الحنين إلى ما قبل الفتح الإسلامي رغبة في الخروج من النور والعودة إلى الظلمات
الحنين إلى ما قبل الفتح الإسلامي رغبة في الخروج من النور والعودة إلى الظلمات
محمد شركي
قرأت مقالا لأحدهم على أحد المواقع تحت عنوان : » أعراس أمازيغية تناجي الآلهة القديمة » والقصد الذي يفهم من هذا المقال أن بعض الأهازيج في الأعراس الأمازيغية تتضمن كلمة » وارّو » أو » هيرّو » التي تدل حسب زعم صاحب المقال على اسم آلهة الفرح عند الأمازيغ قبل الفتح الإسلامي ، بل زعم أنها هي » هيرا » إلهة الزواج الإغريقية وزوجة » زيوس » . وما أكثر المقالات التي تنشر على ذلك الموقع وكلها تصب في موضوع الحنين إلى الوضع الذي كان عليه الأمازيغ ما قبل الفتح الإسلامي اعتقادا وعادة وتقليدا وثقافة … إلخ . وأصحاب هذا التوجه يحسبون على النعرة أو النزعة المتعصب للأمازيغية والذي يتطرفون إلى أبعد الحدود في عصبيتهم إلى درجة اعتبار الفتح الإسلامي غزوا عربيا لأرض أمازيغية . ولا يخفي كثير من هؤلاء الإفصاح بشكل واضح عن حساسيتهم المفرطة من دين الإسلام ومن كل ما يمت إليه بصلة ،وهم يعادون اللغة العربية لأنها لغة الرسالة العالمية الخاتمة للبشرية كافة على اختلاف أعراقها وألوانها وألسنتها ، وهي رسالة يستوي فيها من نزلت بلسانهم مع غيرهم دون أن يكون التفاضل بينهم إلا بقدر الالتزام بتعاليمها ، ولا ينفع من ينطق باللسان الغربي نطقه به إن كان غير ملتزم بالإسلام ، ولا يضير من ينطق بغير اللسان العربي نطقه به إن كان مسلما . ومعلوم أن الرسالة الخاتمة جاءت لإخراج البشرية كافة من الظلمات إلى النور مصدقا لقول الله عز وجل : (( هو الذي ينزل على عبده آيات بيّنات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرءوف رحيم )) فرحمة ورأفة بالبشرية قبل نهاية العالم وانتقالها من الحياة الدنيا إلى الآخرة أنزل الله عز وجل الرسالة الخاتمة ليخرج الناس مما كانوا عليه من ضلال فيما يعتقدون وما يفعلون ،وقد استعار سبحانه للتعبير عن حالهم تلك الظلمات بصيغة الجمع، الشيء الذي يدل على شدة حلكة الظلمة حين تتراكم الظلمات ، وقد عبر القرآن الكريم من خلال تشبيه تمثيل عن تراكم الظلمات في قوله تعالى وهو يصف الضال من العباد : (( أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله نورا فما له من نور )) وهذا أبلغ تعبير عن الحال التي كانت عليها البشرية قبل أن تشملهم رأفة ورحمة الله عز وجل وهي على اعتقاد فاسد يؤثر في كل أحوالهما فيفسدها فتصير ضلالاتها متراكمة بعضها فوق بعض . والأمازيغ ككل شعوب المعمور مروا بدورهم بمرحلة الضلالات المتراكمة قبل أن يصلهم نور الرسالة الخاتمة الذي أضاء كل أحوالهم فصارت هداية مشعة تضيء كل جوانب حياتهم . ومعلوم أن الإنسان إذا كان في ظلام ثم خرج منه إلى نور يكره أن يعود إلى الظلام من جديد . والغريب أنه بعد خمسة عشر قرنا من طرد نور الهداية ظلمات الضلال لا زال بعض الأمازيغ في يومنا هذا يحنون إلى تلك الظلمات جريا وراء التعصب الأعمى للعرق واللسان، علما بأنه لا يوجد عرق أفضل من عرق ولا لسان أفضل من لسان لأن البشرية تنتهي إلى نسب واحد ،وكلها من آدم عليه السلام ،وآدم من تراب ، ولا يفضل تراب ترابا . ولا يختلف حال العصبية العربية التي أدركها الإسلام عن حال العصبية الأمازيغية عند البعض اليوم ، وهي عصبية في منتهى التطرف يشد الحنين أصحابها إلى ظلمات ما قبل الإسلام . ومما يحن إليه هؤلاء تعصبا تجاوزهم التأريخ الإسلامي إلى تأريخ أمازيغي ،علما بأن التأريخ الإسلامي هو تأريخ عالمي يتجاوز كل تأريخ عرقي ، وهو تأريخ يدل على بداية طرد نور الإسلام كل ظلمات المعتقدات الفاسدة والضالة مما كان انتماؤها العرقي . والأمازيغ ليسوا سواء في قضية التعصب للأمازيغية بل يشهد التاريخ أن الأمازيغ تلقوا دعوة الإسلام كما تلقاها غيرهم من الأمم والشعوب والأعراق بالترحاب لرجاحة عقولهم ، وتبنوها ،واحتضنوها ،وعملوا على صيانتها ونشرها وتبلغها كما فعل الذين أوصلوها إليهم من العرب والعجم بل اشتركوا مع هؤلاء في فضل نشرها وقد أدركوا حقيقة نورانيتها التي خلصتهم مما كانوا فيه من ظلمات . والذين يحنّون اليوم إلى تلك الظلمات إنما يصدرون عن عصبية مثيرة للسخرية في القرن الواحد والعشرين الذي خلفت البشرية المتحضرة وراءها كل أنواع العصبيات العرقية باستثناء اليهود الذين لا زالوا سجناء عصبيتهم العرقية لا يخجلون من الزعم بأنهم أسمى عرقا من كل البشر في عصر العلوم المعاصرة التي أكدت ما دحضته الرسالة الخاتمة قبل خمسة عشر قرنا من وجود تفاوت أو تفاضل عرقي بين البشر . ومعلوم أن كل شكل من أشكال التعصب العرقي إنما هو محاكاة لتعصب اليهود وغيرهم كالنازيين وأمثالهم . ولا تخلو نوايا مبيتة من وراء دعوات التعصب للعرق الأمازيغي ،وغالبا ما يكون أصحابها من العلمانيين الذي يعادون التدين ، وهؤلاء يجدون ضالتهم في النبش في ظلمات الأمازيعية الوثنية قبل البعثة الإسلامية ويؤثرونها على نور الإسلام ، ويحاولون اختزال هذا الدين العالمي الذي يتجاوز كل الأعراق في العرق العربي لمجرد أن الرسالة الخاتمة نزلت باللسان العربي . ومن المؤكد أن هذه الرسالة حتى لو نزلت باللسان الأمازيغي بنفس المضامين التي هي عليها باللسان العربي لرفضها العلمانيون الأمازيغ لأنها تتعارض مع علمانيتهم . إن الذين يحاولون اليوم النبش في الماضي الأمازيغي قبل الإسلام ويحنّون إليه ينطبق عليهم قول الله عز وجل : (( وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون إن هؤلاء متبّر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون )). وعليه فإن الذي زعم أن الأهازيج الأمازيغية تناجي الآلهة أو إلهة الفرح والزواج لا يختلف منطقه عن منطق قوم موسى عليه السلام الذين فضلوا المتبّر والباطل على ما جاءهم من الحق ، وهو يريد أن يعود بالأمازيغ إلى ظلمات أخرجهم منها الله عز وجل إلى نور لا ظلمة بعده . وعلى العقلاء والأكياس الأمازيغ ألا يسمحوا بوصاية تريد شرذمة من المتعصبين تريد فرضها عليهم وعلى الأمازيغية التي احتضنت الإسلام كما احتضنه غيرها وكان لها الشرف في ذلك وهو شرف لا يقل عن شرف غيرها . وعلى هؤلاء الأكياس العقلاء أن يقابلوا نبش المتعصبين فيما كان عليه الأمازيغ قبل الإسلام من ضلالات اعتقادا وعادة وتقليدا وثقافة … بالكشف عن ما صار عليه الأمازيغ بعد خروجهم من ظلمات الضلال إلى نور الهداية ، والذين رددوا كما ردد الفاروق عمر رضي الله عنه وكان قبل الإسلام متعصبا للعروبة : » كنا أذلة فأعزنا الله بالإسلام، فمن ابتغى العزة بغير الإسلام أذله الله » . وصدق الله العظيم إذا يقول : (( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين )) .
Aucun commentaire