤسسات التعليمية واصبح يقدم لنا فظاعات عن ما يجري داخل هذا الحرم ، وان لم تكن الصورة مكتملة بقدر ما تعرفه المؤسسات التعليمية يوميا من اشياء تظل في الظل لم توجد وسائل للتعرية عنها الا ما تحقق له التسريب …
فجميع مكونات هذا الفضاء كانت تتعرض للعنف بدءا من المؤسسة وانتهاء بالأستاذ والتلميذ ، حيث تعرضت المؤسسات التعليمية لعنف ويمكن ان يستغرب المرء ان تتعرض مؤسسة تربوية للسرقة او حتى الحرق ويحصل هذا السطو- العنف – كشكل من اشكال التشرميل يطال ابواب الاقسام والمقاعد وممتلكات الاساتذة والتلاميذ … هذا العنف الممارس في حق العديد من المؤسسات التعليمية ، لكن يكبر وجه الغرابة عندما يصرح مسؤول اقليمي بانه لا علم له بهذا ، في غفلة من التقارير التي ترسل ، ويستمر هذا العنف يعاود نفسه ، مثل هذه السلوكات تحتاج الى قراءة وتحتاج من المسؤول الحماية والامن للمؤسسات وضمان الجو السليم الذي يمكن ان تدار داخله العملية التعليمية … أليست هذه اللامبالاة وجها من اوجه العنف الممارس على المؤسسة التعليمية .
جذور العنف تمتد في التاريخ الذي يبدأ من اول مرحلة يطأ فيها الاستاذ باب التعليم حيث كان يقذف به في منطقة نائية داخل قسم من البناء المفكك نصفه حجرة تعليمية ونصفه الآخر سكنا ، عليه ان يدرس اربعة مستويات او خمسة ، لا مشكلة !!! على الاستاذ ان يتحمل كل شيء ، في هذه الحجرة – المنفى – ينام وهنا يأكل اما حاجياته البيولوجية الاخرى فيقضيها في الخلاء … فلا ماء ولا كهرباء ولا خبزا الا ما يختزنه طيلة الاسبوع … قد تحاصره الانواء والثلوج بدون تدفئة وغداء الا ما كان يجود به السكان على قلة ما توفر لديهم . قبل ان يتم التصريح بان المواد المصنعة لهذا البناء المفكك تتسب في امراض خطيرة على راسها السرطان ، فكيف سيكون حال استاذ قضى اكثر من 20 سنة داخله…
ويستمر نفس العنف من خلال المذكرات الوزارية من زمن » عز الدين العراقي » التي جعلت من التعليم منفى وحصارا فحتى الحق في متابعة الدراسة اخذ من الاستاذ ، واقفلت مراكز التكوين بما فيها مركز تكوين المفتشين الذي ظل مغلقا بإحكام لسنوات عديدة ما جعل الاستاذ يعيش الاحباط ، ومن داخل هذا النسيان والفراغ هناك من انتحر وهناك من فقد عقله وهو لا يزال في ريعان شبابه …
وبفضل هؤلاء الذين كابروا وضحوا في ظروف اشد عنفا وقساوة استمرت المنظومة التربوية واقفة تكابد الزمن تحمل اعطابا ، وبفضل نضالات جسيمة فـُتِحت الابواب في وجوه اجيال لاحقة وجدت الطريق سالكا للحق في الدراسة والترقي وتغيير الاطار ، حتى اصبحنا نرى من استاذ من فرعيته المنسية يبني مجدا من الترقي ب » شواهده » التي ربما تحققت على حساب زمن المتعلم فيحصل على الماستر وحتى الدكتورة ويتربع مسؤولا !!! قد يمارس سلطوية على اساتذة لم يكن في يوم من الايام الا مجرد تلميذ تعلم حروفه الأولى على ايديهم !!!
ويستمر العنف من داخل الزنازين التي اقفلت الخناق على الاجيال الاولى – الزنزانة 9 – من خلال انظمة اساسية لم تكن منصفة ولا زال الضحايا يحتجون ويجهرون لكي يرفع عنهم هذا العنف اللامنتهي ومنهم من مات او تقاعد وهو يحمل في جوفه حرقة العنف والظلم والنكران وعدم الاعتراف بالتضحية … ولا زلنا نرى شيوخا اعتلى الشيب رؤوسهم ووجوههم ونساء منهكات من رجال ونساء التعليم … يقفون امام قبة البرلمان يستجدون حقوقا هي اليوم مجرد احلام !!! ولم يعييهم العنف الذي مورس عليهم ان ينتقلوا الى الرباط ،عسى ان ينتبه المسؤولون الى هذا الصوت المبحوح …
وللأسف الاستاذ كحلقة ضعيفة تنزل عليه كل انواع العنف المادي والمعنوي والرمزي ، هل هناك عنفا اشد حينما يشتكي المسؤول استاذا ، فتلج الشرطة القضائية الى المؤسسة التعليمية وامام انظار الآباء والتلاميذ لاستجواب الاستاذ بدعوى اهانة المسؤول !!! الم يكن الاستاذ في قسمه مع تلامذته ، اليس هناك اهانة اكثر من ان يقتحم حصة تعليمية وينتهك حرمة القسم الذي هو فضاء تربوي ويبدأ يصب جام غضبه على الاستاذ امام انظار متعلميه الذين ينظرون الى هذا المشهد السريالي باستغراب ، كما لو ان الأستاذ مجرد طفل يحتاج الى » تقريعة » تأديبية
، اليس هذا جزءا من العنف الممارس على الاستاذ ، دون الانتباه الى المساس بالصورة الاعتبارية التي يحتفظ بها المجتمع للأستاذ ، واية صورة سيلتقطها التلميذ عن استاذه من خلال هذا المشهد الفظيع الذي ينزل بكرامة الاستاذ الى الاسفل واي تقدير سيحتفظ به لأستاذه ، واية صورة سيأخذها عن المسؤول الذي يدبر قطاعا تربويا !!! الم يكن هناك شركاء اجتماعيون – النقابات – ينوبون عن الاساتذة في طرح القضايا وايجاد حلول للازمات … الم يكن هناك مجلسا للتدبير يمثل الاساتذة اوكل اليه المشرع ادوارا وهو المعني بالمخاطبة ، وبالتالي غياب رؤية واضحة في التدبير لا يمكن الا ان تنتج شططا في استعمال السلطة تولد انواعا من العنف الذي قد لا يتحمله الاستاذ احيانا …فعن اية كرامة يبحث المسؤول لو افترضنا انه ستصدر في حق الاستاذ عقوبة ، هل كان هذا المسؤول يبحث عن مقايضة كرامته بالوطء على كرامة الآخر ، اين هي التربية والقيم والاخلاق داخل هذا التضاد … وفي غياب الشخصية المشبعة بالقيم التربوية في قطاع هو اصلا للتربية والتعليم ، وعندما يحصل العجز في تدبير ازمة ما يتم اللجوء الى العنف كوسيلة للإكراه ينتج عنه التشنج والتوتر الذي يلقي بظلاله على العملية التعليمية .
احيانا يجد كل من الاستاذ والمدير والمتعلم نفسه داخل ازمة لم يصنعها ويعاني من تبعاتها نتيجة مجموعة من الظروف ، لكن الذي يحصل هو القفز على هذا الحائط القصير- الأستاذ – المسكين والأعزل الذي تلصق به جميع انواع الشرور… اليس تدبير الزمن المدرسي هو معضلة من المعضلات التي تعرفها المنظومة التربوية ، حيث لم يعرف استقرارا لأنه يدبر بطريقة لم تراع الخصوصيات التي تحدث عنها ميثاق التربية والتكوين ، بالتوافق حول استعمالات زمن مفتوحة تتسم بالمرونة والانفتاح وليست نماذج نمطية . وإلا ما الشيء الذي جعل الوزير حصاد يبدع زمنا تعلميا جديدا في اوقات لم تعهدها الادارة والاستاذ والمتعلم … وهل يعقل ان يوجه مسؤول استفسارا الى استاذ عن كتابة على الفيسبوك تنتقد بعض التدابير المتخذة داخل المنظومة التربوية تتعلق بظاهرة معينة ، والحال ان الاف الكتابات ينتجها رجال ونساء التعليم يوميا على وسائل التواصل الاجتماعي عن قطاع ينتمون اليه ، ويطمحون الى اصلاحه وتجاوز اعطابه التي هم اول المتضررين منها ، هل سيحتاج رجال التعليم ونسائه وكل من له علاقة بالتعليم الى الاستفسار عن كتاباتهم ، اليس الفيسبوك هو فضاء افتراضي ، وهل كان الفيسبوك جزءا من الادارة التي ينتمون اليها ؟ فلو افترضنا ان مسؤولا تضرر من تلك الكتابات فهناك جهازا آخر يمكن الاحتكام اليه من اجل الانصاف ، اما ان توجه الاستفسارات الى رجال التعليم لتكميم افواههم وارهابهم بأنواع من العنف التي لا تدخل الا في خانة الشطط في استعمال السلطة فهذا امر غريب ومرفوض ، لا يعبر الا عن البؤس التدبيري ، الأمر الذي لا يزيد الا في رفع منسوب الاحتقان وفي مزيد من تردي المنظومة التربوية وفقدان الطمأنينة والتواصل بين الرئيس ومرؤوسيه ، ولن تدفع هذه السلوكات الى الترقي والانتاجية والمردودية …
قد لا يدرك الكثيرون ان بعضا من رجال التعليم فضلوا التقاعد النسبي كهروب من جحيم العنف المركب حيث الوظيفة لم تعد مريحة ولا الافاق مفتوحة بينما المنظومة التربوية عرجاء تجر ذيول الاخفاق والتردي ، وحيث العنف صار وسيلة للتواصل والتخاطب ، فيما اصبح المجتمع يعيش داخل ازمة قيم التي ترخي بظلالها على مجالات متعددة ، وثقافات طارئة مشحونة بعنف غير مقبول لا زالت الدولة غير مبالية بما يقع ولم تستطع ان تبلور قوة مجتمعية وقانونية يجب ان تحد من توسعه ، والا غدا سنجد هذا العنف يمتد الى ما هو اكبر واخطر على البلاد والعباد …
Aucun commentaire