أحب أمي أريد أبي
خلق الله آدم من تراب ، وخلق منه زوجه حواء ،كما خلق عيسى من مريم. ولكن حكمة الله سبحانه وتعالى، اقتضت أن يخلق الخلق من ذكر وأنثى .{ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم }(سورة الحجرات الآية7 ).
من بين الاختيارات السابقة للخلق – أراد الله، ولا راد لقضائه – أن يختار الرجل والمرأة كنواة لخلق الناس،وملء الأرض بهم . { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا }. (سورة النساء الآية 11) .فكان الرجل والمرأة ،وما يربط بينهما من علاقات مقدسة ،شرعية أساس الأسرة ، التي هي بدورها أساس الشعوب ، والقبائل ، والمجتمعات …و مع أول ثمرة للأسرة يبدأ الحديث عن الأمومة ، والأبوة ، وما يربطهما ، من علاقات بيولوجية ، وراثية ، ونفسية بالأولاد ، ويكثر الكلام عن الحنان ،والعطف ، والرحمة ، والتضحية ، والإيثار،والبر والإحسان ، والعقوق ، والرضا ، والحقوق والواجبات لكل من الوالد ، وما ولد … { وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا . } (سورة الإسراء الآية 23 -24) .
إ
ن الأبوة والأمومة ، لا تعني الإنجاب، أو النفقة المادية فقط . بل تعني أيضا ،الأمن النفسي ،والتربية الروحية ، والحب المجاني ، والبذل والعطاء بسخاء وبدون مقابل ، وتحمل الأذى والآلام ، وسكب الدموع ، والسهر …لكن كل هذه المعاني السامية ،المنبثقة عن الرحمة والمودة ، التي جعلها الله بين الزوجين تتبدد ، بمجرد ما تتعرض الأسرة ، لما يفسد العلاقة الطيبة بين الزوجين – لسبب ما -( لا يهمني قي هذا المقام) ، وتتفكك الأسرة ،ويسود منطق العداوة والبغضاء، ويهيمن الكيد والانتقام … بين الزوجين . فيتعرض الأطفال لجريمة الحرمان، من أحد الأبوين، أو كلاهما .بل قد يصبحون محل انتقام ،وتصفية حسابات بين الأب والأم . إن فصل الأبناء عن آبائهم ، يعرض الأطفال لاضطرابات نفسية ، وسلوكات اجتماعية منحرفة …ويضعهم في خانة المتخلى عنهم ، أو اليتامى يقول شوقي : إن اليتيم هو الذي تلقى له // أما تخلت أو أبا مشغولا
وما يزيد في تعاستهم ، ومآسيهم ، وحيرتهم … شعورهم بالدونية والاحتقار أمام الآخرين ، مع عدم القدرة على التعبير عن مشاعرهم ، لأنها قد تثير البغض والكراهية لدى الوالدين ، وتعمق الخلاف بينهما .ومن ثم يلجأ الأطفال إلى الانعزال والتقوقع حول الذات ، فيصابون بالكآبة ، أو انفصام الشخصية، أو أي مرض نفسي آخر . وقد يتحيز الأطفال، إلى أمهاتهم أو آبائهم، تحت تأثير الوعد والوعيد، وقد يصابون بالحيرة والذهول، أما تشويه الوالدين لصورة بعضهما البعض عند الأطفال، والتحذير من سلوك بعضهما البعض الذي غالبا ما يوصف بالانحراف والإجرام .
إن غالبية أبناء المطلقين أو المفصولين يعيشون مع أمهاتهم بحكم قانون الحضانة .ومن ثم يحرمون من آبائهم . الشيء الذي يعرضهم إلى الحرمان من الطعام ، والدواء ، وربما حتى من السكن والمدرسة ، ويفتح لهم باب التشرد والانحراف على مصرعيه . ويصبحون ورقة ضغط وانتقام يستعملها كل من الأب والأم ، بمباركة العائلة طبعا .فقد تدفع الأم ابنتها إلى الرذيلة ،والفاحشة انتقاما من الأب وإمعانا في إذلاله و تمريغ أنفته وكبريائه في التراب .وقد يلجأ الأب إلى دفع ابنه ، إلى شرب الخمر وتعاطي المخدرات ، أو استغلال ابنته كخادمة في البيوت …
إن معانات الأطفال بسبب التخويف من الأم والأب لا تنتهي ،وتصور معي شعور الطفل، وهو يلقن أساليب الشتم، والتحقير،وكل النعوت الساقطة ، في حق أبيه من طرف أمه ، – (والعكس صحح) -وأخواله ، وخالاته، وجده وجداته من أمه ، والكل يحذره صباحا ومساء ،و كلما خرج من البيت للعب أو الذهاب إلى المدرسة ، يلقن نفس الدرس: إياك أن يختطفك أبوك المجرم ،أو عمك الظالم، أو جدك المعتدي أو عمتك الفاسقة …فكلهم رهط مفسد غير مصلح .ونفس الدرس يحاول الأب تمريره إلى الابن : إياك ثم إياك من الاقتراب من تلك الأفعى الرقطاء أمك، فهي تتربص بك لتختطفك ثم احذر أبناء الحرام أخوالك ، ولحية الشيطان جدك ،والعجوز الشمطاء جدتك …فالكل يريد بك شرا .لا تثق في أحدهم، و لا ترد السلام على أحدهم، لأن همهم الوحيد هو أن ينزعوك مني… أنى لهذا الطفل المسكين ،أن يستوعب أن له والدين يكنان له العداوة والبغضاء من دون جرم أو إثم ارتكبه . وقد تدفعه هذه الضغوطات ، إلى محاولة إقناع نفسه بأنه السبب في انفصال والديه ، فيكفر عن ذنبه هذا ،البريء منه ، بمعاقبة ذاته برميها في عالم الرذيلة و الجريمة والانحراف …
1 Comment
أصبت يا أخ العرب.. فلا أحد يستطيع التنفس برئة واحدة إلا مريض.