الحياة الفكرية في عهد الدولتين المرابطية و الموحدية من خلال كتاب المعجب في تلخيص اخبار المغرب لعبد الواحد المراكشي ـ الجزء 1 ـ
اولا: ترجمة المؤلِّف و موضوع المؤلَّف و دواعي تأليفه
ترجمة المؤلف: هو محي الدين أبو محمد عبد الواحد بن علي المراكشي .ولد بمراكش في السابع من ربيع الثاني سنة إحدى و ثمانين و خمسمائة للهجرة (581هـ) في أول أيام أبي يوسف يعقوب بن عبد المومن . انتقل الى فاس _ »حاضرة المغرب و موضوع العلم منه اجتمع يومئذ فيها علم القيروان و علم قرطبة » و هو ابن تسعة أعوام و أقام بها إلى أن قرأ القرآنو جوَده و رواه عن جماعة مبرزين في علم القرآن و النحو . ثم عاد إلى مراكش و لم يزل يتردد بينها و بين فاس .
التقى سنة خمس وتسعين و خمسمائة (595 هـ) بأبي بكر بن زهر حين وفد سنة ثلاث و ستمائة (603هـ) رحل _ وهو ابن عشرين سنة_ إلى الأندلس،
أدرك بها مجموعة من الفضلاء من أهل كل شأن فلم يحصل منهم ـ كما يقول ـ إلا معرفة أسمائهم و مواليدهم و علومهم .
تعرف خلال وجوده بالأندلس سنة خمس و ستمائة (605هـ) ألى ابراهيم ابن أبي يوسف بن عبد المؤمن حين ولي اشبيلية و توطدت علاقته به و علا حاله عنده بعد ذلك يقول عن هذه العلاقة: »و علت حالي عنده » ـ بعد ذلك ـ الى أن كان يقول لي في أكثر الأوقات : « و الله إني لاشتاقك إذا غبت عني أشد الشوق . و أصدقه » ولم تزل حاله معه على هذا الحال حتى فارقه وهو وال على إشبيلية.
ولايته الثانية في آخر يوم من ذي الحجة سنة عشر و ستمائة (613هـ) .
و التقى غَرّة سنة إحدى عشرة و ستمائة بأبي يعقوب يوسف بن محمد بن يوسف بن ابن عبد المومن بن علي وجلس بين يديه حاليا به، يقول في مقابلته لهذا الخليفة »لقيته وجلست بين يديه خاليا به و ذلك في غرة سنة إحدى عشرة و ستمائة فرأيت من حدة نفسه و تيقظ قلبه و سؤاله عن جزئيات لا يعرفها أكثر السوقة فكيف الملوك ما قضيت منه العجب » . و كان قبل ذلك بسنة حاضرا في بيعته.
و في سنة أربعة عشر و ستمائة (614 هـ) رحل بحرا عن الاندلس إلى افريقية الا انه لم يزر مدينة تونس مما يرجح أن رحلته ـ فيما بعد ـ إلى مصر كانت بحرا . أقام في مصر بضع سنوات سبعة عشر وستمائة (617 هـ) تسعة عشر و ستمائة (619) . و كانت تصله بها كثير من أخبار المغرب مما يدل على أن الاتصال بينه و بين بلده لم ينقطع.
و في سنة عشرين و ستمائة (620) سيزور مكة حيث يلتقي بمحمد بن أبي الفضل الشيباني و يأخذ عنه سماعا حديث « لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق « لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة » .و سينتهي به المقام ببغداد حيث سيؤلف « المعجب » نزولا عند طلب الوزير العباسي و ستنقطع أخباره بعد الفراغ من إملاء كتابه هذا عام إحدى و عشرين و ستمائة.
التقى المراكشي في حياته بمجموعة من الأمراء من دولة الموحدين و كان مصاحبا لبعضهم فبالإضافة الى من سبقت الإشارة إليه ـ فإنه التقى بأبناء أبي يعقوب : يحي و أبي عبد الله و إسحاق. و كانت له بيحي علاقة صداقة متينة استغلها في الحصول على كثير من أخبار الدولة الموحدية في أدق تفاصيلها يقول: »كان يحيى ـ رحمه الله ـ لي صديقا و من جهته تلقيت أكثر أخبارهم لم أر في الملوك ولا في السوقة مثله … و ما استجزت لفظه الصداقة ـ مع أن الواجب لفظ الخدمة ـ إلا ما كان رحمه الله يكتب إلي أخي و صديقي في بعض الأوقات وليي في بعضها » كما كان صديقا لبعض الوزراء منهم أبي عمران وزير أبي عبد الله محمد بن يعقوب بن يوسف » .التقى أيضا بكبار العلماء و الأدباء و الشعراء و كانت له معهم علاقة صداقة. من هؤلاء:
– ـ الأديب أبو جعفر الحميري التقى به سنة ست و ستمائة (606 هـ) أيام قراءة عليه بقرطبة و لزمه مدة سنتين .
– ـ و أبو عبد الله محمد بن عبد ربه الكاتب حفيد صاحب العقد .
– ـ و أبو بكر بن زهر .
– ـ و علي بن حزمون
– ـ و القاضي أبو عمران موسى بن عيسى بن عمران .
هذا ما يميز حياة عبد الواحد المراكشي كما وردت متناثرة في كتابه و إن كان في الحقيقة لا يكشف كثيرا من الغموض الذي يكتنف حياته و بخاصة اضطراره إلى مغادرة المغرب و رحلته إلى المشرق و مكوثه به بالرغم مما كان يعانيه من ضيق الحال و الهم و الغم، و ما كان يبديه من شوق لأرض الأندلس كما يلاحظ في وصفه لها بقوله: »هي مطلع شموس العلوم، و أقمارها و مركز الفضائل و قطب مدارها، أعدل الأقاليم هواء و أصفاها جوا و أعذبها ماء و أعطرها نبتا و أنداها ضلالا و أطيبها بكرا مستعدبة و آصالا:
أرض يطير فؤادي من قرارته شوقا لها و لمن فيها من الناس
قوم جنيـت جنـي ورد بذكرهـم فهل بلقياهم أجني جنـي آس »
موضوع المؤلَّف : موضوع « المعجب » تاريخ المغرب حتى سنة إحدى و عشرين و ستمائة (621 هـ) بدأه بعد المقدمة بالتعريف بجزيرة الأندلس و حدودها و التعريف بمدنها ثم تحدث عن فتحها و عن سير ملوكها، و من دخلها من التابعين، ثم تحدث عن الولاة الذين تعاقبوا عليها،ثم عن دولة الأمويين فالأدارسة فملوك الطوائف فالمرابطين فالموحدين و ما يربط بقبائل الموحدين… ختمه بذكر أقاليم المغرب و الأندلس مع التعريف ببعض مدنها و ما بهما من المعادن و الأنهار الكبرى …وفي ثنايا ذلك أورد أخبار عن الأدباء و العلماء و الشعراء و سرد كثيرا من قصائدهم مما يؤكد سعة ثقافة المراكشي في التاريخ و الأدب و الجغرافيا…و ذوقه الرفيع في حفظ من الشعر و حسن ما انتقى و ما أملى و ما سجل.
و قد اعتمد في تأليف كتابه هذا على ما كان يمليه من ذاكرته مما رواه مشاهدة أو سماعا عن ثقات أو مطالعة في كتب المؤرخين .ملتزما في ذلك كله ـ كما يدعي ـ تحري الصدق و توخي الإنصاف و الإجمال و التلخبص ـ وان كان مما دفعه الى الإجمال حاجته الى تدبير أحوال معاشه كما يصرح هو .
دواعي تأليفه: كان تأليف المعجب استجابة لطلب وزير عباسي يبدو أنه كان له فضل كبير على مؤلفنا ، فقد انتشله من حضيض الفقر و الخمول و اعتنى به و أكرمه و أحسن إليه، فوجد المراكشي نفسه أسيرا لهذا الفضل ملتزما برد الجميل فأجابه إلى طلبه المتمثل في « إملاء أوراق تشمل أخبار المغرب و هيئته و حدود أقطاره و شيء من سير ملوكه خصوصا ملوك المصامدة بني عبد المومن
Aucun commentaire