من سيرة ولد لجبال: أسلحة ومعارك بواد مستفركي
رمضان مصباح الادريسي
في موقع » ايريماين » الضيق والمائل ، المحصن والمحاصر بالجبال من كل الجهات ، لم يكن لطفولتنا الجبلية إلا أن تكون نهرية في أغلبها. عشنا ضفادع نهر – خصوصا في الصيف – لا نبرحه إلا وقد بَرَّحنا الجوع ؛ونكاد لا نلازم منازلنا غير هنيهات الازدراد،ولو وقوفا ،لنتجمع من جديد تحت « اج نترويط » :شجرة الروضة،التي تشرف على عين الماء،الواقعة في عمق الوادي.
نجتمع لنحدد مجال انتشارنا من جديد ،قريبا في محيط العين ،أو بعيدا ،صُعَّدا إلى منابع الوادي ؛المسماة « ثالوين » ؛حيث العين الأخرى » ثيط ثابوريت » – العين البورية- الأكثر صبيبا.
في « ثالوين » يلتئم ،صيفا،شمل أطفال الدواوير كلها؛بل يلتئم حتى شمل قطعان المشاية النازلة ،عطشى،من عل ،مسرعة صوب الماء؛تسبقها تلك الرائحة المعروفة لقطعان الماعز والخرفان.
ها قد اكتمل المشهد الذي لا يُنسى أبدا: بهجة السباحة في الفجوات الصخرية،العميقة نوعا ما، للنهر ،وبهجة أزلية يولدها اختلاط الإنسان بالحيوان الأليف ؛حينما يحمشهما الحر ويدفع بهما صوب الماء والظل.
نقفز إلى الماء ،من عل، وتتعالى صيحاتنا ،بسبب أو بدون سبب. يُحرض الكبار الصغار على الإقدام؛وحينما ينكص أحدهم ويَزْوَرُّ تتعالى الضحكات ،وينتهي الأمر بالصغير مدفوعا وكأنه فرخ طير مرغما على الطيران.
كم تسعد يا هذا وأنت بين برودة الماء المنعشة ،والحر يلهب من حولك القمم الشماء؛حتى تخالها تغار منك ،وتوشك أن تنهد صوب الماء .
نَعْرى في « ثلوين » ونبرَد ونجوع ،وليس لنا – في القرب- غير التوت البري،نقتحم عليه أشواكه ،ونمهدها سُبلا صاعدة صوب العناقيد المتمنعة؛محاكين ما تفعله الماعز ،حينما تتسلق القمم وحوافي الجبال الخطيرة،وحتى أعالي الأشجار.
وهل يُشبعك التوتُ أيتها الضفادع البشرية؟ نُسكت جوعنا فقط إلى أن تكل أذرعنا سباحة ،وتتقوس ظهورنا جوعا،فننحدر عبر مجرى الوادي عائدين ،عصرا،صوب منازلنا.
وحينما يدق أوان استبدال السباحة بغيرها من متع الوادي ،ندخل في حروب لا تنتهي ،ببنادق ومسدسات خضراء.
بنادق نصنعها صنعا ،بتقنية لا نعرف متى وُظفت في حروب الأطفال بمجاري الأنهر.
نعمد إلى فروع الدِّفلى الشديدة الطراوة والاستقامة فنجرحها ،قرب منتهاها الغليظ جرحا مستديرا يحيط بالفرع كلية؛ ثم نحرك بلطف وتكرار اللِّحاء ،إلى أن نشعر به وقد انفصل تماما عن العود. وصولا إلى هنا نجذب اللحاء فينسلخ كلُّه،على شكل أنبوب.
السلاح الأخضر جاهز الآن: عود بمقبض ،وأنبوب يقوم مقام ماسورة البندقية.
أما الرصاص فنصنعه من نبات « المريوة » النهرية ،نمضغها ونلفها كويرات ،ثم نغلق بها الأنبوب ،من الجهة الكبيرة القُطر.
حينما نلقمها بعود الدِّفلى ونضغط بقوة وسرعة يُسمع لها دوي مكتوم. وكلما غَلُظت هذه اللوازم النهرية والحربية ،كلما سُمع لها دوي أقوى ،وصارت من أسلحة الدمار الشامل.
لقد تسلحنا ،وساعد الماهر منا من تباطأت صناعته،ولم يبق إلا أن نتوزع إلى ميلشيات مقاتلة،تُضايق في حروبها النهرية كل الكائنات الصيفية المائية؛الزاحفة والطائرة والسابحة.
قتال بطعم السعادة الصيفية،لا ينتهي إلا ليبدأ من جديد. لا ينفق سلاح إلا ليصنع من جديد؛وهل تعوزنا الدِّفلى في وادي مستفركي؟
لا منتصر ولا منهزم في حروبنا الخضراء؛عدا التباهي بأقوى الفرقعات،والضحكات المجلجلة حينما يسقط أحدُنا ،منزلقا على حوافي النهر الصخرية و اللزجة.
أما استراحاتنا ،كمحاربين،فلم تكن غير الغطس هنا وهناك؛وقربنا الأسلحة لا تفارقنا.
من يدري فقد يغافلك أحدهم ليشنف أسماعك بفرقعة،لن ترد عليها بسرعة إن بعد عتادك الحربي.
سعداء بطفولتنا،سعداء في وادينا وجبالنا،سعداء بما نبدعه من لُعب نهرية خضراء؛وكل هذا يعوض ما كان ينقصنا بحكم فقر الأسر،غالبا. في هذا كل الغنى الطفولي الذي لا يترك لك وقتا تفكر فيه خارج اللهو البريء والسعيد.
شاحنات وسيارات:
لم نكن نبدع فقط في معاركنا وأسلحتنا الخضراء ،بل كنا نصنع ،أيضا الشاحنات والسيارات؛وهي أيضا خضراء بحكم موادها الأساسية.
كنا نعمد إلى الصُّبَّار فنقطعه مربعات ومستطيلات ودوائر؛نجمع في ما بينها،ونثبتها، بعيدان الدِّفلى والأشواك الطويلة(العَوْجَج) ؛لتكتمل شاحنات وسيارات نجرها بالخيوط جرا ؛محاكين شاحنة « أمرابض » التي يركبها المتسوقون ،في وجهتهم الأسبوعية صوب سوق النعيمة.
وأحيانا نحاكي جرارات القائد محمد والحاج رابح وغيرهما؛وهي محملة حبوبا أو تبنا؛صاعدة من سهول أنكاد في طريقها صوب المخازن.
حينما نتنادى لصناعاتنا هذه يبكي الصُّبار من شدة ما يصيبه من أذانا ؛ويبرز الصناعُ المهرة لمساعدة المتعثرين ؛ثم نعمد إلى ضفاف الوادي نمهدها سبلا ترابية لتعبرها ناقلاتنا المجرورة، محملة بما اتفق من حشائش . حينما نتعب ،ويملنا الصُّبار الباكي ،نُدخلها مرائب نقيمها بالحجارة والأتربة،ونخلد إلى الراحة ،هنيهات فقط.وهل ترتاح الطفولة؟
وكان لنا أن نلعب في طرقات مستفركي المتربة؛حينما نمل غارات الوادي وأوراشه.
كنا نتخذ عجلات حديدية ،نعثر عليها محيطة ببراميل الماء الخشبية ،التي انتهت سقط متاع مُهملا،وأحيانا تكبر هذه العجلات وتثقل ،حينما يكون مصدرها براميل البنزين الكبيرة.
للصغار ما صَغَر وخف ،وللكبار ما ثقُل.
لتكتمل عدة اللعبة كنا نقتطع أسلاكا حديدية من شبكات حواشي الطرق ،خصوصا في معابر الوديان؛ونستعملها ،بعد ثني منتهاها،نصف استدارة ،في دفع العجلات.
يومها لا تسمع في مرتفعات « أيرواو »،ومنحدرات « اسالمن » غير أزيز عجلاتنا ،وصياحنا ونحن نكد ،نسابق بعضنا البعض.
كانت لعبة عضلية مرهقة جدا ؛لأن الجري يتواصل عبر مسافات طويلة ،نعرق فيها ونظمأ؛ولا زاد لنا غير العنفوان.
https://web.facebook.com/groups/mestferkiculture51/
Aucun commentaire