» هيا اشتغل رقاصة »
في مشهد من المشاهد المتعددة للمسرحية المصرية بعنوان « شاهد ما شافشي حاجة » و أثناء استنطاق الشاهد(سرحان: عادل إمام) أمام هيئة المحكمة،و في حوار مع الحارس الذي يتقاضى 7 جنيهات يصرفها على أسرته المتعددة و أمه و يعيش في غرفة واحدة،ينصحه أن يشتغل (رقاصة :راقصة) حتى يكون له دخل وافر .
إعلان و اشهار ب: 400 مليون
هذا الموضوع له علاقة بحوار أجراه صحافي مع مغني معروف من الشباب، و في أثناء الحوار صرح المغني انه يتقاضى الملايين (200 مليون عن سهرة واحدة)وانه طالب إحدى شركات الإعلانات و الإشهار s /publicité ليقدم إعلانا لمنتوج يروج له :400 مليون سنتم.و استغرب الصحافي، و لعله شعر بالدوار.. من القيمة المالية المطلوبة، و التي بدت له كنوع من الخيال العلمي في مغارة علي بابا….
تذكرة من مدرسة الماضي البعيد
في درس أدبي عن ازدهار الحياة الأدبية في الأندلس،أتذكر ذلك المدرس المحترم،رحمه الله تعالى و اسكنه فسيح جناته،الذي تحدث عن سوق الكتب .حيث التف حول الكتب مجموعة من الناس من مشارب متعددة و اهتمامات متنوعة ، ومن ظروف اقتصادية مختلفة.فكان شبه مزاد علني و تنافس شديد على اقتناء كتاب معروض للبيع ، بين أحد المثقفين و بين أحد الأثرياء . و كان الكتاب من نصيب من يدفع أكثر.و شعر المثقف بالحسرة أن الكتاب لم يكن من حظه. و سأل المثقف الثري عن سبب اقتنائه للكتاب : هل نظرا لأهميته العلمية أو …أو؟ فكان استغراب المثقف من جواب الثري: أن له خزانة كتب من كل الأصناف،و بقي جزء شاغر في الخزانة يتسع لهذا الكتاب…
كان العصر الأندلسي والعصر العباسي الأول عصور ازدهار علمي و ثقافي و أدبي و فني لا نظير له .وهو عصر للتنافس بين العلماء و الشعراء و المغنين و المثقفين و المهرجين…
في الوقت الحاضر نسمع الناس تفر من العلم و الثقافة و الأدب و الفن الرفيع، حتى بتنا نسمع عن مهندس يتخلى عن التطور المعرفي لينغمس في الموسيقى الراقصة(مول البندير) لما يذره البندير من عوائد مالية رهيبة.كان يحكي انه في بداياته الأولى من الممارسة (البنديرية) حصل على 10 ملايين في ليلة واحدة…إذن لا نستغرب من الفنان الذي أحيى سهرة راقصة ب 200 مليون ،و لا نستغرب من طلبه 400 مليون من أجل وصلة اشهارية .ذلك انه أصبح فنانا متمرسا وله تجارب لا يستهان بها..
لكن إنها الغرابة التي يشعر بها كل منتمي إلى عالم الكتب و الدراسة و البحث العلمي الأكاديمي و المخبري و عالم التعليم و التدريس … فهؤلاء الصفوة و النخبة من القوم و المجتمع الذين بواسطة حضورهم و مساهماتهم في التنوير و التوعية ، و أبحاثهم في مجلات المعرفة … و الذين يقاس تقدم المجتمعات وتطورها بواسطة أبحاثهم و مساهماتهم في تقدم البلد فقط، بل بتطور الإنسانية و الحضارة …إنهم يعيشون سابقا و الآن ،ضنكا في العيش وإيرادات تافهة إذا ما قيست بما يحصله هؤلاء(الفنانون) من سهرة متدنية في المستوى أساسها (هز يا وز)…
فلا شك إذن أن المجتمع يتجه نحو الهذيان و الانحلال بإعطائه القيمة لأصحاب البندير،ومنحه السخرية و الإهمال و التفقير لأصحاب القلم و التفكير …فمن يبحث عن الثراء السريع و المال الكثير فعليه أن يشتغل (رقاصة)أو بالبندير…أما طريق العلم و التحصيل و الاجتهاد فمآله الفقر و التحقير…
Aucun commentaire