هل فعلا ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة
أحمد الجبلي
يبدو أن انتصار ميركل في ألمانيا وتوليها منصب رئاسة الوزراء، من جديد، قد ترك أثره عندنا، وأجج نقاشات استدعت استحضار حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم « لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة » من أجل المراجعة والتشكيك في الصحة، لكونه حديثا يتناقض مع ما تحققه المرأة في العالم المعاصر في مجالا شتى وفي عالم السياسة تحديدا، كما فعلت من قبل المرأة الانجليزية ماركرت تاتشر حتى سميت بالمرأة الحديدية وفعلت الصهيونية غولدا مائير رئيس وزراء إسرائيل خلال الستينات وبداية السبعينات، وأنديرا غاندي الزعيمة الهندية الشهيرة التي اعتبرت الأنثى الثانية التي تنال منصب رئاسة الوزارة في العالم بعد سيريمافو باندرانايكا في سريلانكا. كما أن اسم أنديرا صار معروفا في كافة أنحاء العالم كرئيسة لوزراء الهند وذلك لتميزها في التدبير والتسيير والمواقف، وأصبحت الهند بقيادتها بلداً قوياً، أحرز تطوراً في مختلف المجالات، كما أنها أضفت نوعاً جديداً من النشاط على السياسة الدولية بدفاعها عن البلدان الفقيرة والمتخلفة في العالم، وكانت من المكافحين لتحقيق السلام العالمي أيضا، كما اشتهرت بميلها نحو فكرة عدم الانحياز في نطاق التعاون مع جمال عبد الناصر والمارشال تيتو.
إذن لا أحد ينكر ما حققته المرأة من تقدم كبير في مجال السياسة والتدبير في الوقت الذي عجز فيه العديد من الرجال في نفس الحكومات والبلدان وفي نفس الزمن الذي كانت هؤلاء النسوة يقدن فيه السياسة ويحققن تطورا على مستويات شتى.
إن العديد من علماء المسلمين وعامتهم لم يكونوا في حاجة إلى إجراء مراجعات في أحاديث نبوية شريفة تخص هذا الباب، وذلك لعلمهم الشرعي المسبق وقراءتهم الصحيحة لحديث ولاية المرأة، خصوصا وأن الحديث قد ذكره البخاري أي ليس محطة شك أو ريب لمن يعرف جيدا صحيح البخاري والمنهج الصارم الذي اتبعه صاحبه في تصنيفه، ولعلمهم بقواعد استخراج الحكم الشرعي، وحسن تطبيقها على النصوص سواء كانت نصوصا قرآنية أم نصوصا حديثية صحيحة، على اعتبار أن هذه النصوص هي أهم مصدر من مصادر التشريع. ثم إن الفقهاء قد فصلوا في حديث الولاية كما سيرد بعض من ذلك.
ورغم ذلك فلم يسلم هذا الحديث بالطعن حيث ذهب بعضهم للقول بأن راوي الحديث الذي هو أبو بكرة سبق وجلده عمر بن الخطاب في حد القذف، ولذلك لا يمكن الأخذ بروايته.
والرد على ذلك هو أن أبا بكرة لم ينفرد برواية هذا الحديث، ثم وحتى لو كان كذلك، ألا يعتبر أبو بكرة صحابيا جليلا والصحابة كلهم عدول بإجماع الأمة وأن الله تعالى زكاهم في غير ما موضع في القرآن الكريم، كما زكاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث عديدة.
يقول ابن تيمية: إن القدح في خير القرون الذين صحِبُوا الرسول صلى الله عليه وسلم قَدْحٌ في الرسول عليه السلام، كما قال مالك وغيره من أئمة العلم: هؤلاء طعنوا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما طعنوا في أصحابه ليقول القائل: رجل سوء كان له أصحاب سوء، ولو كان رجلا صالحا لكان أصحابه صالحين.
وكما يقول الإمام الشاطبي: » وإن الروايات تكاد تجمع على سبب ورود هذا الحديث، مما يجعل درايته مخالفة للاستدلال به على تحريم ولاية المرأة على الناس. » والروايات تقول إن نفرا قد قدموا من بلاد فارس إلى المدينة المنورة، فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن يلي أمر فارس، فقال أحدهم: « امرأة » -ويعني بها (بوران) بنت كسرى أبرويز- فقال صلى الله عليه وسلم: « ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ».
يقول الدكتور محمد عمارة: « إنها نبوءة سياسية بزوال ملك فارس وهي نبوءة نبوية قد تحققت بعد ذلك بسنوات أكثر منه تشريعا عاما يحرم ولاية المرأة للعمل السياسي العام »
وعندما سئل الشيخ محمد الغزالي، رحمه الله، الرجل الفقيه المتميز في بصره وبصيرته وفراسته وحسن فهمه للنصوص عن هل بالإمكان أن تتولى المرأة شؤون المسلمين؟ قال جوابا ساخرا ولكنه ذو معنى ومغزى: « امرأة مؤمنة خير من ذي لحية كفور ».
وكلمة الغزالي تحيلنا على الحديث عن ملكة سبأ المرأة التي أثنى عليها الله تعالى وعلى ولايتها للولاية العامة، لأنها كانت تمارس الحكم في إطار مؤسساتي ديموقراطي شوري، ولم تستبد لا برأي ولا قرار، في حين قبح القرآن فرعون وهو رجل لكونه كان طاغية مستبدا برأيه منفردا بسلطة القرار في حكمه وتوليه للولاية العامة، شعاره (ما أريكم إلا ما أرى).
ثم إنه من المعلوم لدى الخاصة والعامة أن الاجتهاد الفقهي الذي هو وسيلة في استنباط الأحكام الفقهية، يتغير بتغير الزمان والمكان والمصالح الشرعية المعتبرة فتولي المرأة لشؤون العامة قضية فقهية، لا يمكن أن يوصد فيها باب الاجتهاد الفقهي الإسلامي. وأيضاً إن اجتهادات الفقهاء القدماء حول تولي المرأة منصب القضاء، مثلا، تم الاختلاف فيها، فبعضهم قام بقياس القضاء على الإمامة العظمى مثل فقهاء المذهب الشافعي فمنعوا تولي المرأة القضاء، لاتفاق جمهور الفقهاء باستثناء بعض الخوارج على جعل «الذكورة» شرطاً من شروط الخليفة والإمام، فاشترطوا هذا الشرط »الذكورة » في القاضي، قياساً على الخلافة والإمامة العظمى. ويظل هذا القياس قياساً على »حكم فقهي » ليس عليه إجماع وليس قياساً على نص قطعي الدلالة والثبوت. والذين أجازوا توليها القضاء الإمام أبو حنيفة الذي قال بذلك لقياسه القضاء على الشهادة، فأجاز قضاءها فيما أجاز شهادتها فيه.
إن القول في كلام الله وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بدون علم ولا دراية من شأنه أن يفقد مصداقية الإنسان، كما أن الله قد قيد لهذه المهمة رجالا لهم من وسائل الاجتهاد واستنباط الأحكام ما يجعلهم حماة لأي زيغ أو تضليل للأمة، وأما دون ذلك فما على الإنسان إلا أن يرضى لنفسه تواضعا أن يدخل في زمرة الذين قال لهم الله تعالى ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون).
Aucun commentaire